Skip to main content
‮‬المغرب.. ‬من تناوب بلا بديل إلى بدائل بلا تناوب
عبد الحميد اجماهيري
مرت سنة علي‮ ‬تشريعيات 7 أكتوبر المغربية،‮ ‬والتي‮ ‬أعطت فوزا واضحا لحزب العدالة والتنمية،‮ ‬وقائده عبد الإله بنكيران‮ الذي‮ ‬كان‮ ‬يرأس الحكومة‮ ‬قبل الانتخابات‮. ولعل ‬هذا‮ ‬يحدث للمرة الثانية في‮ ‬تاريخ المغرب السياسي‮ ‬المعاصر،‮ ‬والتي‮ ‬يعود فيها الحزب الذي‮ ‬يقود الحكومة في‮ ‬ولايةٍ سياسيةٍ مثقلة بالمضامين والانتقالات،‮ بعد تجربة ‬زعيم الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية،‮ عبد الرحمن اليوسفي، ‬الذي‮ ‬قاد تجربةً حكوميةً مفصلية في‮ ‬تاريخ المغرب،‮ ‬من سنة‮ ‬8991 ‬إلى سنة 2002، ‬والتي‮ ‬شهدت تصدره النتائج التشريعية‮. وهي‮ ‬المرة الثانية التي‮ ‬لا‮ ‬يعود فيها زعيم سياسي‮، ‬بَصم تجربة سياسة وحكومية ببصمته، إلى دفة التدبير‮ ‬الحكومي‮.‬
وخارج هذه الثنائية،‮ ‬التي‮ ‬يمكن أن نسرد فيها سلسلة لا نهائية من‮ "‬المصادفات البنيوية‮"‬،‮ ‬هناك تحولات أعمق تحصل‮ ‬غير الذي‮ ‬يطفو علي‮ ‬سطح العين المجردة‮، فقد خرج‮ ‬المغاربة،‮ ‬في‮ ‬ما بعد‮ سنة 1102 ‬التي‮ ‬عرفت تظاهرات الربيع العربي‮ ‬الشهيرة،‮ ‬من زمن سياسي،‮ ‬بشارعه ودستوره وانتخاباته‮ ‬ودولته،‮ ‬خرج‮ من معادلة‮ٍ‮ ‬كان شعارها‮ ‬المغرب في‮ ‬حالة‮ "‬تناوب بلا بديل‮.."،‮ ‬كناية عن وجود قوى سياسية جديدة قوية ومعبأة‮، هي‮ ‬حزب العدالة والتنمية‮، ‬بدون وجود بديل في‮ مثل قوتها‮، إلى مرحلة‮ ‬يبدو أن‮ ‬النخبة التي‮ ‬شكلت البديل،‮ ‬في‮ ‬تلك الفترة‮، ‬أي‮ ‬ما بعد‮ 1102، ‬لم تستطع أن تتحول إلى نخبةٍ للتناوب الدائم. وبعبارة أخرى‮، ‬يشعر الرأي‮ ‬العام السياسي‮ ‬المتابع‮ أن المغرب خرج من صدمة‮ "‬تناوب بلا بديل‮"، ‬وانتقل‮ ‬إلى‮ ‬مفارقة جديدة مفادها بأن‮ "‬نخبة‮ ‬البديل، في‮ ‬ما بعد‮ ‬1102، عاجزة أن تكون نخبة التناوب‮". ‬لهذا كان الخيار الواضح‮ وجود توليفة سياسية، تجعل من نخبة‮ ‬الإسلاميين جزءا بسيطا من نخبة الحكم، لا‮ ‬نخبة البديل الجديد‮. ويمكن أن نؤطر الكتابة في‮ ‬الموضوع بثلاثة سياجات منطقية‮:‬
أولا، كان الشعور العام،‮ ‬ولعله‮ ‬ما زال‮، ‬أن البلاد تتخوف من مقولة جعلتها موازين القوى 
المختلة ‬التوصيف الوحيد الممكن لما جرى من بعد‮ ‬2011، ‬بعد اندماج العقدي‮ ‬في‮ ‬السياسي‮،‮ ‬ووصول الإسلاميين إلى الحكومة،‮ ‬على قاعدة دستور واسع التشاركية‮. وكانت العبارة هي‮ ‬أننا ‬وصلنا إلى‮ ‬مأزق‮ ‬السياسة‮، لأول مرة‮، ‬مصحوبا بمأزق مجتمعي،‮ ‬وليس فقط نتيجة مآزق النظام‮ ‬السياسي، ما‮ ‬يعني‮ ‬أن المجتمع أفرز قوة سياسية جديدة‮،‮ ‬تطرح تأزيما على نخبة المجتمع نفسها‮،‮ ‬تمتاز،‮ ‬كما أشار أحد قادة الاتحاد التاريخيين‮،‮ "‬بما تميزت به الحركة الوطنية نفسها من قوة أخلاقية‮ ‬وسياسية، لا تستمدها من الدولة،‮ ‬بل من مشروعها الخاص، وقوة حضورها المجتمعي‮"، ‬كما تطرح المشكلة على الدولة‮‮ ‬التي‮ ‬رأت النور، وترعرعت وخاضت كل صراعاتها تحت ظلال‮ ‬الوطنية الديموقراطية‮.‬
ثانيا، ‬وصلت نخبة جديدة لم تكن شريكة في‮ ‬التعاقدات‮ الوطنية التأسيسية،‮ (‬ومن ذلك وثيقة المطالبة بالاستقلال لسنة 4491‬،‮ ‬والتي‮ ‬دعت الي‮ ‬الحرية وبناء الديموقراطية في‮ ‬الآن نفسه‮‬،‮ ‬والتوافق الوطني‮ ‬الكبير في‮ ‬1975‮‬من أجل الدفاع عن وحدة المغرب الترابية‮،‮ ‬ولا سيما تحرير الصحراء، بما تطلبه ذلك من تفاوض حول المسلسل الديموقراطي‮)‬،‮ مما تم اعتباره تحديا مزدوجا على الدولة، وعلى النخبة الوطنية الديموقراطية‮.
ثالثا، التشكيلة السياسية التي‮ ‬أعقبت‮ ‬2011،‮ ‬لم تستمر‮،‮ ‬بالتعريف السياسي‮ ‬لها، ‬والذي‮ ‬دبر السنوات الانتقالية،‮ ‬بل اتضح أن التشكيلة السياسية مغايرة من حيث منطقها،‮ ‬الذي‮ ‬يقوم‮،‮ ‬ليس على تدبير إفرازات التغيير الذي‮ ‬طاول‮ ‬الدولة والنخبة والنموذج الديموقراطي،‮ ‬بل على تدبير امتدادات ما بعد الربيع المغربي‮ في العام 1102.
‮وفي‮ ‬هذا السياق،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن ندبر الربيع العربي،‮ ‬بدون أن نتدبر تونس ومثالها،‮ ‬بعيدا عن الكليشهات التي‮ ‬تجعل النموذج‮ ‬يغري‮ ‬في‮ متحكمه السلطوي‮، ‬حقا أو التباسا‮، بل ما هو بادٍ‮ ‬للعيان من أن‮ ‬الوجهين الأساسيين للعملة‮، ‬حزب‮ ‬النهضة‮ ‬بزعامة تاريخية لراشد الغنوشي‮ ‬وحزب‮ نداء تونس ‬بزعامة نظامية للباجي السبسي،‮ ‬يستقران في‮ ‬الحكومة في‮ ‬الفترة الثانية، وبعد التعديل الذي‮ ‬جرى في‮ ‬الآونة الأخيرة.
‮هو‮ ‬ما‮ ‬يشبه التسوية التاريخية بدون عقدة إيديولوجية، ولكن بسلم قيم اجتماعي‮، ‬وبمعنى آخر 
تحالف استراتيجي‮ ‬لتدبير السلم الاجتماعي‮. ‬والملاحظ اليوم في‮ ‬تونس أن‮ ‬الحذر باق‮ على المدى المتوسط‮، لكن العداء تراجع‮، حتى في‮ ‬أقوى جبهات الحداثة‮ (لإرث والزواج‮) ‬لم‮ ‬يتصارع الضدان،‮ ‬بقدر ما تواعدا على تناول مؤسساتي،‮ ‬لقضية طاعنة في‮ ‬العقيدة‮!‬ ويبدو‮ ‬أن الهاجس المركزي‮ ‬هو تقوية دور الدولة والفاعل المركزي‮ ‬في‮ ‬تدبير السلم السياسي، على شيء آخر من قبيل تدبير الربيع التونسي‮..‬
في‮ ‬تونس أيضا،‮ ‬نتابع‮ ‬تقوية النظام الرئاسي‮ ‬البورقيبي‮ ‬القديم‮. ‬نتابع عودة مفكّرا‮ ‬فيها،‮ ‬إلى ‬المفاهيم المؤسسة للدولة الوطنية‮ ‬ما بعد الاستقلال‮: ‬هيبة الدولة‮ (وإن كنت لا أحب هذه الكلمة‮)، ‬وإعادة بنائها‮، مع الحفاظ على دستورية الممارسة السياسية‮.‬
يحق لنا‮، ‬مع استحضار الفارق في‮ ‬طبيعة النظام‮ وفي‮ ‬طبيعة الدولة في‮ ‬البلدين معا أن نتساءل‮: ‬أليس ممكنا أن‮ ‬يتقاطع تدبير الدولتين،‮ ‬في‮ ‬تونس والمغرب، لمرحلة‮ ‬ما بعد‮ ‬التغيير العميقة،‮ ‬كما تقاطع تفاعل الشارعين،‮ ‬المغربي‮ ‬والتونسي‮ ‬معا، في‮ ‬حركية المطالبة بالتغيير؟
خلاصة أولية بشأن ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬المغرب،‮ ‬بعد سنة من تشريعيات‮ ‬غير مسبوقة‮:‬ هناك‮ ‬انهيار‮ عميق للمنظومة الحزبية،‮ ‬وعودة أزمة الثقة‮،‮ ‬لأول مرة‮ ‬يتم التعبير عنها في‮ ‬خطاب للعرش،‮ ‬يجعل الملك‮ ‬يقول‮ "‬ليست لدي‮ ‬الثقة في‮ ‬بعض السياسيين‮"‬،‮ ‬وعجز‮ نخبة‮ ‬العرض السياسي‮ ‬الجديد‮ (‬الإسلاميون‮) ‬إلى‮ ‬التحول إلى نخبة للبديل الدائم،‮ ‬وتباطؤ في‮ ‬الخروج من الجمود السياسي،‮ ‬سواء‮ في‮ ‬الكيان البرلماني،‮ ‬أو في‮ ‬الجهاز الحكومي‮ ‬أو حتى الوسائطي‮ العام‮، ما‮ ‬لم‮ ‬يسبق حدوثه،‮ ‬ولعله‮ ‬يطرح بالفعل مصير الدولة ومآلها برمتها،‮ ‬كيانا وجهازا أيضا‮!‬