Skip to main content
عندما‭ ‬تكون‭ ‬الثورة‭ ‬صواباً ‬وما ‬بعدها‭ ‬فوضى‮‬
عبد الحميد اجماهيري
يحدُث‭ ‬بالفعل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الثورة‭ ‬على‭ ‬صواب،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬مع‭ ‬إسقاط‭ ‬العقيد معمر القذافي في ليبيا (‬مرت ثماني سنوات‭ ‬يوم ‭ ‬17فبراير/ شباط ‬الحالي على‭ ‬رحيله)، ويكون‭ ‬ما‭ ‬بعدها‭ ‬شيءٌ‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الشك،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬جدول‭ ‬أعمالٍ تضعه‭ ‬الفوضى‭.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
لم‭ ‬يكن‭ ‬أمام‭ ‬الليبيين‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بإسقاط‭ ‬العقيد‭ ‬الذي‭ ‬أغلق‭ ‬عليه‭ ‬نظامه،‭ ‬وتعالى‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬بنظرياتٍ‭ ‬قريبةٍ‭ ‬من‭ ‬الطلسم‭ ‬الأيديولوجي. ‬لهذا،‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬الليبيون‭ ‬بالندم‭ ‬لنهاية‭ ‬العقيد،‭ ‬لكنهم‭ ‬دخلوا‭ ‬منطقةً‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬فيها‭ ‬إيجاد‭ ‬التغطية‭ ‬الجوية‭ ‬لانتقال‭ ‬سلمي‭ ‬للسلطة‭ ‬وللديموقراطية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
سقط‭ ‬دكتاتور‭ ‬واحد،‭ ‬وخرج‭ ‬من‭ ‬معطفه‭ ‬الطويل‭ ‬عشرات‭ ‬الدكتاتوريين‭ ‬الصغار،‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قادة‭ ‬حربٍ‭ ‬أهلية،‭ ‬وصراع‭ ‬مسلح‭ ‬بين‭ ‬المليشيات. أوجدت ‬الثورة‭ ‬واقع‭ ‬‮ "اللادولة‮".‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬نظام‭ ‬الجماهيرية‭ ‬القديم.‬ ويبقى‭ ‬الحل‭ ‬طبعا‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬نسيجٍ‭ ‬شبيه‭ ‬بالدولة‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وإلى‭ ‬ما بعد‭ ‬الحكم‭ ‬الجماهيري‮!‬ هل‭ ‬تستطيع‭ ‬الثورة‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬بنفسها‭ ‬إلى‭ ‬الدولة؟ هذا‭ ‬سؤال‭ ‬التاريخ‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬الشامل. و‬لكن،‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬إيجاد‭ ‬حدٍّ‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الشروط‭ الموضوعية ‬لانتقال‭ ‬سياسي،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬الأضداد‭ ‬حول‭ ‬مائدة‭ ‬للتفاوض‭ ‬الوطني؟ في‭ ‬المشهد‭ ‬الحالي، عموما،‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬معطيات‭ ‬كبرى‭:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أولاً، صراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬اتفاقٍ‭ ‬رعته‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في عام 2015،‭ ‬ومقرّها‭ ‬طرابلس،‭ ‬في مقابل‭ ‬قوة‭ ‬مهيكلة،‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الليبي،‭ ‬قائمة‭ ‬بدعم
‭ ‬من‭ ‬البرلمان‭ ‬المنتخب‭ ‬وجيش‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮ثانيا، ‬أجندة‭ ‬أممية‭ ‬لا‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬الانتقال‭ ‬السياسي‭ ‬وضمان‭ ‬الاستقرار،‭ ‬شرطا‭ ‬لعودة‭ ‬السلاسة‭ ‬المؤسساتية،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬المتابع ‬‮(‬الملاحظ‭ ‬الملتزم‮)‭ ‬أكثر منها‭ ‬القوة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬وضع‭ ‬جديد‭.‬ بل‭ ‬الأنكى‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تعطي‭ ‬الانطباع بأنها‭ ‬أسيرة الغموض‭ ‬والتردّد، الأمر ‬الذي‭ ‬يشجع على البحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬أخرى،‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬أممي ‭
‬لتغيير‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬والتوجه‭ ‬إلى‭ ‬كسب‭ ‬مساحاتٍ‭ ‬من‭ ‬الميدان‭ ‬المتصارع‭ ‬عليه‬‭.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ثالثا، التنظيم‭ ‬المسلح‭ ‬المحسوب‭ ‬على ‭ ‬‮تنظيم الدولة الإسلامية (داعش‮)‬،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬سقطت‭ ‬نواته‭ ‬القوية،‭ ‬فقد‭ ‬أفسح‭ ‬لنفسه‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬البلد،‭ ‬وتمكن‭ ‬طوال‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬سرت‭ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬القذافي،‭ ‬وصار‭ ‬أنصاره‭ ‬يشكلون‭ ‬تهديدا‭ ‬قائما‭ ‬يتجاوز‭ ‬قدرة‭ ‬البلاد‭ ‬نفسها،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬دولةٍ‭ ‬قوية‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تدبر‭ ‬آفاقه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
الواضح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بالذات،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬التدبير‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬دول‭ ‬الجوار‮، فالمغرب‭ ‬الذي‭ ‬دبّر‭ ‬معطيات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬في‭ ‬منأىً‭ ‬عن‭ ‬الصراعات‭ ‬واللااستقرار‭ ‬مطالبٌ‭ ‬اليوم‭ ‬بأن‭ ‬يدبر‭ ‬المصالحات‭ ‬الوطنية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الجماهيرية‭ ‬القديمة،‭ ‬وقد‭ ‬أفسح‭ ‬للمفاوضات‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الصخيرات‭ ‬حيزا‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬الديبلوماسي،‭ ‬ورعى‭ ‬مع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
البلد‭ ‬الآخر،‭ ‬تصل إليه‭ ‬شظايا‭ ‬يوميا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬تونس‭ ‬أن‭ ‬تدبّر‭ ‬عملية‭ ‬مزدوجة،‭ ‬نيران‭ ‬داخلية‭ ‬تجد‭ ‬ملجأ‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الجوار،‭ ‬وتدبير‭ ‬انتقالها‭ ‬بما‭ ‬يقوي‭ ‬قدرتها‭ ‬المؤسساتية‮. الجزائر‭ ‬تحتمى‭ ‬بوقائع‭ ‬الحرب‭ ‬العشرية‭ ‬الصعبة،‭ ‬لكي‭ ‬تمنع‭ ‬نفسها‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬بجوارها‭ ‬من‭ ‬جديد.‬‭ ‬وعملت‭ ‬على‭ ‬تجميد‭ ‬أي‭ ‬انتقال‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬ديموقراطي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬لفائدة‭ ‬دفع‭ ‬أشباح‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬أطوارها‭ ‬عقدا، في بلاد المليون شهيد.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ليبيا اليوم مختبر تاريخي كبير، يشهد على ما يمكن أن تكونه الجغرافية السياسية للدول في شرق المتوسط، وفي تراكب الدولي مع المحلي في ترتيب الوجود التاريخي لشعبٍ ما من الشعوب.