إجراءات مبشّرة لعودة سورية إلى خريطة السياحة العالمية
استمع إلى الملخص
- تسعى وزارة السياحة لاستعادة مكانة سوريا السياحية عبر الترويج والمشاركة في المعارض وتنظيم الفعاليات، مع التركيز على رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 50% من خلال تطوير البنية الفندقية ودعم المشاريع الصغيرة.
- يواجه القطاع تحديات كالعقوبات وتدمير البنية التحتية، لكن رفع العقوبات يسهل التغلب عليها. الاتحاد السوري لغرف السياحة يخطط للموسم المقبل بالتنسيق مع الجهات المعنية، مع توقعات بزيادة الإقبال على السياحة.
تراجعت السياحة في سورية خلال السنوات الـ 14 الماضية بنسبة قاربت 70%، وكما هو الحال في الحروب، تكون السياحة عادة أول القطاعات المتضررة وآخر المتعافية، إذ لا سياحة من دون أمان. لكن مع سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بدأ توافد الأجانب والعرب لزيارة سورية، غير أنّ مخاوف السوريين ازدادت مع تسجيل حالات فلتان أمني ارتكبتها فصائل متشدّدة هاجمت مؤخراً بعض المطاعم والنوادي في العاصمة دمشق، وارتكبت انتهاكات بحقّ الزبائن.
ويضاف إلى ذلك القرارات التي صدرت بمنع ارتداء اللباس البحري، ومنع اختلاط الذكور والإناث في المسابح، الأمر الذي أثار قلق السياح. وفي موسم السياحة، يبرز السؤال: كيف ستتعامل وزارة السياحة مع هذا الواقع في ظل عدم استقرار البلاد حالياً؟
معاون وزير السياحة السوري، فرج القشقوش، تحدث لـ"العربي الجديد" قائلاً إنّه منذ سقوط النظام شهدت المنافذ البرية الحدودية لسورية توافداً واسعاً من السياح والسوريين العائدين إلى بلادهم، إذ بلغ عدد الأجانب 73,309 سائحين، والعرب 165,045 سائحاً، في حين وصل عدد السوريين العائدين إلى 826,629 مواطناً.
وأشار إلى أن سورية سمحت لمعظم الأطياف من المنظمات والصحافيين بدخول أراضيها عبر المنافذ البرية والجوية، ومن الأمثلة على ذلك الحجاج الإسبان الذين عبروا على خيولهم من سورية إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج هذا العام. وكشف أن السياحة تراجعت كثيراً خلال الحرب بنسبة 69% نتيجة انعدام الأمن في تلك الفترة.
وعن كيفية تعامل الوزارة مع التجاوزات التي حدثت مؤخراً في الفنادق والملاهي بدمشق، أوضح القشقوش أن الوزارة تعمل على تعزيز الثقة وضبط الأمان في المنشآت السياحية، مؤكداً أن سلامة المواطنين والسياح هي الأولوية الأولى. وأضاف أنه جرى التنسيق مع وزارة الداخلية لإحداث قسم للشرطة السياحية ضمن الهيكلية الجديدة للوزارة، وتتمثل مهمتهم في تأمين المواقع السياحية، والحضور في المرافق الترفيهية والمناطق الحيوية (دمشق القديمة، المطاعم، الفنادق) لضمان بيئة آمنة.
كما سيجري تنظيم جولات سياحية ليليّة مصحوبة بمرافقة أمنية تشمل المطاعم والفنادق والمواقع السياحية، تكون مهمتها التدخل الفوري عند أي طارئ، الأمر الذي يمنح السائح شعوراً بالثقة والأمان. كذلك سيجري ربط وزارة السياحة مباشرة مع الفنادق والمطاعم عبر خط ساخن للإبلاغ عن أي طارئ، إضافة إلى العمل على تسويق سورية وجهةً سياحيةً آمنة من خلال حملات إعلامية إيجابية وإبراز المواقع الجاذبة.
أما في ما يتعلق بموضوع اللباس البحري ومنع الاختلاط في المسابح، حتى للعائلات، أوضح القشقوش أنه لن يكون هناك منع، وإنما عملية ضبط وفق العادات والتقاليد للمجتمع المحافظ، مؤكداً أن كل زائر لأي دولة يجب أن يحترم قوانينها، وأضاف أنه سيجري تخصيص أماكن مخصصة للعائلات المحافظة بما يضمن خصوصيتها.
وأشار معاون الوزير إلى الأهمية الاقتصادية للسياحة، موضحاً أنه قبل عام 2011 كان القطاع السياحي يشكل حوالى 10–14% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر فرص عمل مباشرة في الفنادق والمطاعم والنقل والإرشاد السياحي والحرف التقليدية، وغير مباشرة في القطاعات الزراعية والصناعية، وكشف أن رؤية الوزارة حالياً تهدف لرفع مساهمة السياحة إلى 50% من الناتج المحلي، عبر إعادة تأهيل المواقع والمسارات السياحية التاريخية والأثرية، وتطوير البنية الفندقية، ودعم المشاريع الصغيرة والعائلية المرتبطة بالسياحة، وتنشيط دور المجتمعات المحلية، إضافة إلى جذب الزوار للسياحة العلاجية وسياحة الأعمال.
وأكد القشقوش أن الوزارة تسعى لاستعادة مكانة سورية على خريطة السياحة العالمية من خلال الترويج الداخلي والخارجي، والمشاركة في المعارض السياحية في الدول الصديقة والأسواق الواعدة، وتنظيم المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية والرياضية، ودعم السياحة الشعبية والعائلية، وتأمين شواطئ ومناطق سياحية بأسعار مناسبة، واستخدام التسويق الإلكتروني عبر إنتاج أفلام ترويجية وجولات افتراضية للمناطق السياحية السورية ونشرها على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، كما تعمل الوزارة على تقديم التسهيلات للمستثمرين، والتعاون مع المنظمات الدولية والدول الصديقة لدعم إعادة إعمار القطاع.
وحسب القشقوش، تسعى الوزارة للتعاون مع دول الجوار، لا سيّما تركيا ودول الخليج العربي، لما تمتلكه من فرص استثمارية، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات وتبادل الزيارات مع هيئات سياحية في تلك الدول، إضافة إلى لقاءات مع سفراء دول مثل قطر وإسبانيا وإيطاليا.
أما عن الصعوبات التي تواجه قطاع السياحة، فبيّن أنها كانت تتمثل في العقوبات الاقتصادية، ومع رفعها أصبح العمل على تذليل الصعاب أسهل، خاصة أن الشراكات العربية والإقليمية والدولية باتت ممكنة. وأضاف أن تدمير البنية التحتية للمنشآت السياحية واستخدام بعضها في غير اختصاصها من أبرز التحديات، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل على إعادة تأهيل هذه المنشآت أولاً، ثم تسليط الضوء على المواقع السياحية ضمن برنامج متكامل.
من جانبه، أوضح رئيس اتحاد غرف السياحة السورية، طلال خضير، لـ"العربي الجديد" أن الاتحاد وضع خطة عمل للموسم السياحي المقبل، وعقد لقاءات مع أصحاب المنشآت في الساحل ومناطق الاصطياف لبحث التحديات، ومنها إشغالات الأرصفة السياحية وتأمين الغاز، والعمل على تذليلها بالتنسيق مع الجهات المعنية في المحافظات.
وأضاف خضير أن الاتحاد يتواصل مع غرف السياحة في دول الجوار، ومنها هيئة تنشيط السياحة في الأردن، إذ جرى عقد لقاء مع اتحاد غرف التجارة الأردنية خلال زيارته إلى سورية، بهدف ربط البرامج السياحية بين البلدين، خاصة أن الأردن يعد مقصداً سياحياً هاماً، كما يجري العمل مع شركات السياحة والسفر لربط البرامج السياحية الأوروبية والعربية بمسارات تشمل سورية والأردن، بما ينشط السياحة البيئية بينهما، مع تسهيل دخول المجموعات السياحية.
وأشار إلى أن توقف حركة الطيران في مطارات دمشق وحلب واللاذقية، وإغلاق بعض المعابر الحدودية، أثر على عمل مكاتب السياحة والسفر، لكنها بدأت مجدداً في تنظيم زيارات الوفود الصحافية والإعلامية والمشاركين في المؤتمرات، ومن المتوقع أن تعود لاستقدام المجموعات السياحية قريباً، بعد إعادة تفعيل الفيزا السياحية والمنصة الإلكترونية بالتنسيق مع وزارات السياحة والداخلية والاتصالات.
وتابع خضير بالإشارة إلى أن هناك عودة لعدد كبير من المكاتب المتوقفة وطلبات لترخيص مكاتب جديدة، إضافة إلى اهتمام شركات دولية بالعمل في سورية، ما يبشر بعودة البلاد إلى خريطة السياحة العالمية. وتوقع أن يشهد الموسم السياحي لهذا العام إقبالاً كبيراً، خاصة على الساحل السوري ومنتجعات الاصطياف، مع العمل على تطوير الخدمات ورفع الجودة وخفض الأسعار وتقديم عروض خاصة لجذب الزوار.