Skip to main content
مرصد العدالة الإجتماعية: موازنة القهر في العراق
أيسر جبار ــ بغداد
الفقر يتفشى في المجتمع العراقي(فرانس برس/getty)
فاق حجم موازنة العراق منذ عام 2003 حتى اليوم الـ538 مليار دولار، ‏إيراداتها في غالبيتها ‏من النفط، ليأخذ الجانب التشغيلي الحصة الأكبر من نفقات ‏الموازنة. ‏وتتصدر احتياجات الأمن والدفاع أبواب الإنفاق، فيما تطرق العدالة ‏الاجتماعية باب ‏الموازنة سنوياً، فلا تجد من يوليها الاهتمام المطلوب.‏ ‏
ويعتبر العراق من الدول الأكثر إنتاجاً للنفط عالمياً، وباحتياطي يحتل مراكز ‏عالمية ‏متقدمة كذلك، وبرغم ذلك يعيش العراقيون في فقر وبطالة وحرمان ‏تتزايد نسبتها ‏عاماً بعد عام. وبرغم الأرقام الرسمية التي تعلن انخفاض ‏معدلات الفقر والبطالة، لتعود وترفعها في فترة الأزمات، إلا أن شكوكا كثيرة ‏تدور حول صحة هذه الأرقام، وخصوصاً مع وجود واقع مرير ومنظور يجثم ‏على أجساد العائلات العراقية.‏
ويقدر حجم موازنة العراق في العام الحالي بحوالى 150 مليار دولار، وقد ‏اعتبرت ‏الأعلى في تاريخ هذا البلد، بزيادة 30 مليار دولار عن العام الذي ‏سبق، وبإيرادات ‏تشكل الصادرات النفطية حوالى 93% من قيمتها الاجمالية. ‏وبرغم هذا المدخول ‏النفطي المرتفع، أعلنت بعثة الأمم المتحدة في العراق ‏‏"يونامي"، في منتصف العام ‏الماضي، أن 6 ملايين عراقي من أصل 33 ‏مليوناً ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر. ‏ولفتت البعثة إلى وجود تفاوت طبقي واضح في العراق من حيث مستوى ‏الدخل، وذلك "نتيجة تفشي الفساد على نحو واسع بعد عام 2003 وغياب ‏العدالة الاجتماعية".‏

غياب العدالة الاجتماعية

وفي السياق ذاته، حذرت منظمة الأمم المتحدة، في العام الماضي أيضاً من ‏‏"تدهور وضع الأمن الغذائي في العراق، مع استمرار التدهور الحاصل في ‏الأراضي الزراعية وأنظمة الري والمناخ، في مقابل ارتفاع حجم الاعتماد على ‏استيراد المواد الغذائية. وقالت إن نحو ستة ملايين عراقي يشكلون ما نسبته ‏‏20% من السكان "محرومون من الغذاء، أو يتعرضون لانعدام الأمن ‏الغذائي‎"‎‏.‏
يوضح الخبير الاقتصادي معتز فهد لـ"العربي الجديد"، أن موازنات ‏العراق لم ‏تنتهج العدالة الاجتماعية فعلياً، لا بل يمكن القول إنها وفرت العدالة ‏لشريحة ‏الموظفين فقط، في حين أغفلت شريحة كبيرة من المواطنين الذين أغلبهم وصلوا إلى ما ‏دون مستوى خط الفقر. ‏لذا فإن السلطة العراقية، وفق فهد، عمدت بسياساتها المالية والاقتصادية إلى ‏تعميم ‏نقص الخدمات من ماء وكهرباء وسكن وتعليم وبنى تحتية...‏ ‏
تصريح يعيد الضوء إلى تقارير كثيرة تحدثت عن حجم الفساد الحاصل في ‏عملية التوظيفات الحكومية، والرواتب التي تُدفع للمحسوبيات والتي تقدر ‏بملايين الدولارات.‏
ويشرح الخبير الاقتصادي ملاك عبد الرضا أمين لـ"العربي الجديد"، أن ‏الحكومات ‏العراقية تصدر منذ عام 2003 حتى الآن قرارات وآليات بشأن ‏الموازنات المالية لم ‏تنم العراق لا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا حتى أمنياً. أما ‏السبب فهو أن مفهوم العدالة الاجتماعية يجب أن يرتبط بخلق نمو اقتصادي ‏وإنتاجي ومعيشي. ‏
لكن الواقع في مكان آخر، إذ يوجد، وفق أمين، ‏ما يقرب من الـ9000 ‏مشروع منذ عام 2003 حتى الآن، وقيمتها الإجمالية ‏تتجاوز الـ250 مليار ‏دولار، لكن لم ينجز منها سوى 400 مشروع فقط، أما ما بقي منها فمتوقف أو ‏تم إلغاؤه نتيجة الفساد والتلكؤ في العمل. ويعتبر الخبير الاقتصادي أن هذا ‏الواقع أدى إلى تفشي البطالة المقنعة التي وصلت ‏نسبتها حتى اليوم إلى ‏‏24%، كما أن مستوى المعيشة لم يرق إلى مستوى الطموح، ‏فضلا عن أن ‏الوضع الأمني في تدهور مستمر... لذا، يستنتج أمين، أن هذه المؤشرات ‏تطرح الكثير من التساؤلات حول حجم الموازنات وآلية توزيع نفقاتها. ‏

الامن الاستثنائي

من جانبها، تشير عضو اللجنة المالية في مجلس النواب ماجدة التميمي ‏لـ"العربي ‏الجديد"، أن أبواب الموازنات تعددت بحسب حاجة البلاد لها في كل ‏عام. لكن باب ‏الأمن والدفاع في كل الموازنات كان يأخذ الصدارة، بسبب ‏الوضع الأمني الاستثنائي ‏الذي يعيشه العراق، فتجده يصل إلى 17% من حجم ‏الموازنة العامة، عدا موازنة ‏الطوارئ التي تتراوح بين 5 و10% أيضاً. أي ‏أن ما يذهب لاحتياجات الأمن ‏والدفاع يصل عادة إلى 30% من حجم ‏الموازنة.‏ ‏
وتلفت التميمي إلى أن في ذلك سلبيات كثيرة على مستوى التنمية الاقتصادية ‏للبلاد، لكن ‏أيضاً لا يمكن تحقيق أي تطور اقتصادي بلا استقرار أمني. ‏
إلا أن مستشار وزارة المالية العراقية لطيف الدين أحمد يقول لـ"العربي ‏الجديد"، إن الدولة ‏العراقية ومنذ عام 2003 أعطت شيئا من العدالة ‏الاجتماعية في موازناتها من ‏خلال توفيرها درجات وظيفية تقلل من حجم ‏البطالة التي تزيد نسبتها في كل عام. وذلك ‏فضلاً عن توفير مبالغ تعين العائلة ‏العراقية على تخطي الفقر من ‏خلال أموال الرعاية الاجتماعية.‏
ويشرح أحمد أن الموازنات طيلة السنوات العشر ‏الماضية اتجهت إلى ‏تخصيص وظائف حكومية بمئات الآلاف حتى ارتفعت نسبة ‏الموظفين ‏الحكوميين، وفق وزارة التخطيط، حتى النصف ‏الأول من عام ‏‏2014 إلى نحو 301%، حيث بلغ عدد الموظفين الحكوميين نحو خمسة ‏ملايين و800 ألف موظف ‏يتقاضون رواتبهم من الحكومة. وهذا الأمر يشكل ‏عبئاً كبيرا على موازنة الدولة ‏التشغيلية.‎ ‎
ويتابع أحمد أن الموظفين الحكوميين ليسوا وحدهم من يتقاضون رواتب من ‏الحكومة، ‏فهنالك 2 مليون متقاعد و7 ملايين شخص ينتمون إلى ‏شبكة الرعاية ‏الاجتماعية.‏
ويضيف أحمد أن موازنات العراق منذ عام 2003 حسنت من المستوى ‏المعيشي ‏للمواطن، فبعد أن كان دخل المواطن قبل عام 2003 يصل إلى 700 ‏دولار في السنة أصبح اليوم 7000 دولار في السنة الواحدة، فضلاً عن أن ‏الموازنات قللت من ‏مستوى الفقر؛ حيث إن مستوى الفقر حتى عام 2003 ‏وصل إلى 80% من سكان ‏العراق. أما اليوم فوصل إلى 17%، وهذا قبل أحداث العاشر من يونيو/حزيران الماضي ‏عند اجتياح تنظيم "داعش" لعدد من ‏المحافظات العراقية والذي تسبب في وصول نسبة ‏الفقر في البلاد إلى 30%.‏ ‏
‏فعلياً، لم تعمل الحكومات العراقية على سياسات اقتصادية قائمة على التوزيع العادل للثروة، ولم تستغل النفط لتطوير أسس اقتصادية متينة تزيل شبح الفقر والبطالة عن العراقيين، إن لم يكن الآن، فللأجيال اللاحقة.