كيف تكتب الأبواب علاقتنا بالعالم؟

23 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 13:12 (توقيت القدس)
أمام باب المصحّ النفسي الذي أودع فيه فان غوخ، جنوب فرنسا، 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في رواية "الباب" لماغدا سابو، يُستخدم الباب كرمز للعزلة والمواجهة، حيث يعكس العلاقة المعقدة بين الشخصيات، ويُظهر الحواجز النفسية والاجتماعية التي تواجهها.

- باسكال ديبي في كتابه "الباب: مقاربة إثنولوجية" يدرس الأبواب كرموز ثقافية واجتماعية، موضحًا كيف تعكس تصميماتها مفاهيم الجندر والسلطة والعبور عبر التاريخ.

- يجمع العملان بين السرد الروائي والتحليل الثقافي، ليكشفا عن الأبعاد الرمزية للأبواب في حياتنا اليومية، مما يجعلنا نعيد النظر في تفاصيل بسيطة تحمل معانٍ عميقة.

حين نتأمّل السرد من زاوية المعمار وتفاصيل المكان، نكتشف أن العناصر البسيطة كالباب، والنافذة، أو السلالم قد تتحول إلى مفاتيح رمزية ذات أثر جمالي كبير. عناصر تنظّم علاقة الشخصيات بمحيطها، وتكشف عن ديناميات داخلية تتعلق بالهوية، والحدود، والانتماء. في الروايات، يصبح الباب، مثلاً، لا مجرد مدخل أو مخرج، بل تمثيلاً للمواجهة أو العزلة.

هذا ما نراه بوضوح في رواية "الباب" للكاتبة المجرية ماغدا سابو، كما نقرأه في كتاب "الباب: مقاربة إثنولوجية" للأنثربولوجي الفرنسي باسكال ديبي، وكأن السرد الروائي والتحليل الثقافي يتقاطعان عند هذه النقطة المعمارية.

بدايةً من رواية سابو التي صدرت بترجمة عربية عن دار أثر أنجزتها أسماء المطيري، نجد أن العلاقة المعقدة بين ماغدا الكاتبة وإيمرنس الخادمة على خلفية باب مغلق (باب بيت إيمرنس)، الذي لا تسمح لأحد بتجاوزه. هذا الباب يصبح تمثيلاً مادياً لحاجز لا مادي. لا تنشأ العلاقة بين المرأتين من الرغبة في تجاوزه، ومن صدمة ما يحصل حين يُفتح أخيراً. تترك سابو للباب ثقلاً خاصّاً في النص، كأنه يحمل كل ما لم يُقل. تصف الرواية حبّاً لا يتّسع له المفهوم التقليدي، وتلمح إلى أن العجز عن الوفاء به قد يكون نابعاً من العجز عن اختراق ذلك الحاجز، عن تخطي تلك العتبة.

يقرأ باسكال ديبي الباب ضمن إطار اجتماعي يشمل الطبقة والتاريخ

أما عند باسكال ديبي، الذي وقّعت ترجمة كتابه رندة بعث، فالحديث عن "الباب" يأخذ طابعاً إثنولوجيّاً غنيّاً. يرفض ديبي اختزال الباب في بُعده المعماري، ويقرأه كعلامة ثقافية واجتماعية ترسم العلاقة بين الذات والآخر. يصف الباب بأنّه "إله صغير للعتبة"، في استعارة تربط بين الحياة اليومية والرموز الكونية. من خلال تتبّعه لأبواب بابل وروما والصين، وأبواب الكنائس والمساكن التقليدية، يُبيّن كيف أن تصميم الباب وموقعه واستخدامه يعكس مفاهيم تتعلق بالجندر، والسلطة، والعبور.

في ضوء ما تقدّمه الرواية والكتاب معاً، يتضح أن "الباب" ليس مجرد تفصيل روائي أو موضوع بحث إثنولوجي، بل نقطة التقاء بين الخاص والعام. في رواية سابو، الباب يُغلق ليحمي، ويُفتح ليُخون، أما في تحليل ديبي، فهو أداة اجتماعية تُصنّف وتُنظّم وتفصل. وبين الاثنين، تتوسع صورة الباب ليشمل كل ما يحدّ الإنسان مثل الطبقة والتاريخ والرغبات. كلا العملين يُعيدان الاعتبار لتفاصيل قد لا نلحظها، ويكشفان عن طاقة رمزية في الأشياء اليومية من حولنا.

بعد قراءة هذين العملين يُصبح من الصعب النظر إلى أي باب بالطريقة نفسها. سواء كان مغلقاً أو موارباً، صامتاً أو صريره عاليا، فهو يحكي شيئاً عن ساكني البيوت، وعمّا نودّ أن نُبقيه في الداخل، وما نخشى أن يأتي من الخارج. وفي لحظة ما، سيقف كل واحد منا أمام باب يعنيه مترددّاً: أندخل؟ أم نلتفت صوب أشياء أبعد من الجهة الأُخرى؟

المساهمون