"المؤتمر الدولي للاستشراق" في الدوحة.. أسئلة قديمة تتجدّد

26 ابريل 2025
وزيرة التربية والتعليم العالي في قطر لولوة الخاطر أثناء افتتاح المؤتمر (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مشاركة دولية واسعة: افتتح المؤتمر الدولي للاستشراق في الدوحة بمشاركة أكثر من 300 باحث من 50 دولة، بهدف مناقشة تطورات الدراسات الاستشراقية تجاه الإسلام والعالم العربي، بتنظيم من مركز "مناظرات قطر" ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي القطرية.

- مفاهيم جديدة في الاستشراق: تناول المؤتمر مفاهيم مثل "الاستغراب"، وأهمية دراسة الاستشراق كعملية مستمرة تعكس علاقات القوى بين الشرق والغرب، مع التركيز على تأثير الثورة الرقمية على الاستشراق.

- نقاشات حول السياسة الدولية: شهد المؤتمر مداخلات حول تأثير الأحداث السياسية العالمية على الاستشراق، مثل الصراع في غزة، وموضوعات مثل "فلسطين في خطاب الاستشراق الغربي والصهيوني".

طرح "المؤتمر الدولي للاستشراق" الذي افتتح أولى دوراته في الدوحة، اليوم السبت، سؤاله المركزي عما يستجد في الدراسات الاستشراقية في هذه اللحظة تجاه الإسلام والعالم العربي، بعد قرون من بدايات الاستشراق في العصور الوسطى، ثم تحوله إلى مؤسسة غربية في القرن الثامن عشر، سبقت ورافقت الاستعمار الحديث.

حول هذه الثيمة التي يقام لأجلها مؤتمر هو الأول من نوعه في العالم العربي والإسلامي، حضر أكثر من 300 باحث ومفكّر ومستشرق من 50 بلداً، إلى هذا المؤتمر في "مشيرب - قلب الدوحة" في العاصمة القطرية، ليبدأوا طرح أوراقهم ومناقشاتهم على مدار يومين، بتنظيم من مركز "مناظرات قطر" ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي القطرية، تحت شعار "نحو تواصل حضاري متوازن".

وكانت كلمة وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي في قطر ورئيسة المؤتمر، لولوة بنت راشد الخاطر، مفصّلةً بشكل وافٍ لفكرة المؤتمر وطروحاته حول الشرق والاستشراق اللذين قالت إنهما يجب ألّا يُختزلا في الإسلام والعرب ومنطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي تفاقم بسبب هيمنة كتابات إدوارد سعيد عن أدب الاستشراق.

دعوة إلى الانعتاق من السجال العدمي بين الشرق والغرب

من هذا المنطلق، قالت إن المؤتمر حرص على مشاركة باحثين ومستشرقين من آسيا وأوراسيا وروسيا وغيرها، داعية إلى  خلق مساحة آمنة لنقاشات فكرية عميقة وجادّة بلا حساسيات، وكذلك الانعتاق من الحالة السجالية العدمية بين الشرق والغرب بوصفها حرباً، وتفكيك ثنائية الشرق والغرب وتناول التجربة البشرية بأبعاد حضارية متعدّدة وعدم الاكتفاء في مقاربة الاستشراق بما طرحه سعيد وما بعد الكولونيالية.

من المؤتمر - القسم الثقافي
من جلسات المؤتمر (العربي الجديد)

وبالنسبة إليها، فإن الشرق ليس حقلاً للدراسة فقط أو موضوعاً للبحث فحسب، بل صار الباحثون الشرقيون أنفسهم يمارسون تفكيراً نقدياً تجاه الحضارات الأخرى، وهو ما بات يصطلح على تسميته بـ"الاستغراب".

يحمل المشاركون كلهم أطروحات في حقل معرفي متنوع، وبحسب ما يتبناه المؤتمر في مدونته، فإن الاستشراق بأبعاده المتنوعة ليس بالموضوع الجديد، لكن هذا لا ينفي مشروعية الاستمرار في درسه، فهو ليس حدثاً عارضاً ولا موضوعاً ظرفياً، بل هو عملية مستمرة لن تتوقف ما دام الغرب مستمراً باتصاله بالشرق.

تنشأ في هذا الخضم المصطلحات التي تتجدد، خصوصاً بسبب الطابع الصراعي والتنميطي والسياسي من قبل ومن بعد، مثل نشوء مصطلح الاستغراب الذي نشأ في منتصف القرن الماضي، وهو مع الاستشراق يعكس كل منهما علاقات قوى ورغبة في تفسير "الآخر"، إما لإدارته وإما لإعادة تعريف الذات أمامه.

إلا أن مطالعة أسئلة المؤتمر الفرعية تشي بأن المسألة ليست أبداً ثنائيات استشراق واستغراب. ثمة سؤال عن الذي استجد في الدراسات الاستشراقية تجاه الإسلام والعالم العربي، وآخر يسأل عن أشكال الاستشراق الجديد واتجاهاته ومناهجه، وآخر عن ماذا يفترق الاستشراق في الشرق عن نظيره الأوروبي الغربي؟ وما مستجدات الاستشراق بعد الثورة الرقمية؟ هذه واحدة من أطروحات المؤتمر التي تعاين هذا النزوع الفكري السياسي من خلال آخر المنتجات المعرفية التكنولوجية، ولا مانع في الإطار ذاته من مواصلة البحث العمودي في سؤال: إلى أي مدى لا يزال الاستشراق الجديد يسهم في صناعة القرار الغربي؟

قراءات في أشكال الاستشراق الجديد واتجاهاته ومناهجه

في سياق تطور هذا المصطلح الاستشراقي، قال غسان سلامة، وزير الثقافة اللبناني في مداخلته: "إننا ربما ندخل في مرحلة جديدة من التاريخ"، لافتاً إلى أن "هناك مرحلة ما قبل غزة ومرحلة ما بعد غزة". وعليه، ما يحصل في حرب الإبادة "يقع بسببه شك بفعالية القوانين الدولية والنظم الدولية والقيم الدولية المشتركة، ويصبح هذا الشك فيها مشروعاً". وعبّر سلامة عن خشيته من أن غزة قد أصبحت مقبرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، بينما يغلق العالم كله عينيه، لا بل يستثني إسرائيل من تطبيق هذا القيم بسلطة القانون الدولي.

وفي مداخلته، قال يوجين روغان، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة أكسفورد، إنه "لا ضرر في نقد الغرب عبر رفع مرآة أمامه ودعوته إلى التأمل في الفجوة القائمة بين أقواله وأفعاله".

أما إبراهيم كالين، السياسي التركي وأستاذ الفكر الإسلامي، فقال: "هناك اليوم حاجة ملحة ورغبة حقيقية لدفع النظام العالمي نحو التعددية القطبية. فالهند والصين، قبل ثلاثين عاماً، لم تكونا تتمتعان بالمكانة التي تحتلانها اليوم. وخلال الخمسين عاماً المقبلة، سيشهد العالم تغيرات أكثر دراماتيكية، كما أن مكانة الدول الإسلامية ستشهد تحولات جوهرية أيضاً".

طارق متري - القسم الثقافي
من جلسة طارق متري مع خديجة بن قنة (العربي الجديد)

في الجلسة النقاشية الأولى بعنوان "فلسطين في خطاب الاستشراق الغربي والصهيوني" استضافت الإعلامية خديجة بن قنة لقاءً خاصاً مع طارق متري، نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية. الأكاديمي الذي ترافق مساره المعرفي والبحثي مع مسار دبلوماسي وسياسي، تناول في مرور مختصر خطاب الاستشراق الذي له، كما يعبّر، قدر كبير من التنوع، كالسياسي الذي كان يستشرق خدمة لحسابات الاستعمار ومصالحه، والآخر الذي تدفعه مشاعر دينية إلى التعرف إلى ما اصطلحوا تسميته الشرق الأدنى، وهو يعني العالم العربي الإسلامي، وغيرهم العديدون وصولاً إلى من افتتنوا بما روجوا له بوصف "سحر الشرق". ومتري يدرك ويعلن بين لحظة وأخرى أن كل هذه الخطابات ومرجعياتها قد تأخذ من بعضها البعض، وقد تسيطر نزعة ما خلال فترة صراع أو هيمنة ما.

فبالنسبة إليه، هناك مستشرقون حرفيون، أي ذوو قراءة توراتية أو عهد قديم يقرؤونه كأنهم يقرؤون كتاب تاريخ، ولا يرون في فلسطين أو سكانها أي شيء يشير إلى هذه الأرض وأهلها الذين توارثوها منذ آلاف السنين. هذا النزوع نشأت في رحمه، كما يواصل، حركات تبشيرية، وتغذى منها مسؤولون سياسيون منهم مباشرة من كانوا مسؤولين عن نكبة فلسطين.

في غمرة اللحظة الهائجة سياسياً الآن بما جعل البشرية تنظر في مرات نادرة جداً إلى احتمالات انعطافات كونية يبشر بعضها بالكارثة، فإن هناك تحولات عاينها طارق متري في أميركا - ترامب، حيث قوته الناخبة تتعدى الثلاثين مليون نسمة، وهؤلاء يسمون أنفسهم أصوليين مسيحيين، لا يكتفون بالنظر إلى فلسطين بوصفها وطناً لليهود، لأنهم مشبعون بالكتاب المقدس، بل  وطنهم الروحي. قال متري أخيراً إن "العصا مسلطة علينا جميعاً من أميركا وإسرائيل ورغم ذلك يبقى واجبنا أن نتمسك بحقوقنا لأننا أصحاب قضية لا تموت".

المساهمون