استمع إلى الملخص
- نجاح ترامب في خططه قد يفتح الباب أمام تدخلات سياسية في قرارات البنوك المركزية عالميًا، مما يثير قلق البنوك الكبرى حول تأثير ذلك على استقرار الأسواق المالية.
- إقالة ترامب لعضو في الاحتياطي الفيدرالي تزيد من احتمالية معركة قضائية طويلة، مما يهدد بثقة الأسواق ويزيد من احتمالية اضطرابات اقتصادية عالمية.
الولايات المتحدة في مفترق طرق، والسبب معركة مجلس الاحتياطي الفيدرالي
(البنك المركزي الأميركي) التي تتفاعل بشدة يوماً بعد يوم، وإما أن يحترم الرئيس دونالد ترامب الأعراف المصرفية والاقتصادية المتعارف عليها منذ نشأة الولايات المتحدة، والتي تنص صراحة على "قدسية" واحترام استقلالية البنك الفيدرالي، وإما أن يهيل التراب على تلك الأعراف، ويجعل البنك المركزي مسخاً وأضحوكة في خدمة السياسة والبرامج الانتخابية والضغوط الشعبوية كما يحدث في دول العالم النامي.وبعدها لن يكون بمقدور الولايات المتحدة التأثير في قرارات البنوك المركزية العالمية الجوهرية، وسيتراجع دورها في قيادة القطاع المصرفي حول العالم، خاصة على مستوى اتجاهات أسعار الفائدة وأسواق الصرف، أو فرض الدولار عملة للاحتياطيات النقدية الأولى حول العالم.
وإذا نجح ترامب في خططه الجهنمية فإن تلك ستعد سابقة خطيرة في تاريخ البنوك المركزية، وتفتح الباب حتى أمام الدول المتقدمة لإقالة الساسة كبار مسؤولي تلك البنوك والتلاعب في قراراتها الفنية والاقتصادية، ربما يتساوى في ذلك البنك المركزي في اليابان وأوروبا وبريطانيا وكندا وسويسرا مع البنوك المركزية في الدول العربية والأفريقية ودول العالم الثالث.
المتابع للمعركة الحالية يلحظ أنه لا حديث داخل الأوسط الاقتصادية العالمية حالياً يعلو فوق تهديد ترامب استقلالية البنك الاحتياطي الفيدرالي، ومحاولته السيطرة على المؤسسة النقدية الأولى في العالم
والمتابع للمعركة الحالية يلحظ أنه لا حديث داخل الأوسط الاقتصادية العالمية حالياً يعلو فوق تهديد ترامب استقلالية البنك الاحتياطي الفيدرالي، ومحاولته السيطرة على المؤسسة النقدية الأولى في العالم، ويدرك أن البنوك المركزية الكبرى قلقة من هذا التطور الخطير، ومنزعجة بشدة من تدخلات ترامب الفجة في قرارات البنك الأبرز والأهم في العالم، ومحاولته تغيير تركيبة مجلس محافظيه، المسؤول عن إدارة السياسة النقدية وتحديد اتجاهات أسعار الفائدة ومواجهة أخطر الأزمات الاقتصادية، وهي التضخم المرتفع والمحافظة على أموال المودعين ودعم استقرار القطاع المصرفي.
زادت تلك المخاوف عقب إقالة ترامب بداية هذا الأسبوع ليزا كوك، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهي الخطوة الأولى من نوعها والنادرة الحدوث، حيث لم يسبق لرئيس أميركي أن أقال عضواً من مجلس محافظي البنك منذ تأسيسه عام 1913. كما لم يسبق لرئيس أميركي أن دخل في صدام عنيف، وبهذه الحدة مع إدارة البنك الفيدرالي العليا وتهديد أكبر مسؤول بها بالإقالة والعزل من منصبه بل وإحالة أعضاء المجلس للقضاء.
كما يزيد منسوب القلق وسط مخاوف من نشوب معركة قضائية طويلة الأمد بين الفيدرالي وترامب، خاصة أن كوك أعلنت أنها لن تستقيل من منصبها وستطعن على قرار ترامب، ومحاولة إدارة البيت الأبيض في المقابل تشويه صورة كبار مسؤولي البنك الفيدرالي، وهو ما يضعف ثقة الأسواق والمستثمرين في قراراته وقدراته على التصدي للتضخم.
منذ قدومه إلى البيت الأبيض في فترة رئاسته الأولى (2017–2021) ثم الفترة الحالية وترامب يتحرش بالبنك الفيدرالي، حيث يمارس ضغوطاً شديدة على محافظه، جيروم باول، ويضغط لإقالته من منصبه، ويحاول التدخل بشكل مباشر في إدارة السياسة النقدية، وتوجيهها بما يتفق مع توجهاته السياسية التي تركز على إجراء خفض شديد في أسعار الفائدة وتكلفة الأموال للمقترضين والمستثمرين لزيادة معدل النمو.
لو نجح ترامب في السيطرة على البنك الفيدرالي، فإنه بذلك يكون قد ارتكب جريمة كبرى وهي تقويض استقلالية البنك، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لمخاطر لا تقف عند اقتصاد الولايات المتحدة
ويحاول ترامب فرض نفوذه المباشر وسيطرته على السياسة النقدية، خصوصاً في ظل دعواته المتكررة لخفض أسعار الفائدة إلى الصفر قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. وإن نجح ترامب في السيطرة على البنك الفيدرالي، فإنه بذلك يكون قد ارتكب جريمة كبرى وهي تقويض استقلالية البنك المركزي للعالم، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لمخاطر شديدة لا تقف عند أسواق واقتصاد الولايات المتحدة، وإنما ستمتد لكل دول العالم، لأنه بذلك يثبت أن البلطجة السياسية تغلبت على القواعد المصرفية العريقة، وأن الارتباك وعدم الاستقرار سيكونان عنوان الفترة المقبلة.