استمع إلى الملخص
- تناولت المسرحية سيرة ليلى بعلبكي وقصة حبها، تجربة لطيفة الزيّات النسوية ورفضها لاتفاقية كامب ديفيد، وأفكار شيمامندا أديتشي حول النسوية والتنوع.
- تواصل لينا أبيض مسارها المسرحي في قضايا المرأة، مقدمةً مرافعة ضد العنف والإقصاء، مما يعكس التزامها بحقوق النساء.
على مدار ثلاث أُمسيات متتالية، الأربعاء والخميس والجمعة الماضية، قدّمت المُخرجة اللبنانية لينا أبيض مسرحيتها الجديدة "ليلى، لطيفة، شيمامندا" على خشبة مسرح "إروين هول" في "الجامعة اللبنانية الأميركية" ببيروت، متناولةً ملامح من سيرة ثلاث أديبات: اللبنانية ليلى بعلبكي (1936 - 2023)، والمصرية لطيفة الزيّات (1923 - 1996)، والنيجيرية شيمامندا نغوزي أديتشي (1977)، ومستحضرةً أطيافهنَّ في معالجة مسرحية مُحكَمة لعبت مشاهدها الثلاثة كلٌّ من الممثّلات: جنى أبي غُصن، وغريتا عون، ولما الأمين.
نصفُ ساعة تقريباً مدّة كلّ مشهد، والبداية مع صاحبة رواية "أنا أحيا" (1958)، التي استعادتها المسرحية كإحالة كلاسيكية، حيث تشتغل في الخلفية أُغنيات رومانسية لمحمد عبد الوهاب، وفي الأداء انطوائيةٌ وبساطةٌ حالمة بالتمرُّد، وقصّة حبّ لـ"بهاء" تُقيّدها التقاليد الأبوية. تخلو الممثّلة جنى أبي غصن إلى الهاتف، تتحدّث مع صديقة "غائبة"، لكنّها تتفاعل معها، وتستجلبها إلى المسرح. نحن لا نسمع صوتها ولا نراها، ولكنّها مُحفِّزة بكامل طاقتها الأثيرية، ولوهلة نعتقد أنّ مفاجأةً تنتظرنا بظهورها، كمُفاجأة المخرجة للمُشاهدين باحتكامها إلى الأداء القوي منذ البداية، وعدم الركون لأهمّية المضمون وحسب - أي قضايا النساء - حتى يرفَع هذا المضمون العمل.
مُرافَعة ضدّ العنف والإقصاء تفتتح موسم المسرح بعد الحرب
لم تكُن ليلى بعلبكي غزيرة الإنتاج، روايتان فقط قاربت فيهما أسلوب الفرنسية فرانسوا ساغان، ومجموعة قصصية بعنوان "سفينة حنان إلى القمر"، وُصفت بـ"الإباحية"، وتسبّبت بمحاكمة صاحبتها. ورغم تبرئتها ورفع المُصادرة عن كتاباتها، إلّا أنّ تجربتها مع الكتابة ستتوقّف عند هذا الحدّ، وسترحَل في لندن، بعيداً عن الصخب، عام 2023. ومن هُنا تأتي هذه الاستعادة المسرحية نوعاً من ردّ الجميل، ولو متأخّراً، لامرأة وكاتبة حُوصرت تجربتها في مهدها.
في المشهد الثاني، تستقدم لينا أبيض إلى جمهورها البيروتي تجربة نسويّة أُخرى، من مصر هذه المرّة، مع صاحبة رواية "الباب المفتوح" (1960). الجوّ، هنا، يختلف قليلاً عن المشهد الأوّل، لغةٌ ذات بُعد أيديولوجي يساري واضح، وحديث عن تجربتَين في الزواج ومثلهما في الاعتقال، ومُواجَهة صارمة مع تقاليد السُّلطة كلّ سُلطة، في المنزل والشارع وسُدَّة الحُكم، خصوصاً بعد رفض الزيّات القاطع لـ"اتفاقية كامب ديفيد"، وتحذيرها من تبعاتها التطبيعية على المجال الثقافي.
تجلس الممثّلة غريتا عون لا لتُؤدّي مونولوغاً، بل لتتكلّم بصرامة كامرأة عربية، ولتُواجه أسئلة لينا أبيض التي تتردّد في الخلفية، فتخلق حواراً تفاعلياً بين صَوتين. صحيح أنّ المشهد مع لطيفة يتعقَّد أكثر، لكنّ العُنف المُعاش والهيمنة والإقصاء تبقى واضحة، كما تبقى الرغبة والحرّية الجنسية موضوعاً قائماً ومُفصَحَاً عنه مُباشرة، ولا يتحرّك هذا الموضوع في اللغة ولا من خلف الأداء وإيحاءاته، بل في الفعل والمُمارسة، وإن ظلّت مُؤدّياته سياسية ونقدية.
ومع المشهد الثالث والأخير، تحضر الروائية النيجيرية شيمامندا نغوزي أديتشي (نصيبُها في العربية ستّة أعمال مترجمة)، فنهبط من حدَّة المشهد الثاني إلى مقدار لا يخلو من اللعب في الأداء والكلمات، حيث تتلو لما الأمين نقاط "عزيزتي هاجر، أو مانيفستو نسويّ في خمسة عشر مقترحاً"، وفي الخلفية أُغنية لبيونسيه تتردّد عند الدخول وعند الختام، وتُخفّف من حدّة المُباشَرة، وتُضفي على العمل رُوحاً مُتخفِّفة في نقاشات مفتوحة مع صديقة (في المسرحية هي واحدة من الجمهور ربّما) قد أصبحت أُمَّاً منذ وقت قريب، حول الملابس، والماكياج، والنسوية، والتنوّع، والحقّ بالاختلاف.
تستكمل لينا أبيض، في "ليلى، لطيفة، شيمامندا"، المسار الذي اختطّته بأكثر من ثلاثين عرضاً مسرحيّاً من توقيعها، وبالأخصّ أعمالها الأخيرة، مثل "نوال" (مسرحية عن نوال السعداوي، 2022)، و"سجن النساء" (2021)، و"نوم الغزلان" (2016)، كذلك تُعطي انطلاقةً قويّة للمشهد المسرحي في لبنان بعد الحرب التي كانت المرأة من أبرز ضحاياها.