تغيير النظام في إيران: بين توازنات القوى وصعوبة التحولات
يبدو أن الحديث عن تغيير النظام في إيران لا يمكن فصله عن خريطة توزيع النفوذ العالمي، وتقسيم الدول بحسب موقعها في هرم القوى الدولية. يمكن تصنيف دول العالم إلى ثلاثة مستويات رئيسية:
دول الصف الأول: مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، وهي القوى التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية، واحتفظت بقدراتها النووية والعسكرية والاقتصادية. دول الصف الأول عادةً ما تتجنب الدخول في صراعات مباشرة فيما بينها نتيجة التوازن النووي والردع المتبادل، وتتم عمليات تغيير الحكم داخلها إما عن طريق الانتخابات كما في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، أو عبر تحولات ذاتية كما حدث في الصين والاتحاد السوفييتي سابقًا.
دول الصف الثاني: تشمل دولًا مثل الهند وباكستان وتركيا وإسرائيل وإيران والبرازيل، التي تمتلك طموحات إقليمية وقدرات متوسطة في التأثير الدولي. دول الصف الثاني يمكن أن تدخل في نزاعات محدودة ومدروسة، وغالبًا ما تكون لهذه الدول ارتباطات قوية مع قوى الصف الأول. مثال على ذلك النزاع الهندي-الباكستاني، أو التصعيد بين إسرائيل وإيران، حيث غالبًا ما تُرسم "خطوط حمراء" تمنع الانفجار الكامل للصراع، خصوصًا عندما تتقاطع المصالح الاقتصادية الكبرى مثل النفط والغاز.
هذا ما بدا واضحًا في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، حيث تدخلت الولايات المتحدة بشكل محدود ومدروس من دون أن يؤدي تدخلها إلى سقوط ضحايا إيرانيين، وتزامن هذا التدخل مع تهدئة الصراع ووقف التصعيد العسكري.
دول الصف الثالث: وتشمل غالبية دول العالم النامي، من الدول العربية والأفريقية وأميركا اللاتينية، التي ترتبط في الغالب بمحاور إقليمية أو دولية أقوى منها. تشكل دول الصف الثالث ميادين لصراعات بالوكالة، خاصة عندما تكون تابعة لدول الصف الثاني التي تخوض توترات أو مواجهات غير مباشرة مع خصومها. المثال الأبرز هنا يتمثل في سورية واليمن ولبنان التي تأثرت بالصراع الإيراني-الإسرائيلي، ما أدى إلى تجاذبات سياسية وعسكرية امتدت إلى هذه الدول.
معضلة التغيير في إيران: الداخل والخارج
في ظل هذه التركيبة الدولية المعقدة، فإن إسقاط النظام الإيراني لا يبدو مرجحًا من دون موافقة ضمنية من القوى الكبرى الداعمة له، وعلى رأسها روسيا والصين. كما أن أي تغيير مباشر قد يتعارض مع مصالح الشركات العالمية التي باتت ترفض التغييرات المفاجئة وغير المحسوبة لما تحمله من تداعيات يصعب احتواؤها. وبالتالي، فإن التحول في إيران إن حدث، فسيكون على الأرجح تحولًا ذاتيًا من داخل النظام نفسه، بعيدًا عن سيناريوهات التدخل الخارجي العنيف.
ما بعد الحرب: تطهير ذاتي وإعادة تموضع
عقب التصعيد الأخير مع إسرائيل، بدأت إيران عملية إصلاح داخلي واسعة، شملت إحلال القيادات الشابة في مراكز القرار، وهي قيادات أكثر دراية بالتقنيات الحديثة وتحديات الحرب السيبرانية. كما أعلنت إيران عن تحديث شامل لأنظمة دفاعها الجوي التي تضررت خلال الحرب. وفي خطوة تشير إلى توجه استراتيجي جديد، كثفت طهران تعاونها العسكري مع الصين في إطار اتفاقيات لتبادل السلاح مقابل النفط، في مسعى لتعويض النقص في قدراتها التسليحية التقليدية.
الداخل الإيراني: وحدة تحت القصف
اللافت أن الداخل الإيراني، رغم الانقسام التقليدي بين محافظين وإصلاحيين، أظهر تماسكًا ملحوظًا خلال التصعيد الأخير، وهو ما ساعد في فتح قنوات تواصل جديدة بين التيارات السياسية المختلفة، وربما يمهد لرؤية وطنية موحدة لإدارة الدولة في المرحلة المقبلة.
خاتمة
يمكن القول إن تغيير النظام في إيران وفق المعادلات الدولية الحالية لا يمكن أن يتم إلا من خلال تحولات داخلية ذاتية أو بموافقة القوى الدولية الكبرى، وهو مستبعد حاليًا.