استمع إلى الملخص
- تطور الخط العربي بفضل كونه لغة القرآن، مما أدى إلى ظهور نخبة من الخطاطين المبدعين الذين أسسوا أنماطاً تقليدية مثل النسخ والثلث، والتي لا تزال تُدرّس وتُمارس.
- لا تزال إسبانيا تحتفظ بتراث عربي إسلامي غني، حيث أثرت النقوش الأثرية في معالم مثل مسجد قرطبة وقصر الحمراء في غرناطة على التراث الفني الأوروبي.
لا يوافق أستاذ الفنّ في "جامعة غرناطة"، الباحث والمترجم خوسيه ميغيل بويرتا، على مقولة "الشيطان يكمن في التفاصيل" عندما يجري الحديث عن الخطّ العربي؛ فجمالية الخط العربي، بالنسبة إليه، تكمن تحديداً في التفاصيل، لا سيّما تلك التفاصيل الموجودة في الصروح والعمارات والقصور والمساجد التي شيّدها العرب في الأندلس.
"الخطّ العربي المعاصر: الأشكال والرسائل" هو عنوان المحاضرة التي ألقاها، أوّل أمس الأربعاء، احتفاءً باليوم العالمي للغة العربية. وبعد مقدّمة تاريخية، استعرض فيها تاريخ الخطّ العربي الذي يتميّز بليونة استثنائية وطاقة تعبيرية بلا حدود، تناول الباحث الإسباني في كليّة الفنون والآداب بـ"جامعة غرناطة"، تطوّر هذا الخط الذي يُعدّ محوراً في الفنّ الإسلامي، سواء في العمارة أو في المصنوعات الفنّية أو الكتب أو اللوحات، وصولاً إلى الفنون الرقمية في عصرنا الحالي.
وقد ساعد على ذلك، وفق المتحدّث، كون العربية - وهي لغة غنية بحدّ ذاتها - لغةَ القرآن، وقد ارتقت منذ العهد الأموي ثمّ العباسي وما تلاهما، لتصبح لغة الإدارة والأدب والفكر والعلم.
لا تزال إسبانيا تتمتع حتى اليوم بتراث عربي إسلامي غني من الخطوط
أسهم هذا الانتشار، وفقاً للباحث، في ظهور نخبة من الخطّاطين المبدعين، الذين دُوّنت أعمالهم وابتكاراتهم في كتب شاملة لقواعد الخطّ العربي، إلى جانب ترسيخ الأنماط الخطية التقليدية، مثل النسخ، والثلث، والرقعة، والديواني، وأنماط الكوفي المتعدّدة، وهي أنماط لا تزال تُدرّس وتُمارس في العالمين العربي والإسلامي.
توقّف الباحث مطولاً عند عصر النهضة، حيث جرى تحسين أنماط الخطوط العربية في القاهرة، مستعيداً دوره في إثراء التراث الإسلامي، ثمّ انتقل إلى تجارب بعض الفنّانين والخطّاطين والحرفيّين، مثل تجربة نجد نجا المهداوي، الذي يتجنّب كتابة الكلمات، ويرى فيها قيداً للإنسان، مفضّلاً إطلاق العنان للخطّ العربي ليعبّر عن ذاته من خلال الحركة والأشكال..
أمّا حسن المسعود، فيحافظ على قراءة اللوحات، ويستعين بأبيات الشعر والحِكم التي تلمس القلوب بقيم الحُبّ والأخوّة والتأمّل الصوفي، مما يخلق تواصلاً روحياً مع المتلقّي. وفى سياق مختلف، مزج كمال بلاطة بين المفاهيم الصوفية والتراث الإبراهيمي، إلى جانب هندسة الألوان، ليُعيد تصوُّر التراث بصرياً بأسلوب فنّي عميق..
بدوره، يركّز منير الشعراني على تحديث الأنماط الخطية العربية المشرقية والمغربية وإحيائها في لوحاته وأعماله الغرافيكية، معتمداً على أقوال تدعو إلى العدل والسلام والمساواة، بينما يُبرز خالد الساعي، الذى يمكن وصفه برسّام المناظر والفضاءات بالخطوط العربية، الجانب الرمزي للخطّ، حيث تمثّل الحروف أحياناً أقوالاً صوفية غامرة.
يُصرّ مترجم "الصوفية والسريالية" أنَّ إسبانيا لا تزال تتمتّع حتى اليوم بتراث عربي إسلامي غنيّ من الخطوط التي تطوّرت في الأندلس، ومنها النقوش الأثرية في معالم مثل مسجد قرطبة وقصر الحمراء في غرناطة، مؤكّداً أنّ تراث الخطّ العربي في الأندلس عظيم ولا يقارَن، ولم تُضفِ هذه الزخارف بعداً جمالياً مميّزاً فحسب، بل دفعت أيضاً حدود الإبداع والتميز التقني في التقاليد الفنية الغربية، وقد أدّى التبادل الثقافي الذي نشأ نتيجة لهذا التأثير إلى إثراء التراث الفنّي الأوروبي والغربي ككلّ.