"الخطيئة الأصلية" لـ ستانلي جوني: فلسطين في عيون هندية

15 ابريل 2025
يعرض الكاتب تجاربه في الضفة الغربية ولقاءاته مع الفلسطينيين
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يقدم الكتاب "الخطيئة الأصلية" لستانلي جوني رؤية متميزة عن القضية الفلسطينية، مستنداً إلى تجارب شخصية ومصادر موثوقة، مع التركيز على التغيرات في المواقف الهندية تجاه فلسطين وإسرائيل، وتأكيد الهند على حل الدولتين.

- يستعرض الكتاب تفاصيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ عام 1948، مروراً بالحروب ومبادرات السلام، مع التركيز على التغيرات في الموقف الهندي بعد وصول ناريندرا مودي وزيادة العلاقات مع إسرائيل.

- يناقش الكتاب جيوسياسية غرب آسيا، بما في ذلك تدخلات إيران والحوثيين وسوريا، ويقدم تحليلاً للأحداث الأخيرة وتأثيرها على العلاقات الدولية، مع التركيز على فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في غزة.

ليس كتاب "الخطيئة الأصلية: إسرائيل وفلسطين وحكاية الانتقام القديم في غرب آسيا"، الصادر مؤخراً عن دار نشر "Harper Collins" لمؤلّفه ستانلي جوني Stanley Johny، كغيره من الكتب الصادرة في الهند التي تتناول قضية فلسطين، لأن مصادر كثيرة منها تُستمد من وسائل الإعلام الغربية المنحازة لإسرائيل. فهو يتميّز عنها بأنّ مؤلّفه يكتب استناداً إلى تجاربه الشخصية ومعلومات جمعها من مصادر أولية موثوق بها. فقد أمضى فترة مهمة في قلب الأحداث. أما ميزة الكتاب الثانية، فهي أن في الهند ثمة كتّاباً يفكرون بشكل جدي ومختلف عن الخط الفكري الرسمي في قضية فلسطين.

يتناول الكتاب، من بين العديد من الموضوعات، تغيّرات المقاربات الهندية للقضية الفلسطينية. فمنذ العهد الاستعماري كانت الهند مناصرة لفلسطين، وكان ذلك موقفاً أخلاقياً، حيث كانت القيادة في الحركة الوطنية الهندية جميعاً، بما فيها غاندي ونهرو، قد اتخذت موقفاً من أن فلسطين للفلسطينيين، كما أن الهند للهنود.

وحين ظهر الكيان الصهيوني للوجود اعترفت به الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لكن الهند لم تفعل ذلك، وتأخرت في إقامة علاقات دبلوماسية معه حتى تسعينيات القرن المنصرم، وذلك بعد هرولة أنظمة عربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.

من ذلك الوقت، صار موقف الهند مع حلّ الدولتين، كحل للصراع الحالي بين الفلسطينيين والصهاينة، بما يعني ذلك إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، تتخذ من القدس عاصمةً لها. حدثت تغيّرات جذرية في الاستراتيجيات بعدما وصل ناريندرا مودي إلى سدة الحكم، مع ازدياد العلاقات الدبلوماسية وكثرة صفقات بيع الأسلحة لإسرائيل. مع ذلك، لا يزال رئيس الوزراء مودي يؤكد على أهمية حلّ الدولتين في تصريحاته، إلا أنّه يتحفظ عن ذكر كلمات مثل القدس وحدود 1967.

تفاصيل دقيقة عن ردود فعل سياسية ناجمة عن طوفان الأقصى

هذه أول التغيّرات التي يلقي الكاتب الضوء عليها، مركّزاً على الخلافات بين مكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية حول التعامل مع الكيان الصهيوني، حيث يُلاحظ أيضاً أنَّ الهند حتى الآن لم تُدرج حركة حماس ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، رغم ضغوط نتنياهو على صديقه مودي.

يبدأ الكتاب بمقدّمة طويلة يشرح فيها جوني تجاربه الشخصية التي شاهد من خلالها مباشرة معاناة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. في عام 2008 كان في رام الله لتغطية زيارة رئيس الوزراء الهندي مودي للسلطة الفلسطينية. ولمّا انتهت الزيارة، أراد جوني أيضاً مغادرة المدينة. كانت طيارته في مطار بن غوريون. وعند مغادرته الضفة الغربية، حذّره سائقه الفلسطيني من نقاط التفتيش في الطريق. وهنا يسرد الكاتب كيف تجاوز ثلاث نقاط تفتيش واعترضه جنود الاحتلال الإسرائيلي وضايقوه وأخرجوه إلى غرف التفتيش وقاموا بممارسات ضد حقوق الإنسان وضد الديمقراطية. يقول الكاتب: "تدّعي إسرائيل أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنها حليفة (العالم الحر). دولة تحميها وتدافع عنها الولايات المتحدة، أكبر القوى الدولية. ثمة حقيقة تُعتم حول إسرائيل وهي احتلالها المتواصل لفلسطين. الحكام والسياسيون فيها يفتخرون بمؤسساتهم الديمقراطية والحرية والنظام الانتخابي، لكن الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة يعيشون في واقع مختلف بسبب سياسات إسرائيل اللاديمقراطية بحقهم".

كذلك يروي الكاتب التفاصيل التي حدثت معه في بن غوريون، حين منعه ضابط الأمن من السفر. يقول: "سألني لماذا كنت في رام الله؟ وكم يوماً مكثت فيها؟ ولماذا أسافر وحدي؟ وهل هذه زيارتي الأولى لإسرائيل (في الحقيقة لم تكن زيارة لـ"إسرائيل"). أخذ هذا الجندي أيضاً جواز سفري وذهب به. ثم أتاني جندي آخر ليكرر الأسئلة نفسها. بعد عشرين دقيقة أعاد له الضابط جوازه متمنياً له بوجهه المتشنج رحلة طيبة!".

تركيز على جيوسياسية غرب آسيا ودور اللاعبين في صراع فلسطين

وبعد سرد هذه الحادثة، يعقب الصحافي بشكل نقدي ويسأل القارئ: "إن كانت هذه تجربة صحافيّ أتى إلى فلسطين لتغطية زيارة رئيس وزراء بلده الذي له علاقات ودية مع (إسرائيل)، فكيف ستكون تجارب الآخرين الذين يزورون فلسطين، وخاصة تجارب المواطنين الفلسطينيين في حياتهم اليومية الذين يضطرون لعبور الحدود يومياً بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟".

يُقسم الكتاب إلى تسعة فصول، يبحث الفصل الأول منها الجذور التاريخية خلف الصراع بين فلسطين وإسرائيل، والذي يعود تبعاً للكاتب، إلى مايو/ أيار 1948. أما الفصل الثاني، فيعرض تفاصيل الحروب ومبادرات السلام منذ أن ظهر الكيان الصهيوني للوجود. في الفصل الثالث يعرض الكاتب تجاربه في الضفة الغربية ولقاءاته مع الفلسطينيين، مصوراً نضالهم التحرري وحياتهم اليومية ووجهات نظرهم نحو مبادرات السلام.

وفيما يضم الفصل الرابع حكايات حول العلاقات المتوترة بين إيران وإسرائيل، يدرس الفصل الخامس دور الأمم المتحدة التاريخي في قضية فلسطين. تحليل الصراع بين فلسطين وإسرائيل لا يكتمل إلا بالنظر في دور الدول العربية في القضية وهذا تحديداً ما تناوله الفصل السادس من الكتاب.

عن سؤال ماذا حدث حقاً في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023؟ يحاول الكاتب الإجابة في الفصل السابع، فإسرائيل تدّعي أنها تتمتع بأكبر شبكة مخابرات متقدمة، ونتنياهو يدّعي أنه هو من يستطيع أن يحمي إسرائيل. إذن كيف حدث طوفان الأقصى؟ استناداً إلى رحلاته إلى فلسطين وتحقيقاته الميدانية التي قام بها يسرد المؤلف الحرب الجارية وتداعياتها المستديمة على المنطقة. وفي الفصل الثامن يذهب بنا إلى تفاصيل تغير موقف الهند من قضية فلسطين، ثم يختتم الكتاب بنتائج توصّل إليها المؤلف من خلال تحليلاته للوقائع في فلسطين.

صدر كتاب جوني قبل الاتفاق بين إسرائيل وحماس على وقف إطلاق النار، وقبل استئناف الاحتلال حرب الإبادة على غزّة، وهو يحتوي على تفاصيل دقيقة عن ردود فعل سياسية ناجمة عن طوفان الأقصى على المستوى الدولي.

يرى المؤلّف إنّ إسرائيل لم تنجح في تحقيق أي هدف من أهدافها التي تبنّتها عندما بدأت تشنّ غاراتها على غزّة. بل عادت القضية الفلسطينية مرّة أخرى إلى مكانتها المركزية، كما انغلقت الأبواب أمام محاولات بعض الدول العربية توطيد علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بضرب المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية، وذلك من خلال "اتفاقيات أبراهام".

ويُركِّز جوني في كتابه على جيوسياسية غرب آسيا بتقييم دور اللاعبين الدوليين في صراع فلسطين، ومحاولاتهم المختلفة في تحقيق السلام، ومداخلات إيران والحوثيين وسورية وحزب الله في القضية، كما يخصص صفحات عديدة لتحليل ما يسميه بـ"الاستراتيجية الأخطبوطية" التي قامت بها إيران في المنطقة من خلال نفوذها في حماس وحزب الله.

لا ينكر صاحب "خلافة الدولة الإسلامية من سورية إلى أعتاب الهند" أن خبر هجوم حماس في السابع من أكتوبر لم يفاجئه. يقول "كانت إسرائيل قد انسحبت من غزة عام 2005 ولكن القطاع الصغير بسكان 2.3 مليون نسمة كان تحت حصار إسرائيلي أرضاً وجوّاً وبحراً، ومئات الفلسطينيين في الضفة الغربية لا يزالون يُقتلون كل سنة من قبل قوات الاحتلال. لقد جعلت إسرائيل العنف أمراً طبيعياً".

لا شك أن الكتاب يقدم وجهة نظر مختلفة ويجيب عن كثير من الأسئلة حول حماس وطبيعة عملها، كما أنه يجيب عن أسئلة متعلقة بأسباب تجاهل الغرب لكل ما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين، وغيرها من الأسئلة التي أثيرت بعد أحداث طوفان الأقصى سواء من قبل المعنيين بالشؤون الدولية في الهند أو في العالم.


* كاتب وباحث من الهند

المساهمون