التقارير التي تنشر أخيرا في الإعلام عن خلافات في السلطة "العميقة"، والتي تصل إلى
إمكانية أن يكون رامي مرشحاً للرئاسة مستقبلاً، وسواها، وكذلك بما يخص الابتزاز الروسي عن ضرورة تأمين ملياري دولار. وهناك الابتزاز الإيراني المستمر، والذي تنال طهران، بموجبه، عقوداً اقتصادية جديدة؛ كلها تقول إن المستقبل لن يكون سهلاً على السلطة العميقة ذاتها.. إن إعادة المناطق، واحتمال إيجاد استقرار كامل في إدلب، عبر إعادتها إلى حضن النظام أو بالتقاسم مع تركيا، وكذلك الوصول إلى تسويةٍ في شرقي الفرات، أقول أيضاً هذه لن تسمح بإعادة إنتاج النظام ذاته، ورامي جزء من هذا النظام. وهنا السؤال الكبير: هل يستطيع النظام الحالي إجبار رجال الأعمال الطفيليين على إعادة رأسمالهم إلى خزينة الدولة، أو الدفع للروس حينما يطلبون مالاً؟ والمساهمة في إعادة الإعمار، وبالتالي إعادة إنتاج السلطة ذاتها؟
ليس الموضوع بسيطاً، والمليارات التي سُرقت من الثروة السورية والدولة والمواطنين تسمح بإعادة الإعمار. ولكن هل الإعادة ممكنة من أصلها؟ هذا غير وارد، وبالتالي سنشهد تفكّكاً، مستمرّاً في السلطة، حيث انتقل الصراع إلى داخلها، وهي وكل أجنحتها ليست مكان ترحيب دولي أو إقليمي. وكون الصراع أصبح ضمنها، فهذا لا يعني استمرار تكاتفها، حيث هناك ضرورة لإعادة الإعمار، وهناك رفض لهذا الطلب، وبالتالي سنشهد انقساماتٍ جديدة، ستغذّيها بالضرورة كل من روسيا وإيران بالتحديد، باعتبارهما فاعلتين في كل أركان الدولة والسلطة.
سورية، كما صرح أخيرا وزير الخارجية الروسي، لافروف، تنهي آخر بؤر الصراع، وبالتالي هناك ضرورة لتسوية مستقبلية، أو حل سياسي أو صيغة ما للحكم ولتسيير شؤون الدولة وتنظيم النهب "إعادة الإعمار". المشكلة هنا أن إنهاء مناطق الصراع وتهميش المعارضة فكّك النظام ذاته، وبالتالي ستكون أية تسوية شاملة، وستطاول ببنودها النظام والمعارضة معاً. سورية الآن محتلّة من روسيا وإيران، وهناك تركيا وأميركا وإسرائيل، وللجميع حصص كبيرة فيها. وضمن ذلك، أي حلٍ للوضع السوري سيتجاوز أهداف الثورة وأوهام إعادة النظام، وسيناسب مصالح الدول المحتلة لسورية، وربما، ومن أجل سيطرةٍ مديدةٍ على سورية، سيتم اختيار شكل للحكم شبيه بالنظام العراقي أو اللبناني؛ ربما يتوهم بعضهم أن روسيا باعتبارها ستكون المنفذة الفعلية لسياسات الاحتلالات، لن تذهب إلى نظامٍ طائفي، بل إلى نظام أقرب للدولتي والديموقراطي. يُكذّب أوهاما كهذه أن في روسيا ديموقراطية منخفضة، وأن الروس يتكلمون عن الشعب السوري كطوائف وقوميات، وبالتالي رؤيتهم لسورية هي ذاتها رؤية الأميركان للعراق، أي كطوائف وقوميات وعشائر وسواها.
لن تأتي الأموال من أوروبا أو الخليج المنهك بصفقات الأسلحة وبحرب اليمن ودعم الثورات
المضادة. وليس في مقدور النظام تغيير جلده، ولا إعادة الأموال التي نهبها هو وزبانيته من رجال الأعمال. الوضع معقد للغاية، والكتلة الأكبر من النظام تتمسّك بموقعها، اعتقاداً منها أن روسيا وإيران لن تتخليا عنها، باعتبارها هي من مكّنت الدولتين من احتلال سورية، وشَرّعت وجودهما، وما زالت تعدهما بمزيدٍ من السيطرة على سورية وثرواتها. إشكالية هذه الرؤية أن الدولتين الداعمتين ليستا في وضعٍ اقتصاديٍّ يسمح باستمرار ذلك، وهما تقتطعان استثمارات في سورية لتعويض خسارتهما بالأصل؟
إذا ما العمل؟ ضغط النظام أخيرا على رجال الأعمال، وهناك من شبّه الأمر بما فعله ولي عهد السعودية محمد بن سلمان بالأمراء وكبار رجال الأعمال في بلده قبل أكثر من عام، أي إجبارهم على إيداع ملايين الدولارات في خزينة الدولة لتسيير شؤونها، ومنعاً من انهيار العملة، واندلاع أزمة اجتماعية كبرى في البلاد. فعلاً أودعت الأموال، وتراجع سعر صرف الدولار، وتمّ شراء نفط السفينة الإيرانية، ولكن ذلك كله لن يغيّر من جوهر المشكلة أبداً. وهذه وفي حال تكرارها ستدفع من بقي من رجال الأعمال إلى الفرار من البلاد، وحتى لو كانوا ممن أثرى واغتنى من اقتصاد الحرب ودماء الناس. وهو متاحٌ لهم، وسيجدون طرقاً لتهريب ملايينهم بالتأكيد. إذاً ستتكرّر قصة الإجبار على الدفع، وإلّا المحاكمات والسجن، ولكن ذلك ليس حلاً، وبالتالي ستتفاقم الأزمة، ولا بد من بديل عن النظام ذاته!
ذكرت أعلاه أن رامي مخلوف، أو أية شخصية محسوبة على السلطة العميقة، لن تكن بديلاً عن الرئيس الحالي؛ فهو أفضل الموجودين بالنسبة للروس والإيرانيين. وكذلك ليس في مقدور أية شخصية من النظام أن تملأ فراغاً رئاسياً في حال اتُخِذ القرار بتغيير الرئيس. فاتورة الحرب، وإعادة الإعمار، والتشدّد الأميركي والأوروبي إزاء رفض إعادة إنتاج النظام، أمور ستفرض إيقاعها على أي تسوية مستقبلية. وقد فعل الروس كل ما في وسعهم في السنوات السابقة، لإعادة إنتاج النظام وفشلوا. وبالتالي هل وضعوا مصير الأسرة الحاكمة في سورية على طاولة التفاوض المستقبلية؟