إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط المبعثرة

20 مايو 2025
+ الخط -

انهيار ما كان يسمّى إلى وقت قريب "محور المقاومة"، فرض دينامية جديدة تستهدف إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط، مدفوعة برغبة الإدارة الأميركية الحالية في طيّ ملفات الشرق الأوسط العالقة للتفرّغ لملف الشرق الأقصى الحارق. 

وإذا كان الشرق الأوسط الجديد الذي يلوح في الأفق، واضح المعالم بالنسبة لأميركا، متمثلاً في الاستثمارات الموعودة ومشتريات السلاح السخية من دول الخليج من أجل أميركا غنيّة من جديد، وانضمام الجميع إلى الحلف الإبراهيمي وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وصفقات إعادة إعمار مربحة وامتيازات أكيدة في القطاعات الواعدة خاصة قطاع الطاقة، والحدّ من الطموحات الجيو- استراتيجية والنووية الإيرانية... فما الذي تريده الدول العربية، وما هي التحديات التي يمكن أن تعيق هذه التطلعات؟ 

بما أنّ الشأن العام في البلدان العربية يُدار في القاعات المُغلقة بعيداً عن مايكرفونات وعدسات الصحافيين، ومن دون اعتبار لتطلّعات الشعوب العربية المغيّبة تماماً عن السياسات العامة للدول، مشكّلاً أحد الأعطاب المزمنة في الاستراتيجيات المتبعة من أنظمتنا السياسية الهجينة، فإننا سنحاول تخميين بعضٍ من هذه التطلعات والتحديات. 

أوّل شيء يمكن أن يتبادر للذهن، هو القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأولى للأمة العربية، فهل سيجري إنجاز الصفقة الإبراهيمية على حساب القضية الفلسطينية العادلة، وبالتالي التصفية النهائية لهذه القضية، التي كانت دائماً محلّ مزايدات بين الأيديولوجيات المتصارعة على الإقليم وموضوعاً معتمّداً على نحوٍ كبير في إحراج الأنظمة القائمة؟ أم أنّ الدول العربية ستدفع في اتجاه "حل الدولتَين"؟ وإذا رجّحنا من بين الاحتمالَين الاحتمالَ الأخير، فأين هم ممثلو الشعب الفلسطيني، الغائبون الكبار عن هذه اللقاءات التي تبدو في ظاهرها ودية؟ وما الذي يمكن للجانب الفلسطيني أن يقدّمه، بما أنّ الحديث الآن لا يجري إلّا عن الصفقات المربحة؟

لا تحتاج جراح الوطن العربي المفتوحة منذ أمد بعيد والمتقرّحة حاضراً، المزيد من صبّ الملح عليها

بالنسبة لإعادة الإعمار في كلّ من سورية ولبنان وغزّة (ويمكن أن تضاف إلى هذه القائمة دول أخرى لاحقاً)، كيف سيجري تدبير هذه القضية بالنظر إلى عدم اليقين الذي يلفّ الأوضاع في هذه الأماكن من العالم العربي، وكذلك التوجّس المشروع من بعض الأطراف داخلها؟ أصبح من الواضح أنّ موضوع إعادة الإعمار يمرّ بالضرورة عبر تحييد الأطراف الممانعة، وجرّها إلى الصفقات التي يجري التحضير لها، فهل ستقبل هذه الأطراف أن تقلّم أظافرها مقابل الرخاء والازدهار الموعودَين للأوطان والمواطنين؟

وأخيراً وليس آخراً، كيف ستكون مواقف القوى الإقليمية (إيران وتركيا) من هذه الدينامية التي تقودها المملكة العربية السعودية التي تريد التأكيد على أنّ العالم العربي يدخل في إطار مجالها الحيوي المخصوص الذي لا يجب أن يزاحمها فيه أحد، أو على الأقل بالتوافق معها. هل ستترك (هذه الأطراف) الأمور تسير بسلاسة، أم أنها ستحاول هي الأخرى الاستفادة من هذه التغيّرات الجارية، أو محاولة فرملة هذه الدينامية، باستثمار الأوراق التي ما تزال في حوزتها (إيران) أو تلك التي حصلت عليها في ظلّ التغيّرات الطارئة في المنطقة (تركيا)؟ 

لا يمكن لمتابع مهتم بالشأن الإقليمي والشأن العربي خاصّة، إلّا أن يثمن هذه الدينامية الجديدة التي يبدو أنّ لأصحابها نيّات حسنة تجاه قضايا الوطن العربي (انتزاع اعتراف مفاجئ وثمين من ساكن البيت البيض الحالي بالسلطات السورية الجديدة)، والمساهمة في دعم هذه المبادرة بتوفير المناخ السياسي والإعلامي المناسب لنجاحها، بما أنّ جراح الوطن العربي المفتوحة منذ أمد بعيد والمتقرّحة حاضراً، لا تحتاج للمزيد من صبّ الملح عليها. أما المواطن العربي المغلوب على أمره، فلا أعتقد أنه يستطيع تحمّل المزيد من الجراح والآلام.

مدونات أخرى