Skip to main content
عيد الفطر في العراق على وقع النحيب والألم
آدم محمود ــ بغداد
على وقع صوت النحيب ولطم الخدود، لفقدان ابن في تفجيرات بغداد، واعتقال آخر من قبل المليشيات، وأنين ثكلى تناجي ربها أن تسمع خبراً يطمئنها على فلذة كبدها الذي لا أثر له، بعد هروبهم من مدينتهم الفلوجة، وبكاء آخرين على أهلهم الذين هدّ قصف الطائرات البيوت على رؤوسهم في الموصل، يستقبل العراقيون عيد الفطر.

ففي بغداد، عاصمة البلاد، ما زالت النساء والرجال والصغار يبكون ذويهم في موقع الفاجعة التي وقعت الأحد الماضي، بحي الكرادة، حيث استُهدفت منطقة تجارية مزدحمة يؤمها متبضعون للعيد. وفي حين صرحت دائرة صحة بغداد بأن الضحايا يبلغ عددهم نحو 200 قتيل وجريح، أكد شهود عيان ومصادر صحية أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وأن جثث العديد من الضحايا ما تزال تحت الأنقاض.

وحتى الآن، يزور بعض الناس موقع التفجير وصوت نحيبهم يملأ المكان؛ فهم لم يجدوا جثث أبنائهم، فكثير منها تفحمت ولم يبق لها أثر.

ولشدة هول الفاجعة عليهم، لم يرُق لأهالي الكرادة حضور رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلى موقع التفجير للوقوف على الحادث، واتهموا الحكومة بالتقصير في توفير الأمن للمواطنين، وهتفوا بعبارات قاسية ضد العبادي، الذي حاول تحاشي غضب المواطنين بمغادرة المكان، لكن الأهالي حاصروا سيارات موكبه ورشقوها بالحجارة والأحذية، بحسب ما توضح مقاطع فيديو نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي.

ويقول سكان الكرادة، إنه لا عيد يشهدونه هذا العام، فما وقع لا يمكن نسيانه بسهولة. وبحسب ضياء الدين العزي، الذي شارك في إطفاء حرائق المحلات التجارية التي دمرها التفجير "لم أشهد فاجعة مثل هذه، الكثير من الناس تفحّموا بسبب الحريق".

وواصل حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "صور الجثث المتفحمة ما زالت عالقة في مخيلتي، أراها أمامي أينما وليت وجهي".


فيما يقول علي نجم، الشاب العشريني، إنه فقد أصدقاءه الذين يعملون في هذا المكان، "بعضهم تعرفت على جثثهم، وآخرون لم نعرفهم حتى الآن".

ويضيف نجم: "لن ينسى أهالي الكرادة هذه الفاجعة، ولن تندمل جراحاتهم بسرعة، لقد كان الناس يتبضعون للعيد، كانت الحياة جميلة حين أتذكر وجوههم وهم فرحون يصطحبون زوجاتهم وأطفالهم".

وتابع بالقول: "كانت المحلات التجارية والمطاعم مكتظة بالناس، فالكرادة مدينة لا تنام، لا سيما في مناسبات رمضان والأعياد والاحتفالات، لذلك أشعر بألم يعتصرني كلما تذكرت كيف تحول هذا الفرح على وجوه الناس الآمنة إلى حزن وبكاء وعويل يملأ المكان خلال لحظات قليلة".

لا ينتمي الحزن في العراق إلى مكان واحد أو منطقة منفردة فقط، بل يتجاوز الحدود إلى مناطق تفصل بينها أميال طويلة.

فعلى بعد 62 كيلومتراً من الكرادة، حيث الفلوجة التي تحررت في 26 يونيو/حزيران من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي فرض عليها سيطرته منذ أكثر من عامين، ذاق سكانها ويلات مستمرة منذ أن حكمها التنظيم، لتزداد شدة الألم بعد اندلاع معركة تحرير مدينتهم، ليجدوا أنفسهم وسط رحى معارك شديدة النيران، فهم بين القوات العراقية والمليشيات المرافقة لها والقصف الجوي لطيران التحالف الذي تقوده أميركا، والطيران العراقي، وبين نيران عناصر "داعش" الذين يحاولون صد الهجمات.

تقول الحاجة أم محمد، وهي ستينية، إنها لا تعرف شيئا عن ولدها واثنين من أحفادها، مؤكدة أن المليشيات اقتادتهم إلى جهة مجهولة بعد هروبهم من الفلوجة.

وتضيف لـ"العربي الجديد"، أن "هذا أصعب رمضان يمر علينا، وأقسى عيد نعيشه، لا نطلب سوى جمعنا بأبنائنا، وها نحن راضون بالعيش وسط هذه الخيم بلا أدنى خدمات، فيما حرارة الجو تصل إلى 50 درجة مئوية".

وتطور مكاتب الإعلام العائدة لـ"داعش" في الموصل كيفية إيصال رسالتها إلى السكان. وقد عرضوا وما زالوا مقاطع فيديو وتقارير توثق انتهاكات المليشيات بحق سكان الفلوجة الذين هربوا للنجاة بأرواحهم.

يقول عبد الرحيم النعيمي، الذي يتواصل باستمرار مع إخوته في الموصل، إن "السكان هناك قلقون باستمرار من مشاركة المليشيات. هم يرون أن الدور حان عليهم ليكونوا ضحية الانتقام الطائفي على يد المليشيات".

وتُتهم المليشيات بارتكاب فظائع وانتهاكات بحق السكان المدنيين في مناطق من العراق، وذلك لدوافع طائفية. فيما تلك المليشيات تتمتع بسلطة قوية في البلد، كون غالبيتها تعود لأحزاب السلطة ومدعومة من أكبر الشخصيات الحكومية.

ويضيف النعيمي، لـ"العربي الجديد"، أن "أهالي الموصل النازحين خارجها، يلوكون الهم والألم على ذويهم داخل المدينة"، مبيناً "كنا نتمنى أن نشهد العيد وهم بيننا، لكن هذا العيد كتلك الأعياد التي سبقته منذ احتلال المدينة، لا طعم له ولا قيمة".

 

مواد الملف