استمع إلى الملخص
- في المسلسل السوري "أيام شامية"، يُظهر كيف أن المساس بالشارب يُعتبر إذلالاً اجتماعياً، مما يعكس تقاليد المنطقة، حيث يُعتبر الشارب رمزاً للكرامة.
- رغم أن الحرب العالمية الثانية ألهمت العالم لاحترام الكرامة الإنسانية، إلا أن بعض المنتصرين في الصراعات الحديثة يتجاهلون القيم الأخلاقية والدينية، مفضلين استعراض القوة والسيطرة.
على الرغم من أن ثورات العرب في العقد الثاني من القرن العشرين بدأت بسبب ضربة إذلال تعرض لها مواطن تونسي هو محمد البوعزيزي، فإن منطق تلك السياسة التي كانت تعتبر أن التغلّب على العدوّ، يتم من خلال إذلاله، لا من خلال محاربته فقط، قد انتقل بقوة من سلوك الغالب، أو الحاكم، إلى روح المغلوب، أو المحكوم.
كانت الثورات العربية كلها، قد رفعت شعار "الكرامة"، في مواجهة تاريخ الإذلال الذي كان عنواناً للسلطات العربية كافة، لكن أمر التاريخ يبدو ساخراً للغاية، حين يعود رجال من الذين قاتلوا من أجل الكرامة، ورفعوا شعار: "الموت ولا المذلّة"، إلى ممارسة أكثر أشكال الإذلال والقهر الشخصي بشاعة ضدّ أبرياء لم يكن لهم أي دور في الماضي القريب في صناعة سياسة الإذلال التي اتبعها النظام السوري مثلاً في العقد الماضي من قرننا البائس. جنود شُبّان أُذلّ آباؤهم، أو أقرباؤهم، من قبل نظام بشار الأسد، ينفّذون أعمالاً مخجلة من نوع إرغام أبرياء آخرين على أن يعووا كالكلاب، أو يمعوا كالخراف، أو يقومون بحلق شارب من يعتبر الشارب كرامة، لأن أي واحد من هؤلاء ينتمي إلى طائفة أُخرى غير طائفتهم.
سخرية أن يمارس رجال، قاتلوا من أجل الكرامة، الإذلال بحقّ غيرهم
في المسلسل التلفزيوني السوري "أيام شامية" كان أحد المحاور الأساسية فيه أن شخصاً رهن جزءاً من شاربه، لقاء بعض المال الذي يحتاج إليه، وقد أمضى وقتاً طويلاً وهو يشعر بالذلّ لأنه فعل ذلك، إذ كان الاحتفاء بالشارب، ولا يزال، طقساً اجتماعياً ذكورياً، يعتبر المساس به إذلالاً، يمكن تعميمه على تقاليد المنطقة كلها.
تقول أوتا فريفرت في كتابها الذي يحمل العنوان "سياسة الإذلال" (دار ممدوح عدوان، 2021، ترجمة هبة شريف) إن تجربة الحرب العالمية الثانية خصوصاً، التي شهدت كيف أهدرت كرامة الملايين من البشر، قد ألهمت العالم، الأوروبي خاصة، بعد انتهاء تلك الحرب، أن يولي قضية الكرامة الإنسانية أهمية قصوى، بحيث أضحى النصّ على احترامها مقرّراً في معظم دساتير دول العالم.
غير أن الإذلال شكلٌ من أشكال استعراض القوّة، ينتهز كلّ فرصة لإظهارها، ومن اللافت ألا يظهر لدى الكثير من المنتصرين الذين هزموا النظام السوري البائد، أي قيمة أخلاقية يتمسّكون بها، حتى لو كانت متضمنة في الأسس الدينية التي يؤمنون بها كجماعة، أو كانت مكرسة في الاتفاقيات الدولية. وتُرمى الفقرة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سلة المهملات "يولد الناس جميعهم أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق". وهي فقرة تتماهى مع عبارة عمر بن الخطاب الشهيرة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً". ومع ذلك فإن متشددين دينيين (والتشدد ينبغي أن يعني التزاماً بالقواعد الدينية والأخلاقية) لا يعبؤون بها، في سلوكهم كمنتصرين تجاه أعدائهم أو خصومهم، إذ تتفوّق الرغبة في السيطرة، وإظهار القوة، على الوازع الديني، والأخلاقي، ويتحول المقاتلون، الذين يزعمون أنهم محرّرون، إلى جلادين ساديّين يرغبون في إظهار قوتهم في الفضاء العام، حين يعمدون إلى تصوير أنفسهم، وهم ينفذون تلك الأفعال المشينة، في إذلال الأبرياء، ويضعونها في حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل.
* روائي من سورية