المخيّم أصل الحكاية... توثيق اللجوء الفلسطيني
استمع إلى الملخص
- تقدم الموسوعة خريطة تفاعلية توثق موجتي اللجوء في 1948 و1967، وتعرض معلومات شاملة عن المخيمات، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتحتوي على قاعدة بيانات واسعة تشمل الصور والفيديوهات والوثائق.
- تحتاج الموسوعة إلى تحسينات في بعض الجوانب، لكنها تُعتبر مرجعاً مهماً للباحثين، مع خطط لتطوير تطبيق جوال لتسهيل الوصول إلى محتوياتها.
تكللت خمس سنوات من العمل بإطلاق "موسوعة المخيمات الفلسطينية" (www.mokhayyam.com) على الإنترنت، الثلاثاء الماضي في "المركز القطري للصحافة" بالدوحة، وهي منصة كبرى بين جهود التوثيق الرقمي تحفظ ذاكرة اللجوء الفلسطيني نحو المخيمات، منذ وقوع النكبة، فصار "المخيم أصل الحكاية"، وهي العبارة المفتاحية التي تبدأ بها الموسوعة صفحاتها.
أسس الموسوعة محمد عمرو، وهو أستاذ جامعي يتولى منصب المدير العام لـ"أكاديمية دراسات اللاجئين" التي أُسست في لندن عام 2010، وهي مؤسسة شقيقة تُضاف إليها موسوعة القرى الفلسطينية التي انطلقت في 2022، بما يشير إلى أن الباحثين والناشطين بنوا على خبرة سابقة تتعلق بقضايا اللاجئين، وصولاً إلى تحديد هدف مركزي هو المخيمات الموزعة في سورية ولبنان، والأردن، والضفة الغربية، وغزة.
إضافة إلى ذلك، تتلقى الموسوعة رعاية من "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج". ووفق ما قاله ممثل المؤتمر أنس الحاج في الاحتفال، فإن المؤتمر مبادرة من شخصيات فلسطينية مستقلة، انطلقت عام 2017 عبر مؤتمر حضره آلاف الفلسطينيين حول العالم. وأشار إلى أن المؤتمر يعمل على "تجميع وتشريك وتمثيل الفلسطينيين في الشتات ودعم وإسناد للداخل الفلسطيني، ومن ثم الاشتباك مع العدوّ الصهيوني سياسياً وثقافياً وفكرياً واعلامياً بما يُسمى القوة الناعمة".
خريطة تشمل اللجوء الفلسطيني في موجتيه عامي 1948 و1967
ويلتقي هذا الاشتباك مع رسالة "موسوعة المخيمات"، والتي مفادها بأن المخيم "ليس دائماً للمعاناة والألم، ولكنْ هناك مناضلون وفنانون وغيرهم خرجوا منه"، كما قال محمد عمرو وهو يشرح أمام جمهور الحفل الافتتاحي الخريطة التفاعلية لهذه المخيمات.
وهذه الخريطة تشمل اللجوء الفلسطيني في موجتين: الأولى عام 1948 وهي التي هُجّر فيها أكبر عدد من أبناء الشعب الفلسطيني على يد العصابات الصهيونية، والثانية أثناء هزيمة حزيران/ يونيو 1967.
جرى تدشين الموسوعة الإلكترونية في قاعة الندوات بـ"المركز القطري للصحافة"، متضمناً شاشة عرض قدمت إطلالة عامة على محتويات الموسوعة، وكلمات المشاركين والضيوف، ورموزاً مثلت مخيمات الشتات، ونشاطاً موسيقياً وقصيدة ألقاها الطفل رمضان أبو جزر من فيلم "حكاية مخيم جنين"، وفيلم "مخيم الشاطئ"، ولوحة رسمها الفنان عبد الرحمن مرعي تجسد أحلام الفلسطينيين وآمالهم في العودة.
وخاطب القائمون على الموسوعة "المركز القطري للصحافة" الذي لم يتردد في استضافة الحفل، كما أخبرنا صادق العماري المدير العام للمركز. وقال لـ"العربي الجديد" إن لدى المركز شؤوناً عديدة يعتني بها، وحين يحضر الشأن السياسي "لا يمكن إلا أن تكون فلسطين قضيتنا الأولى، ويزيد التزامنا بها أدبياً وأخلاقياً حين يزيد ظلم الفلسطينيين ويمسي الواقفون معهم قلة".
ولفت العماري إلى أن أفكاراً جديدة انبثقت خلال هذه الأيام، لمواصلة ما تفعله مؤسسات عديدة في البلاد، وسيكون المركز شريكاً فيها، وتتعلق بتأطير وإبراز مواهب العائلات الفلسطينية من غزة التي استضافتها قطر، ومن ذلك احتضان أنشطة الأشغال اليدوية.
هؤلاء الضيوف على أرض قطر ليسوا لاجئين، لكن الأفكار التي يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتقضي بطرد الفلسطينيين من غزة إلى خارجها، بغية تطويرها عقارياً لتصبح ريفيرا، في سابقة سوريالية غير مسبوقة، جعلت الموسوعة تفتح نافذة لتسجيل الموقعين على "عريضة العودة".
"إن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص امتلاك قطاع غزة وتهجير أهله إلى الدول المجاورة، والتي أعلن عنها في عدة تصريحات، وكررها على الأشهاد مرات عديدة، تمهد لجريمة تطهير عرقي بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، والاستيلاء على القطاع الذي يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من أرض فلسطين التاريخية".
لدينا 88 مخيماً في هذه المناطق الخمس التي تحيط بفلسطين المحتلة عام 1948، وهي مخيمات بحسب ما تصنف، بعضها معترف به من قبل الدولة وبعضها غير معترف به، وينسحب الاعتراف وعدمه على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وثمة مخيمات أُزيلت تماماً.
وتوفر الموسوعة معلومات عن نشأة كل مخيم، وظروفه الاجتماعية والاقتصادية، والبنية التحتية، والخدمات المتاحة فيه، إضافة إلى الأحداث السياسية التي أثرت على سكانه.
وبالتالي يمكن اعتبار الموسوعة توثيقاً نوعياً يستعين خصوصاً بالتقنيات الرقمية لتقديم صورة مفصلة عن اللاجئين الفلسطينيين، فتقف إلى جانب قاعدة بيانات واسعة الصور القديمة والحديثة، والفيديوهات العامة والخاصة التي أنتجتها الموسوعة، والوثائق والخرائط، والإنفوغراف.
وتمثل شهادات اللاجئين والمواد الوثائقية عن الحياة في المخيمات من بين العلامات الواضحة للشغل الميداني عبر السنوات الماضية منذ 2017. ومن ذلك ما أنتجته مسابقة "حكاية مخيم".
يلخص علاء النمر، أحد مؤسسي "موسوعة المخيمات الفلسطينية" المسابقة بالقول إنها مبادرة خاصة تسهم في توثيق المزيد من الحكايات الحية من داخل المخيمات، عبر إبراز الروايات الشخصية والقصص الواقعية التي عاشها سكان المخيمات في الداخل والشتات.
ضرورة الاستدراك بما يليق بأهمية الموسوعة للذاكرة الفلسطينية
بيد أن مطالعة عشوائية لبعض الصفحات تشير إلى ما يمكن استدراكه بما يليق بحجم الموسوعة وضرورتها للذاكرة الفلسطينية، والأمر هنا يتعلق بالأخطاء المطبعية والنحوية الواضحة، والأهم الأخطاء المعلوماتية، كأن يُقال مثلاً مخيمات "أُنشئت بعد 1984" بدل 1948، وعدم اللجوء إلى ويكيبيديا باللهجة المصرية العامية للحصول على مادة تحكي عن سايكس بيكو.
هذا الجهد الدؤوب والمؤطر أخيراً في هذه المنصة الإلكترونية الهامة، دفع العديدين للسؤال عن إمكانية خروجها في تطبيق على الجوالات، حتى يتيسّر الوصول إلى موادها التاريخية وإلى الجديد فيها.
يكتسي هذا أهميته مع تأكيد مديرة الموسوعة ربا الأطرش في كلمتها التي تفيد بأن الموسوعة تتميز بوصفها وجهة مرجعية مهمة للباحثين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، حيث "تقدم معلومات دقيقة وموثوقة عن المخيمات وتاريخها، وترصد التطورات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، وتسهم في إبقاء قضية العودة والحقوق الفلسطينية حية في الذاكرة".