عشرون عاماً على اغتيال سمير قصير: ربيع دمشق يزهر في بيروت

06 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 17:30 (توقيت القدس)
+ الخط -

حضرتُ يوم الثلاثاء الفائت، الثالث من يونيو/ حزيران 2025، حفل توزيع جوائز سمير قصير، في الذكرى العشرين لاغتياله في الثاني من يونيو/ حزيران 2005. حملت هذه الذكرى طابعًا استثنائيًا هذا العام، إذ أحياها لبنان للمرّة الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد في سورية، المُشتبه الرئيسي بجريمة اغتيال الصحافي سمير قصير بعبوة ناسفة، ذلك النظام الذي وصفه الصحافي السوري خليل العشاوي، أحد الفائزين بالجائزة هذا العام، بأنه "أوسخ نظام عرفه التاريخ".

نال العشاوي جائزة سمير قصير عن تقريره السمعي البصري "سورية: أطفال في حرب مستمرة"، الذي وثّق معاناة الأطفال السوريين خلال سنوات الحرب، مؤكّدًا أنّ البراءة التي سُلبت من هؤلاء الأطفال لا يمكن استعادتها بمجرّد سقوط النظام. وقد أضفى فوزه بُعدًا رمزيًا خاصًا على المناسبة، إذ جاء في لحظة تاريخية تشهد فيها سورية نهاية حقبة الاستبداد، ويعيد الاعتبار لأصوات الصحافيين/ات السوريين/ات الذين ناضلوا من أجل الحقيقة ودفعوا أثمانًا باهظة في سبيلها. قال خليل العشاوي، وهو يتسلّم جائزته: "حلم يتحقّق بحصولي على جائزة سمير قصير عن تقرير اشتغلته بعد سقوط أوسخ نظام بالعالم"، وأهدى الجائزة لشهداء الثورة السورية الذين ضحوا بحياتهم من أجل تحرير سورية، مؤكّدًا أنّ معركة الحرية لم تنتهِ بعد.

وكما في كل عام، حضرت فلسطين وغزّة بقوّة في الحفل، إذ فازت الصحافية الفلسطينية بدار سالم عن مقالها بعنوان "عن تطبيع الصمود في غزة" عن فئة مقال الرأي، ليؤكّد الحفل مجدّدًا أنّ حرية الصحافة هي صوت الشعوب المقهورة في وجه الظلم والاحتلال.

عشرون عاماً من الحرية والنضال

جائزة سمير قصير، التي أُطلقت عام 2006 تخليدًا لذكرى الصحافي اللبناني الحر، باتت اليوم من أبرز الجوائز الصحافية في العالم العربي، وتكرّم سنويًا صحافيين من المنطقة ممن يواجهون القمع والانتهاكات دفاعًا عن حرية الكلمة. عشرون عامًا من الحريّات، من الصحافة الحرّة والجريئة، من الدفاع عن القيم الإنسانية في وجه محاولات القمع والإسكات.

 عشرون عاماً من الحريّات، من الصحافة الحرّة والجريئة، من الدفاع عن القيم الإنسانية في وجه محاولات القمع والإسكات

وأنا أحضر الحفل، فكّرت بعظمة سمير قصير، وزوجته الصحافية جيزيل الخوري، ومؤسسة سمير قصير وكلّ فريق عملها، الذين لم يكلّوا يومًا ولم يملّوا من الدفاع عن حرية الصحافة في وجه كلّ محاولات القمع. نقلوا اسم وفكر سمير قصير العابر للأجيال، وجعلوا من ذكراه منارة لكلِّ من يؤمن بأنه "ليس الإحباط قدرًا"، كما قال قصير.

رمزية استثنائية في زمن التحوّلات

حمل الحفل وذكرى اغتيال قصير هذا العام رمزية استثنائية في ظلّ التحوّلات السياسية الإقليمية، في لبنان وسورية. كان سمير قصير من أبرز الأصوات والأقلام التي واجهت الهيمنة السورية على لبنان ودفع حياته ثمنًا لمواقفه الجريئة. اليوم، تتجدّد ذكراه في لحظة مفصلية تشهد فيها سورية ولبنان تحوّلات كبرى بعد زوال النظام الذي كان قصير من أبرز معارضيه. تعود إلى الأذهان جملته الشهيرة: "إنّ ربيع العرب، حين يزهر في بيروت، إنما يُعلن أوان الورد في دمشق".

للمرّة الأولى خلال هذا الحفل، قدّمت مؤسسة سمير قصير عرضًا مسرحيًا مميّزًا من أداء يحيى جابر، الذي استعاد رقم هاتف سمير قصير، متسائلًا: "ماذا أفعل برقمك يا سمير؟". لحظة مؤثرة أعادت الحضور إلى زمن كان فيه صوت سمير حاضرًا في كلّ بيت حر. قال جابر: "كل ما رح يورثوا ولادهم سياسة الاستبداد ويورثوهم كمان البلاد، نحن رح نورّث أولادنا مواطنة، مواطنية، حقوق إنسان، لكلّ إنسان… للمستبدين ورثة وللأحرار ورثة… ولو بعد مئة سنة… رح توقف صبية وصبي على منبر ويقولولنا، شكرًا لأجدادنا وجداتنا، لولا أقليتكم يومها الشجاعة من 100 سنة، ما صرنا كتار اليوم مستقلين". وكما قال سمير قصير: "ليس الإحباط قدرًا... ولن يكون".

لحظة مفصلية تشهد فيها سورية ولبنان تحوّلات كبرى بعد زوال النظام الذي كان قصير من أبرز معارضيه

لم تعش جيزيل الخوري لتشهد لحظة سقوط النظام السوري، المُشتبه الرئيسي في اغتيال زوجها عن عمر يناهز الـ45، لكنها أبت إلا أن تخلّد ذكراه من خلال تأسيس مؤسسة سمير قصير، التي باتت اليوم تخلّد أيضًا ذكراها.

معركة الحرية مستمرة

أكّد المتحدّثون في الحفل على إرث قصير باعتباره رمزاً للنضال من أجل الحرية والديمقراطية، وعلى أهمية الاستمرار في الدفاع عن حرية الصحافة في وجه القمع والاستبداد. ذكّر المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير أيمن مهنا بأنّ معركة الصمت لم تنتهِ: "اليوم هناك قمع جديد، لا يريدنا بالضرورة أن نصمت، بل أن يطمسنا بالأصوات العالية وضحكات الاحتقار، بالشتائم، بصراخ المنصات وبوسائل تحريض بهدف الترويض، وهناك من يحاول أن يستعيد معزوفات سابقة، لا يعرف منها سوى تكرار اللازمة، استدعاء، تحقيق، مصادرة، حمايةً لمن سرق جنى اللبنانيين وبدّد أموالهم وأحلامهم".

يأتي حفل توزيع جائزة سمير قصير بعد أيّام من مداهمة منزل الصحافي والباحث والأستاذ الجامعي وسام سعادة ومصادرة أجهزته الإلكترونية واستدعائه للتحقيق من قبل المحكمة العسكرية في لبنان، في استحضارٍ "لأشباح الماضي"، على حدّ وصف سعادة، وتذكيرٍ بظلال النظام السوري السابق حتى بعد سقوطه.

في الذكرى العشرين لاغتيال سمير قصير، يتجدّد العهد بأنّ معركة الحرية لا تموت، وأن الصحافة الحرّة ستبقى صوت من لا صوت له. ربيع دمشق يزهر في بيروت، وأصوات الصحافيين الأحرار عابرة لكلّ الحدود، لتؤكّد أن إرث سمير قصير باقٍ، وأنّ معركة الحرية مستمرّة... ولو بعد حين.

هلا نهاد نصر الدين
هلا نهاد نصر الدين
هلا نهاد نصرالدين
صحافية لبنانية ومسؤولة وحدة التحقيقات الاستقصائية في موقع "درج"، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2020. تعمل على تحقيقات حول الجرائم المالية والفساد. شاركت نصرالدين في عدّة مشاريع استقصائية عابرة للحدود، من بينها "باسبورات الكاريبي"، "وثائق إريكسون"، و"وثائق باندورا"، ومشروع "بيغاسوس"، وغيرها.
هلا نهاد نصرالدين