Skip to main content
نازح سوري يلوذ بمقبرة هرباً من رصاص روسيا والنظام
عبد الله البشير
أجبر القصف الوحشي الذي شنّته الطائرات الحربية الروسية وقوات جيش النظام السوري، سكان مدن وبلدات الريف الجنوبي في محافظة إدلب، على النزوح تاركين خلفهم ذكريات لمنازلهم ولحياة كانوا يأملون أن ينعموا فيها بأمان. غير أن لعائلة النازح السوري طارق الزعيم الملقب بـ"أبو محمد" قصة محزنة تختزل الكثير من الألم.

محمد، أحد أبناء طارق الخمسة، شتّت النزوح أفكاره بين التطلع لغد أفضل والحنين إلى الماضي، يقول لـ"العربي الجديد": "كنا نعيش في مدينة معرة النعمان، نحتمل القذائف والقصف فيها، وعندما ارتفعت وتيرة القصف والتصعيد العسكري، أجبرنا على النزوح، وخلال مغادرتنا رأيت سيارة تعرضت للاستهداف بالرشاشات، أثار هذا  المشهد الرعب في نفسي".

ويردف محمد: "كان التعليم جيدا في المدينة وكان لديّ أصدقاء أحبهم كثيرا، لم نكن نريد مغادرة معرة النعمان، وعندما أجبرنا على ذلك عشنا معاناة حقيقية، لم نجد سيارة تقلنا خارج المدينة. أصدقائي لا أعلم أين هم في الوقت الحالي. نعيش اليوم بين القبور، نقضي نهارنا جالسين بينها، أتمنى أن أدرس في المستقبل وأن تتحسن أوضاعنا، وأن لا يبقى الوضع على ما هو عليه".

ويروي طارق أبو محمد قصة نزوحه منذ خروجه من مدينة معرة النعمان حتى وصوله لإحدى المقابر في مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، قائلا لـ"العربي الجديد": "أنا ربّ أسرة وكنت موظفا في المجلس المحلي لمدينة معرة النعمان، لديّ عائلة مكونة من زوجتي وأولادي الخمسة، سابقا كنت موظفا في حكومة النظام وعندما اندلعت الثورة بسبب الظلم والاستبداد الذي كان يعانيه الشعب، كان راتبي 25 ألف ليرة سورية وأحيانا يصل لـ30 ألف ليرة (58.2412 دولارا أميركيا)، وغيري لم يكن لديه القدرة على شراء شيء لعائلته، تركت وظيفتي والتحقت بالثورة عند اندلاعها، عملت في منظمة ثم في المجلس المحلي، قبل أن أفقد كل شيء".

ويشير الزعيم لأرقام مخيفة من القذائف والصواريخ قصف بها النظام مدينة معرة النعمان فيقول: "عندما بدأ التصعيد الأخير قصفنا النظام بأكثر من 450 صاروخا، هذا كله عدا غارات الطيران الحربي والصواريخ العنقودية. غادرنا المدينة لا نحمل سوى ملابسنا. وصلنا إلى غرب محافظة إدلب، جلسنا في دار قيد البناء، غير أن صاحبتها طالبتنا بالخروج منها، وبالفعل أفرغناها، لكن التقينا شخصا من المنطقة ذاتها يملك معملا، عرض علينا السكن في غرفة بمنافع، كانت الغرفة بعيدة عن البلدة، نظرت حولي وجدت أنه من الصعب علي المعيشة فيها، بحثت عن بيت لأقيم فيه مع عائلتي هنا، وطلبوا إيجارا ما بين 100 و150 دولارا، لم يكن لدي أي استطاعة لدفع هذه المبالغ".


ويبدو أن مجاورة الأموات كانت أهون على الزعيم من مجاورة الأحياء، كما يصف، ما جعله يقيم في مقبرة. ومن القصص المأساوية التي يعيشها ما يعانيه مع ابنته المصابة التي تضررت كليتها وتأثر بصرها بسبب قذيفة استهدفت منزل العائلة، يقول: "لا أملك المال لعلاج ابنتي، ومجاورة من لا أرواح لهم أرحم من مجاورة من لديهم أرواح".

وللسكن في المقبرة تأثيرات، كما يوضح الزعيم، فأولاده يخافون ليلا، ولا يستطيع تركهم للبحث عن عمل أو تأمين لقمة العيش، مشيرا إلى أن أهل الخير يقدمون لهم يد العون ويزودونهم بالطعام والشراب، ويأمل أن تحمل الأيام القادمة الخير وأن يتمكن من العودة لبيته في مدينة معرة النعمان.

وكانت قوات النظام قد أحكمت سيطرتها على مدينة معرة النعمان التي تعتبر واحدة من أكبر مدن محافظة إدلب ومركزا لمنطقة معرة النعمان أيضا، وكانت المدينة تضم نحو 50 ألف شخص، بينهم نازحون ومهجرون أقاموا فيها قبل النزوح الذي حولها إلى مدينة أشباح وجعل منها مقصدا للشبيحة الذين بدأوا بتعفيش المنازل فيها.