"دون كيخوته" آي ويوي.. مكعّبات ضدّ طواحين الزمن والسياسة

29 نوفمبر 2024
من المعرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يستلهم الفنان الصيني آي ويوي في معرضه "دون كيخوته" بإسبانيا من طفولته ورواية "دون كيخوته دي لا منشا"، ليتناول قضايا الهجرة واللجوء والعدالة باستخدام تقنيات متنوعة مثل الليغو والفسيفساء.
- يضم المعرض 44 عملاً أنتجها ويوي خلال 20 سنة، حيث يدمج الفن بالسياسة تحت شعار "كلّ شيء فنّ. كلّ شيء سياسة"، ومن أبرز الأعمال ثريا "La Commedia Umana" و"درّاجات إلى الأبد".
- تعكس أعمال ويوي تأملاته حول العلاقة بين الإنسان والطبيعة، ويسعى لإعادة تحديد التوازن بين الحياة والموت، مستخدماً شخصية الدون كيخوته لترسيخ قيم العدالة.

لطالما كانت أعمال الفنّان الصيني آي ويوي (1957)، مثيرة للجدل من حيث تداخل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في رؤيته الفنّية. اشتغالاته المتنوّعة تلاحق أحداثاً من الشأن العام وقعت في الماضي، لكنّ ذاكرتها لا تزال تفيض بالأسئلة والتداعيات، أو أُخرى تستحوذ على اهتمام الملايين حول العالم تتعلّق بالكوارث أو الحروب أو الهجرات، وفي جميعها يتمكّن من جذب الإعلام والنقّاد والجمهور لمتابعتها.

ضمن هذا الإطار تأتي جولته في إسبانيا. لكن هذه المرّة، وكي يخاطب الجمهور الإسباني، يعود الفنّان الصيني إلى جذور طفولته ويستوحي منها اشتغالات متعدّدة في النحت وأعمال التجهيز والفيديو آرت والفوتوغرافيا، كي يوجّه رسائل مُعاصرة. ويبدو أنّه تذكّر طفولته في صحاري شينجيانغ الصينية، حيث ساعدته نسخة مصوّرة من رواية "دون كيخوته دي لا منشا"، للكاتب الإسباني ميغيل دي ثربانتس، كان يمتلكها والده الشاعر آي تشينغ، على فتح مخيّلته لسيناريوهات أبعد تتجاوز منطق الماوية الرسمية. 

في معرضه الجديد "دون كيخوته"، الذي يحتضنه "متحف الفنّ المعاصر" بقشتالة منذ الثامن من الشهر الجاري، ويتواصل حتّى الثامن عشر من أيار/ مايو 2025، يعرض آي ويوي أربعاً وأربعين عملاً أنتجها جميعها خلال العشرين سنة الأخيرة من مسيرته، حيث عُرف بقدرته على دمج الفنّ بالسياسة تحت شعاره "كلّ شيء فنّ. كلّ شيء سياسة". 

أربعة وأربعون عملاً عن الهجرة واللجوء والعدالة

التقنية الجديدة التي يستخدمها هي سلسلة لوحات مصنوعة من مكعّبات الليغو، إضافة إلى الفسيفساء القديمة وتصميمات المنسوجات والسجّاد، والطباعة الخشبية المتحرّكة في عهد أُسرة سونغ، والتي تعطي شعوراً بأنّها ضدّ الوقت الرياضي الأجوف، ضدّ الثواني والدقائق والساعات.

من هنا كانت فكرة تركيب دون كيخوته في مكعّبات ضدّ الزمن، كي يحارب أنواع الطواحين كلّها الموجودة في عصرنا هذا الذي يتحرّك بسرعة مجنونة: طواحين السياسة، والاقتصاد، والحدود، والحروب. مقابل هذه المكعّبات التي تتحدّى الزمن، ربّما أراد الفنّان أيضاً أن يتحدّى بقطَع الألعاب تلك الرسم التقليدي ثنائي الأبعاد، فمكعّبات الليغو، وفق قوله، هي "أدوات مثالية للتشكيك في الماضي السياسي والماضي الجمالي للفنّ. ولهذا اخترتها لأنّها غريبة تماماً عنّي: فهي محايدة، بل وسخيفة، لأنّها لا تحمل ثقل الأشكال التقليدية للتعبير الفنّي، مثل الرسم أو النحت. بمعنى ما، تُحرّرنا هذه الألعاب من أعباء الأمتعة الفنّية التاريخية".

من المعرض
من المعرض

التشكيك، أو التحرّر، بالنسبة للفنّان الصيني يعني بالدرجة الأُولى الخيال. وليس ثمّة شخصيّة أدبية تُمثّل الخيال أعلى وأسمى من فارس الوجه الحزين، الدون كيخوته، الذي يُشهر سيفه في كلّ مغامرة، من أجل ترسيخ قيم العدالة وإحقاق الحقّ. هكذا يستلف آي ويوي الفارس الإسباني من أجل إحلال العدالة في قوارب اللجوء، أو في عالم مليء بالحروب.

يضم المعرض أيضاً مجموعة مختارة من المنشآت والأعمال الأثرية، أبرزها عمل La Commedia Umana  (2017 - 2021)؛ وهو عبارة عن ثريا مصنوعة من ألفَي قطعة من زجاج المورانو الأسود ويبلغ ارتفاعها أكثر من ثمانية أمتار، تعبّر عن تأمّلات الفنّان حول الإنسانية، فضلاً عن دفاعه عن حرّية التعبير.

تغذي أزمات الهجرة، والتهديد بالأوبئة الحالية والمستقبلية، والتغيّرات البيئية العالمية المدمّرة، تأملات آي ويوي حول العلاقة بين الإنسان والطبيعة والمستقبل الغامض للحضارة الإنسانية، وهو ما يعيد في النهاية تحديد التوازن بين الحياة والموت. 

من المعرض

إضافة إلى ذلك، يضمّ المعرض عمل "درّاجات إلى الأبد" الذي أنجزه عام 2015؛ وهو عمل تجهيزي ضخم مؤلّف من سبعمئة وعشرين درّاجة هوائية متطابقة ومصنّعة من الصلب غير القابل للصدأ، إلى جانب عمله "قانون الرحلة" الذي أنشاه من زورق مطّاط على متنه عشرات اللاجئين الذين يقودهم دون كيخوته كي يصل بهم إلى ضفّة العدالة.

يبدو واضحاً أنّ الفنان الصيني لا يختار أعماله بشكل عشوائي. يجب أن يكون للوحة صدى معيّن يتماهى مع تجربته السياسية، لهذا السبب كلّ قطعة فنّية في المعرض تروي موضوعاً محدّداً في السياسة والأخلاق والحقوق، وقبل هذا كلّه في الفنّ.

المساهمون