من انتصر في الحرب؟

02 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 13:56 (توقيت القدس)
+ الخط -

هل الجمهورية الإيرانية انتصرت أم الكيان الصهيوني هو الذي انتصر؟

لا شك أنّ هذا هو السؤال الأكثر طرحًا على ألسنة من تابعوا الحرب التي استمرّت 12 يومًا بين البلد الموجود في جغرافيا الأرض منذ قرون من الزمن (إيران)، والبلد المُستحدث قبل 77 عاما ونيف في قلب الشرق الأوسط (إسرائيل).

من المهم معرفة أنه إذا أردنا أن نحصل على إجاباتٍ دقيقة وتشخيص صحيح للوضع يجب ألّا نطرح أسئلة خاطئة، أو طرح أسئلة سابقة لأوانها، لأنّ الإجابة عنها حتما لن تُفضي إلى نتيجة واضحة. ويمكن القول إنّ سؤال: من انتصر في هذه المواجهة المباشرة؟ هو سؤال خاطئ في هذه المرحلة، أو سابق لأوانه على الأقل، حيث الإجابات مُوجّهة نحو نتائج وأحكام مُسبقة، وأجوبة معظم المحللين والأكاديميين والأقلام البحثية الدولية والإقليمية التي نسمعها اليوم تأتي من خلفية (إن صح التعبير) الاصطفاف الإيديولوجي والسياسي لكلّ طرف. وبالتالي، هي مُنحازة لهذا أو ذاك، وفي أفضل الحالات مُتعاطفة، وامتلاك ترف الحياد في هذه الحالة هو شيء من الخيال.

بين تسميتها بالحرب أو المعركة أو المواجهة توجد فروق كبرى، وثمّة نقاشات عميقة حول طبيعة ما حدث قبل أيّام، وما قد يحدث في قادم الأيّام. لكنّه على الأقل لا يُشبه الحروب العربية ضدّ إسرائيل من 1948 إلى 1967 ثم 1973، وهي حروب نعرف نتيجتها، وإلى أين أدّت بالقضية الفلسطينية، ونعرف أيضا نتيجة تاريخ الحروب بين حركة فتح و"إسرائيل" من الأردن ولبنان، وفي داخل فلسطين. كلّ شيء أمام الأعين، توالت الهزائم العسكرية والدبلوماسية والثقافية واحدة تلو الأخرى، حتى أصبحت ثقافة ونظرية الهزيمة هي الحقيقة والمنطلق الذي ينطلق منه أيّ تحليل أو قراءة للأحداث، وأصبح العقل العربي لا يقدر على تصديق معنى الانتصار ضدّ إسرائيل، بل ولا يريد أن يُصدّق حتى.

توالت الهزائم العسكرية والدبلوماسية والثقافية واحدة تلو الأخرى، حتى أصبحت ثقافة ونظرية الهزيمة هي الحقيقة والمنطلق الذي ينطلق منه أيّ تحليل أو قراءة للأحداث

بين إيران وإسرائيل عداء طويل الأمد، ولا يبدو أنّ الحرب المباشرة الأولى بينهما ستكون هي الأخيرة، كما لا يبدو أن نتائجها وارتداداتها المقبلة ستكون نفسها التي أدّت إلى الاستسلام الفوري أو التدريجي للقوى "العربية" المُعادية لإسرائيل في وقت سابق. وإذا كانت إسرائيل تريد تغيير وجه الشرق الأوسط (هذا المصطلح صدّع نتنياهو به رؤوس الجميع ولم يشرح تفاصيله)، فإنّ إيران في هذه المرحلة تطمح للحفاظ على الوضع القائم في الشرق الأوسط، حتى وإن كانت إسرائيل موجودة فيه، بمعنى أنّها تقاوم حدوث التغيير الإسرائيلي للمنطقة، وإذا منعت بأيّ طريقة ما نجاح هذا المشروع الإقليمي لإسرائيل تكون قد انتصرت، والعكس صحيح.

في العادة، تكون الحروب بين الدول خطوةً تُؤجِّل حدوث شيء ما في الوقت الحاضر أو في المستقبل. وبالنسبة لإسرائيل وحلفائها، فإنّ حربهم ضدّ إيران تهدف إلى تأجيل نجاح البرنامج النووي الإيراني، وتأجيل ما تنوي طهران القيام به في المنطقة، وتحتاج إسرائيل والولايات المتحدة هنا إلى كلّ ما يُؤكّد نجاحهما في هذا المضمار. وإذا كان هدف إسقاط النظام السياسي في إيران هو أساس هذه الحرب، فإنّ نجاح إسرائيل في تحقيقه يعني تأجيل سقوط نظامها هي لسنوات وعقود أخرى، وعبر كلّ الوسائل السياسية. ومن الجدير ذكره هنا أنّ الأذرع الإعلامية، خاصة المقرّبة من الحكومة الإسرائيلية، تعمد إلى تعزيز سردية الانتصار وتقديمها ليس فقط للشعب الإسرائيلي، بل للعالم بأكمله. ناهيك عن سعيها لتثبيت هذه السردية في العقل العربي أولًا، ثم العقول الأخرى قبل أن يستيقظ عنصر الشك والتدقيق في صحّة هذا الانتصار. وعبر هذه السردية تُواجه إسرائيل القلاقل التي تتصاعد تدريجيًا في الولايات المتحدة من الجمهوريين القوميين من أمثال ستيف بانون الذين رفضوا التدخل الأميركي لصالحها، ويشكون في صحة معلوماتها الاستخبارية حول البرنامج النووي الإيراني.

تطمح إيران حالياً للحفاظ على الوضع القائم في الشرق الأوسط، حتى وإن كانت إسرائيل موجودة فيه

بالنسبة لإيران، فإنّ الماكينة السياسية والإعلامية التي تُعوّل عليها الدولة لتثبيت سردية انتصارها في الحرب لا يُمكن أن تُقارن بنظيرتها الإسرائيلية المدعومة، نظرًا للفرق الشاسع بينهما في الموارد والأدوات والزخم التأثيري. لكن ذلك لا يعني الفشل التام المحتوم كما يروّج، بقدر ما يعني عدم اللحاق بالمستوى المتقدّم والمتطوّر لدى الطرف الآخر، كما أنه لا يُعفي المؤسسات الإعلامية الإيرانية الموجّهة للعالم العربي والعالم كلّه من مسؤولية عدم تطوير أسلوب التأثير الإعلامي وتسويق الإنجاز السياسي والعسكري، والاقتراب من المستوى المتقدّم.

ما دام الانتصار الفعلي والحقيقي في هذه الحرب لم يتضح بعد، فإن كلا الطرفين أو الأطراف (نظرا للتدخل الأميركي) سيتبنى سردية النصر الخاصة به، وعادة ما يكون الترويج الإعلامي والسياسي مُبالغًا فيه ومُضخّمًا ومُخادعًا أيضا بشكل لا يُتصوّر. لكن نظرة شاملة إلى تكاليف الحرب لدى إسرائيل وإيران، ونظرة إلى حجم الأهداف المُحقّقة (المعلنة وغير المعلنة)، سواء أثناء الحرب أو بعدها، والشعار المرفوع منذ اليوم الأوّل، كلّ  ذلك يكشف نوعًا ما ويُقرّب من معرفة مَن الطرف المُنتصر ومَن الخاسر. ومن المهم الإشارة إلى أنّ معيار الدمار والخسائر البشرية والمادية يسقط حين تكون موازين القوى وأحجام الدعم غير المشروط ومتعدّد الأشكال لطرف ضدّ آخر غير متكافئة.

ولا يمكن الجزم بانتصار الكيان الإسرائيلي وحلفائه في المواجهة المباشرة ضدّ إيران، أو ترويج صورة نصر تقليدية، لأنّ طبيعة الحرب اليوم تغيّرت، في عمقها، وفي أساليبها وأهدافها، ويحتاج الجواب على سؤال: من انتصر في الحرب؟ إلى مساحة مهمة من الوقت والتفكير المنطقي الحيادي الخالي من الانحياز، على الرغم من صعوبة، وربما استحالة امتلاك ترف الحياد.

كاتب صحفي مغربي وباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بسلك الدكتوراه بكلية أكدال الرباط.
أيمن مرابط
كاتب صحفي مغربي وباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بسلك الدكتوراه بكلية أكدال الرباط.