استمع إلى الملخص
- أدى احتكار شركة "حلال" إلى ارتفاع تكاليف استيراد اللحوم وزيادة الأسعار في السوق المصري، مما أثر سلبًا على الاقتصاد وخلق نقصًا في السوق.
- القرار الجديد يعزز المنافسة العادلة في إصدار شهادات الحلال، مما يفتح المجال لتحسين الأوضاع الاقتصادية وتخفيض أسعار اللحوم.
نشرت الحكومة المصرية قرارا مفاجئا بالجريدة الرسمية يعيد للهيئة القومية لسلامة الغذاء "حكومية" مسؤولية سلبتها منها لسنوات، بإعادة سلطتها على تنظيم إجراءات استيراد وتصدير اللحوم ومنتجاتها بالبلاد، وينهي دور شركة "حلال" التي أنشأتها أجهزة سيادية مصرية عام 2019، ومنحتها الحكومة، حق احتكار إصدار شهادات الحلال حصريا وبيعها بمبالغ طائلة للشركات الموردة والمصدرة للحوم والمنتجات الغذائية التي تدخل في تصنيعها اللحوم والألبان.
صدر القرار عن مجلس الوزراء نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2024 في سرية تامة، قبل أيام من سجن مدير الشركة ذي الجذور المصرية وائل حنا الذي حكم عليه في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي لمدة ثماني سنوات في أميركا، بعد إدانته من محكمة جنوب مانهاتن بنيويورك، بتهم الفساد ورشوة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور بوب مينينديز.
وجهت المحكمة لحنا الذي يحمل الجنسية الأميركية، في يوليو/ تموز 2024، تهمة التحريض على إفشاء أسرار تهدد الأمن القومي ورشوة "مينينديز" الذي يقضي حاليا عقوبة السجن لمدة 11 عاما بالقضية ذاتها، مع تعهدها بملاحقة قيادات أمنية مصرية رفيعة، قدمت مئات الآلاف من الدولارات وسبائك ذهبية وسيارة مرسيدس حديثة الطراز للسيناتور الأميركي، عن طريق وائل حنا، بما أضر بالأمن القومي الأميركي.
تصفية الشركة نهائياً في القاهرة
رغم استقالة الرئيس التنفيذي للشركة وائل حنا، وتعيين الأميركية من أصل هندي، زينا زيبي، مديرة جديدة بفرع نيوجيرسي بالولايات المتحدة، أكدت مصادر مسؤولة من مصر، لـ"العربي الجديد" أن الأجهزة الأمنية اتخذت قرارا بتصفية الشركة نهائيا بالقاهرة على أن تبدأ إنهاء أعمال تسعة فروع أنشأتها حول العالم، تجنبا لملاحقة مسؤولين بأجهزة سيادية مصرية، من قبل السلطات الأميركية، متهمين بارتكاب وقائع فساد مالي ورشوة سيناتور أميركي، من حصيلة رسوم هائلة تحملتها الشركات بسبب رفع قيمة الرسوم على شهادات حلال "IS EG Halal" فاقت 20 ضعفا المقررة رسميا خلال الفترة من 2029-2024.
فرضت "حلال" رسوما تقدر بنحو 2000 دولار على كل حاوية استيراد اللحوم وزن 27 طنا يتحملها المستورد من الهند، ترتفع إلى 4000 دولار للقادمة من الأسواق الأميركية والأوروبية و5000 دولار على واردات الكبدة، بالإضافة إلى 200 دولار لصالح المجزر الذي تحدده "حلال" عن كل حاوية لحوم و250 دولارا للكبدة. تأتي مصر في المرتبة الخامسة عالميا بإجمالي واردات اللحوم والأغذية الحلال، بلغت 14.22 مليار دولار عام 2020.
تسريح 300 لواء وموظف
أنهت الشركة أعمال 300 لواء وموظف عملوا بمكتبها في القاهرة، حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وتوقفت أنشطتها على صفحات التواصل الاجتماعي، واختفت المعلومات المتعلقة بها عن مواقع الصحف المحلية التي كانت تتابعها بكثافة.
بدأ رئيس هيئة الرقابة على سلامة الغذاء بمصر طارق الهوبي، الترويج لأنشطة الهيئة، مؤكدا في بيانات رسمية بأجهزة الإعلام وعلى موقع الهيئة بوسائل التواصل الاجتماعي، أن "سلامة الغذاء" أصبحت الجهة الممثلة للدولة رسميا في إصدار شهادات الحلال للشركات العامة بالداخل والخارج التي ترغب في استيراد وتصدير وتصنيع اللحوم والمنتجات الغذائية.
رغم اختفائها محليا في صمت مريب، تواصل الصفحات الخاصة بشركة "حلال" من نيويورك الادعاء، بأنها جهة الإصدار الحصري لتلك الشهادات، بما يحدث ارتباكا لدى الشركات الدولية التي ترغب في استئناف تصدير اللحوم للسوق المصري.
ترفض الوزارات المعنية بالحكومة وهيئة سلامة الغذاء التطرق إلى قضية شركة "حلال" مكتفية ببثها يوميا عن أنباء تظهر أنشطتها في الرقابة على الأسواق والمصانع المحلية، ومنحها شهادات للمصانع والموردين للأغذية من الخارج تخطت الأسبوع الماضي، نحو 3519 تصريحا لـ 1669 شركة تعمل في مجال تصدير المنتجات للخارج.
تجاهل أسباب اختفاء "حلال"
يتجاهل المسؤولون الحكوميون في مصر أسباب اختفاء شركة "حلال" التي تساهم في ملكيتها رسميا وزارة الأوقاف والتجارة الخارجية والزراعة. وبعد صمت طويل، فتح قرار مجلس الوزراء المصري الجديد، المجال أمام هيئة الخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة لإعادة العمل بنظام منح شهادات "حلال" لأي شركة، وبدون حد أقصى، تكون مستوفية للشروط القانونية، ومر على إنشائها ثلاث سنوات.
وبدورها أعلنت الهيئة في بيان نشر بالجريدة الرسمية للدولة يوم 30 ديسمبر 2024، يسمح للشركات التي لديها القدرة على منح شهادات دولية لاستيراد اللحوم والأغذية المطابقة للشريعة الإسلامية IS EG Halal "الحلال"، بالمنافسة على تقديم تلك الخدمة، التي ظلت حكرا على شركة "حلال" للهيمنة على واردات وصادرات السلع الغذائية التي تحتوي على اللحوم والألبان ومنتجاتها، خلال الفترة من 2019- 2024.
يشترط رئيس الهيئة إيهاب صابر -في بيان صحافي- أن يكون للشركة خبرة ثلاثة أعوام في مجال إدارة برامج تقييم مطابقة الأغذية الحلال ومسجلة في سبع دول مختلفة، على أن يصدر قرار منح الشهادة للشركة، لمدة عام يجدد سنويا، بعد مراجعة نوعية الخدمات التي تقدمها للعملاء، وشهادات استيفاء المنشآت المتعاملة معها لاشتراطات الحلال.
إخطار الدول المصدرة للحوم
من جانبها، قالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن السفارات المصرية في الخارج تولت على مدار الأسابيع الماضية، إخطار الدول المصدرة للحوم والدواجن ومنتجات الألبان والأغذية المحتوية على مكوناتها، بإلغاء اللوائح الخاصة بمنح شركة "حلال" حصريا إصدار شهادة الحلال، وتطبيق لوائح جديدة اعتبارا من مطلع يناير 2025.
وجهت وزارعة الزراعة الهولندية منذ أيام، تعليمات للموردين بضرورة مراجعة الشركات للإجراءات الجديدة للتصدير إلى مصر، وتجاهل الاتفاقات المسبقة التي اتفقوا عليها مع رئيس شركة "حلال" وائل حنا.
اعتبر موردون وقف إسناد شهادات "حلال" لشركة احتكارية تابعة لأجهزة أمنية سيادية، بداية جيدة تفتح الباب أمام إزالة الصعوبات التي واجهت الشركات في عمليات الاستيراد للحوم والسلع الغذائية على مدار سنوات ورافقت وضعا اقتصاديا سيئا ونقصا في العملة، وقيود تحويل الأموال خارج البلاد، بسبب قيود النقد الأجنبي المشددة من البنك المركزي.
تفاؤل الموردين بإنهاء الاحتكار
يأمل الموردون والمصنعون أن يساهم القرار في إنهاء أزمة الألبان الجافة المستفحلة بالأسواق، وتراجع أسعار اللحوم والمواد الغذائية المحتوية على منتجات لحوم وألبان، والتي عانت من قيود في الواردات جراء سياسة الاحتكار التي أنتجتها شركة "حلال" المدعومة أمنيا على مدار سنوات.
في اتصال مع "العربي الجديد" أكد عضو غرفة الصناعات الغذائية محمد أبو رزيقة، أن قرار إلغاء احتكار إصدار شهادة "حلال" من قبل شركة واحدة، جاء بعد عناء الموردين والمصانع، من القيود التي شهدتها فترة الاحتكار، ليعيد السوق إلى حالته الطبيعة، بعد أن شهد حالة من الاضطراب الشديد، أدت إلى اختلال العرض وارتفاع الأسعار، وعدم قدرة الشركات على العمل في أجواء تنافسية.
تفاصيل حول التراخيص
على مدار خمس سنوات، ظلت وزارة الزراعة جهةَ الاعتماد لقرار هيئة الخدمات البيطرية، بمنح شركة "حلال" حق إصدار شهادات الذبح الحلال بالمجازر الأميركية حصريا ضمن ثمانية مراكز للذبح على الطريقة الإسلامية بكل من نيويورك والبرازيل وأوروغواي والهند ونيوزيلندا وأستراليا، امتدت إلى ألمانيا والصين، لتشمل كافة الواردات والصادرات، من السلع الغذائية ذات المكون الحيواني والدواجن والتي تحتوي على منتجات الألبان الطازجة والمجففة.
أمام ضغوط المراكز الإسلامية والموردين الذين أبدوا غضبهم من إسناد عمليات الذبح لشركة خاصة، وافق رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي في ديسمبر 2019، على الترخيص لوزارتي الأوقاف والزراعة والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، التابعة لوزارة الصناعة، بالمساهمة في تأسيس شركة لمنح شهادة "حلال" للشركات والمطاعم وكافة الجهات التي ترغب في وضع شعار "حلال" على منتجاتها.
وصف رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات اللواء إسماعيل جابر- في حينه- الأمر بوجود التباس بين شركتي "حلال" المحلية والتي أسستها المخابرات بالولايات المتحدة لتمارس نفس الدور المسند للأولى في نيويورك، مبينا أن الشركة المصرية هي التي ستكون مسؤولة عن إصدار شهادة الحلال، بينما جاءت تصريحات رئيس الحجر البيطري بوزارة الزراعة أحمد عبد الكريم، كاشفة عن حقيقة علاقة الطرفين.
وقال عبد الكريم في تصريحات صحافية إن "حلال" المصرية وفقا للتعليمات التنفيذية لمجلس الوزراء، هي مجرد مساهمة من الوزارات المعنية في شركة "حلال" الموجودة بالولايات المتحدة، والمسؤولة عن أية تعامل في شهادات الذبح بقارتي أميركا الشمالية والجنوبية.
وفق محللين، دفع الاحتكار إلى تراجع الواردات من منتجات اللحوم مع ارتفاع هائل بأسعار اللحوم من متوسط 90 جنيها للكيلو لتصل إلى 220 جنيها دفعة واحدة (الدولار = نحو 50.5 جنيهاً)، وتواصل صعودها على مدار أشهر وتصل إلى مستويات قياسية عام 2023، إلى نحو 380 جنيها مقتربة من سعر اللحم البلدي الذي يبدأ من 400 جنيه للكيلو إلى 500 جنيها للحم البلدي الطازج بالمحلات والمراكز التجارية.
بينت دراسة لمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي، التابع لوزارة الزراعة، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أن قطاع اللحوم واجه نقصا في الإنتاج المحلي مقابل زيادة في اللحوم المستوردة بين عامي 2019-2022، بنسبة 5%.
شركات سيئة السمعة
أكدت مصادر بهيئة سلامة الغذاء لـ"العربي الجديد" أن احتكار "حلال" لشهادات اللحوم الحلال، دفع عددا من الشركات سيئة السمعة، إلى استيراد اللحوم من الهند التي ظلت مجازرها تحت الحظر البيطري، لاحتواء لحومها على أمراض وبائية، مع جلب شحنات غير مطابقة للمواصفات الصحية، دون قدرة الجهات الرقابية على توقيفها، خشية الجهات الأمنية التي تتحصن بها.
ومع توسع الحكومة في منح الشركة الاحتكارية سلطة مهيمنة على الواردات والصادرات، ألزم مجلس الوزراء عام 2021، الشركات المصرية بشراء شهادات الحلال لجميع المنتجات الغذائية المستوردة بما فيها الألبان، الأمر الذي ارتباك حاد في المنافذ الجمركية والفحص البيطري، لتطبيق القرار على صناعات غذائية ظلت بعيدة عن تلك الإجراءات ومنها الأجبان والشيكولاتة واللحوم المعلبة، والأطعمة التي تحتوي على مكونات مستحلبات الألبان والمعجنات المحتوية على السمن والدهون.
عرقلت الإجراءات استيراد الألبان المجففة، فطاولت ألبان الأطفال التي شحت من الأسواق، ومستلزمات الإنتاج بمصانع الألبان والجبن المحلية، التي واجتها المصانع بزيادة متكررة بأسعار البيع للمستهلكين.
تشير مصادر بغرفة صناعة اللحوم لـ"العربي الجديد" إلى أن النظام الذي اعتمدته الحكومة لشركة "حلال" أطاح بثمانية مراكز كبرى تعمل داخل الولايات المتحدة، على تصدير اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية، الأمر الذي جعل وزارة الزراعة الأميركية، تتدخل لمطالبة الحكومة المصرية، بالتحرك الفوري لمواجهة احتكار "حلال" لسوق اللحوم، خشية على شركاتها المحلية، التي تراجعت مبيعاتها من اللحوم والكبدة للسوق المصرية بنحو 40%، وتعرضت لمعاملة سيئة احتكارية، تهدد المستثمرين المحليين.