بعد أسابيع من التدمير الناجم عن العدوان الإسرائيلي، يعوّل اللبنانيون على وقف إطلاق النار لاستعادة بعض الحيوية الاقتصادية في ظل الظروف الصعبة التي تعصف بالبلاد.
ومع اقتراب موسم الأعياد، تتوجه الأنظار نحو القطاعات الإنتاجية والتجارية، التي شهدت تراجعاً كبيراً خلال فترة الحرب.
من بيروت إلى الجنوب والبقاع، يعبر أصحاب المحال والمطاعم عن تفاؤل حذر بعودة الحركة التجارية، لا سيما مع توقع تدفق المغتربين لقضاء الأعياد، ورغم الخسائر الكبيرة في قطاعات السكن، والتجارة، والمطاعم، يشير الخبراء إلى أن وقف إطلاق النار قد يمنح الاقتصاد اللبناني دفعة إيجابية، ولو مؤقتة، تساعد المواطنين على تجاوز جزء من معاناتهم المستمرة.
تفاؤل رغم الدمار
في هذا السياق، قال رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية، إيلي رزق، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إنه لا شك أن وقف إطلاق النار أدخل البهجة إلى جميع اللبنانيين، خاصة إلى القطاعات الإنتاجية، ولا سيما أننا مقبلون على موسم الأعياد. وأشار إلى أن هذا الموسم يعيد الحياة إلى القطاع الخاص والدورة الاقتصادية، لأنه يشكل نحو 30% من الناتج الإجمالي. وأوضح رزق أن الجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية لوقف إطلاق النار والتي بدأت الساعة الرابعة فجراً أمس الأربعاء، ستؤدي إلى سرعة حجز العديد من المغتربين تذاكر السفر إلى لبنان، لقضاء فترة الأعياد، وهذا من شأنه أن يعيد النشاط إلى الدورة الاقتصادية ويعود بالنفع على جميع فئات المجتمع اللبناني، موضحاً أن هناك حوالي 1.2 مليون عامل في لبنان، حوالي 75% منهم يعملون في القطاع الخاص. وأكد أن ذلك يشكّل انتعاشاً للقطاعات العاملة وتحسيناً لقدرتهم الشرائية خلال فترة الأعياد.
وفي ما يتعلق بحجم الخسائر، قال رزق إن مناطق الجنوب والبقاع تضرّرت بشكل كامل. وأضاف أن هذا الأسبوع شهد زيادة في حجم الأضرار، إذ شملت الغارات مجمعات ومباني، وقد أشار تقرير البنك الدولي إلى أن هناك حوالي 100 ألف وحدة سكنية تضررت، وهو رقم من المتوقع أن يكون قد ارتفع خلال الأسبوع الأخير، وقدرت تكاليف إصلاح الوحدات المتضررة بحوالي 8 مليارات دولار، وعلى سبيل المثال، توقفت 1000 صيدلية عن العمل بالكامل، ما يستدعي تقييم حجم أعمالها.
وذكر رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية أن التقديرات التي أعدتها الهيئات الاقتصادية، بالتعاون مع الجهات المختصة والبنك الدولي، تشير إلى أن الخسائر تقترب من 11 مليار دولار، لكن هذا الرقم كان قبل أسبوع من وقف إطلاق النار، وأكد أن الهيئات الاقتصادية ستبدأ عقد اجتماعات لمتابعة الوضع وتحديث حجم الخسائر.
وأشار رزق إلى أن "اللبناني، كطائر الفنيق، يعود وينهض بالاقتصاد، ويستعيد الحياة الطبيعية، وسنحاول ألا نكرر الأخطاء التي أدت إلى الكوارث في الماضي"، موضحاً أن لبنان سيتعافى بسرعة خاصة خلال هذا الموسم، ولو كان وقف إطلاق النار سيحدث في بداية العام لكانت الحركة الاقتصادية أبطأ.
أما القرى التي لم تتعرّض للقصف أو التدمير، فستشهد نهضة سريعة، حسب رزق، الذي أكد أن عودة المغتربين ستساهم في ضخ العملة الصعبة إلى لبنان، وهو ما يحتاجه المصرف المركزي بشدة. وأشار إلى أن الدلائل تبشّر بالخير، رغم أن شركات الطيران لن تستأنف عملها بالكامل قبل بداية عام 2025، لكن حجوزات طيران الشرق الأوسط تؤكد ذلك.
استعادة الحياة الطبيعية في لبنان
وعلى رغم الأضرار والخسائر الكبيرة، يعبّر التجار وأصحاب القطاعات الاقتصادية عن تفاؤل مشوب بالحذر بشأن تعافي الحركة الاقتصادية مع عودة المغتربين وقرب موسم الأعياد. وأكد الجميع أن وقف إطلاق النار يمنح اللبنانيين أملاً في استعادة حياتهم الطبيعية ولو بشكل تدريجي. وفي سياق متصل، أفاد أحد التجار في الأشرفية-بيروت أن الحركة التجارية ضعيفة نسبياً، وهي أقل من السنة الماضية، نظراً لتوسع وتفاقم الحرب التي شملت معظم الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى العاصمة بيروت. وأشار إلى أن نسبة التراجع بلغت حوالي 60% عن السنة الماضية التي كانت قد تراجعت عن السنة التي سبقتها، موضحاً أنه مع وقف إطلاق النار وتوقف الاعتداءات سنشهد بعض الانتعاش والحركة في السوق.
وأضاف التاجر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن الحركة في سوق الأشرفية انتعشت بسبب النازحين بعض الشيء بما يختص بالمواد الغذائية والأساسية، لكن هذا الأمر لم يعوض الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها الأسواق التجارية جراء الحرب، مؤكداً أن هناك تفاؤلاً حذراً للحركة في موسم الأعياد، على أمل أن يعطينا نفساً جديداً.
ولفت إلى أن كل المغتربين يعطون الأولوية للبنان لقضاء الأعياد، لكن هم كانوا ينتظرون اللحظة الأخيرة من أجل اتخاذ القرار والعودة. وتابع أننا مقبلون على فترة أعياد ووقف إطلاق النار يكون تأثيره مزدوجاً، أولاً لأننا قادمون على فترة أعياد، وثانياً وقف إطلاق النار يعطي المستهلك اللبناني شعوراً بالطمأنينة، ويشجعه على التسوق قدر المستطاع، مؤكداً أن الإمكانيات انخفضت بعد الأزمة المالية والاقتصادية، لكن خلال فترة الحرب انخفضت نسبة الإنفاق بشكل أكبر.
أما في زحلة، فشهدت الأسواق التجارية تراجعاً ملحوظاً بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والعدوان الإسرائيلي على لبنان، مما تسبب بتدني المبيعات، وتراجع حركة التسوق، وأثر هذا الوضع في جميع التجار، مما دفع البعض إلى إقفال محلاتهم خلال الفترة الماضية. وأفاد صاحب "سوبر ماركت" أن الحركة التجارية تنشط في هذه الفترة من كل سنة، لقدوم المغتربين إلى لبنان لقضاء فترة الأعياد، (الميلاد ورأس السنة). وأشار إلى أن وقف إطلاق النار سينعكس إيجاباً على انتعاش الأسواق وتحسن الحركة التجارية.
موسم الأعياد
تراجعت الحركة في طرابلس بنسبة تتجاوز 40%، مما زاد الأعباء اليومية على التجار والمواطنين، خاصة مع ارتفاع تكاليف الكهرباء والضرائب، وطالب التجار الحكومة بتعليق الضرائب في الشهر الحالي والمقبل، لإفساح المجال أمام موسم الأعياد لتعويض بعض الخسائر، حيث لفت أحد التجار إلى أن الوضع الاقتصادي يختلف عن حرب 2006، حيث كانت التسهيلات المصرفية أفضل حينها، ومع ذلك، يعوّل التجار على فترة الأعياد لتنشيط الأسواق مجدداً، خاصة بعد وفق إطلاق النار.
من جانبه، صرح نائب نقيب المطاعم، خالد نزهة، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن وقف إطلاق النار، على الرغم من الهمجية التي شهدتها البلاد خلال الأسبوع الأخير، قد ساعد المواطنين في العودة إلى مناطقهم، رغم الدمار الكبير، وهو ما يعد مؤشراً على عودة اللبنانيين من الاغتراب، وخاصة من دول الخليج وأفريقيا. وأضاف أن موسم الأعياد، خاصة عيد الميلاد ورأس السنة، هو موسم ينتظره اللبنانيون، فهو يساهم في إعادة الحياة إلى لبنان.
وأوضح نزهة أن قطاع المطاعم تعرّض لخسائر كبيرة، خاصة في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، مشيراً إلى أن هذا القطاع هو المحرك الأساسي للاقتصاد اللبناني ويشغل أكثر من 200 ألف لبناني.
كما أنه يستهلك جميع الإنتاج الوطني اللبناني من زيت وخضراوات وفواكه، ويدعم المنتجات المحلية. وأشار إلى أن هذا القطاع يصدّر منتجاته إلى الخارج، ورغم الخسائر التي تعرّض لها بسبب تراجع عدد اليد العاملة المتخصصة، فإنه سيعاود العمل بفضل الشباب العاملين في هذا القطاع. وأكد ضرورة أن تأخذ الدولة بعين الاعتبار الظروف التي مرّ بها لبنان، وتعمل على دعم هذا القطاع بشكل أكبر.
كما أضاف نائب نقيب المطاعم أن هناك تفاؤلاً بعودة الأسواق والمطاعم للعمل، خاصة أن الأزمات الاقتصادية التي مر بها لبنان قبل الحرب أثبتت قدرة الأسواق والمطاعم على العودة للعمل وتحدي الصعوبات والحروب.
وأكد أن الحياة ستعود للبنانيين، على الرغم من التكاليف التشغيلية المرتفعة، وأن الأسواق والفنادق ستعاود نشاطها، خاصة خلال فترة الأعياد. وأشار إلى أن لبنان يمتلك مقومات كبيرة تساهم في إعادة الحياة إلى الأسواق والمحلات، وخاصة السياحة الثقافية والفنية والتاريخية.
ترميم معبر المصنع
وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال، علي حمية، أكد، أمس، على منصة "إكس" أن "ورش متعهدي وزارة الأشغال العامة والنقل، بدأت العمل على ترميم وفتح طريق المصنع المعبر الحدودي اللبناني السوري".
وكان الطيران الإسرائيلي قد شنّ في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، غارة على منطقة المصنع، شرق لبنان، التي تضم المعبر الحدودي مع سورية، ما أدى إلى قطع الطريق الدولي وتوقف العمل بالمعبر، كما سبق أن قصفه في 27 سبتمبر/ أيلول الفائت. ويقع المعبر في منطقة البقاع، شرق لبنان، ويعد أهم المعابر للمرور إلى سورية. وتربط لبنان وسورية ستة معابر شرعية، أهمها على الإطلاق المعبر الرئيسي المعروف باسم "المصنع" من الجانب اللبناني و"جديدة يابوس" من الجانب السوري.
زيادة توزيع المازوت
من جانبه، أكد وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض أن "عملية توزيع المازوت على مراكز الإيواء والتي تشمل كل المناطق اللبنانية التي جرى إطلاقها يوم الخميس الماضي ستتوسع وترتفع وتيرتها، اعتباراً من أمس، لتصل كمية مادة المازوت الموزعة إلى 200 ألف لتر على الأقل يومياً أو مليون لتر أسبوعياً، وذلك لتغطية أكبر عدد ممكن من مراكز الإيواء في أسرع وقتٍ ممكن". وأعلن فياض أنّ "وزارة الطاقة تعمل وفق الخطة المقررة، والطلبات التي تردها من وزارتي الشؤون الاجتماعية والتربية، والتي يجري على أساسها تحديد المراكز المطلوب تزويدها بالمازوت، وتبلغ الكمية المطلوبة في المرحلة الأولى 1.5 مليون لتر، يجري توزيعها على جميع المناطق اللبنانية، في غضون أسبوع أو 10 أيام". وشدد فيّاض على أنه "يولي اهتماماً بمنطقة البقاع الغربي، وقد حصل على التزام من شركات التوزيع بزيادة عمليات التسليم اعتباراً من أمس، لتوزّع جميع الكميات التي تطلبها مراكز الإيواء في تلك المناطق والتي تبلغ 167 ألف لتر، وذلك خلال يومين أو ثلاثة".