الذهب في ذروته... الأسعار تجاوزت 3800 دولار وتوقعات بقفزات جديدة

24 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 08:21 (توقيت القدس)
اسعار الذهب مرشحة لمزيد من الصعود، 5 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا تاريخيًا إلى 3800 دولار للأونصة، مدفوعة بتراجع مؤشر الدولار وقرارات الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة، مما جعل الذهب ملاذًا آمنًا للمستثمرين في ظل التوترات الجيوسياسية والمخاطر الاقتصادية.

- العلاقة العكسية بين أسعار الذهب والفائدة الأميركية تبرز كعامل رئيسي في ارتفاع الذهب، حيث يؤدي خفض الفائدة إلى تراجع جاذبية الأصول ذات العائد الثابت، مما يعزز الطلب العالمي على الذهب.

- الذهب يظل ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين، ويعكس ارتفاعه المخاوف من الركود والتضخم، مع توقعات باستمرار صعوده رغم التحذيرات من تصحيحات سعرية محتملة.

عززت أسعار الذهب والفضة مكاسبها، مستفيدة من تصاعد التوترات والمخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوروبا، وترقب المستثمرين لخطاب رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" جيروم باول. ودخل الذهب مرحلة جديدة من الصعود التاريخي بعدما لامس 3800 دولار للأونصة خلال تعاملات أمس الثلاثاء، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق. وجاء صعود الذهب مدفوعا بمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية، أبرزها تراجع مؤشر الدولار الذي جعل المعدن الأصفر أرخص للمشترين من خارج الولايات المتحدة، وقرار مجلس الاحتياط الفيدرالي بخفض الفائدة ربعاً في المائة الأسبوع الماضي، مع تلميحات إلى مزيد من التخفيضات في الاجتماعات المقبلة. 

ووفق أداة "فيد ووتش" التابعة لمجموعة بورصة شيكاغو التجارية، يراهن المستثمرون بنسبة 90% على خفض جديد للفائدة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، و75% على خفض إضافي في ديسمبر/كانون الأول. وساهمت هذه التوقعات بشكل كبير في الإقبال الكثيف على الذهب باعتباره الأصل الأكثر أمانا في مواجهة التضخم وضعف العوائد على السندات. وقال المحلل لدى كابيتال دوت كوم، كايل رودا، بحسب رويترز: "أعتقد أن السبب الرئيسي في صعود الذهب هو توقعات السياسة النقدية، واحتمالات خفض أسعار الفائدة، ومخاطر ارتفاع التضخم". وذكر كبير محللي السوق في أواندا، كيلفن وونغ: "لا يزال الاتجاه خلال الأجل القريب صعوديا، ونتوقع تراجعا قصير الأجل لأسباب فنية". ومع استمرار تراجع مؤشر الدولار والاتجاه نحو تخفيضات جديدة للفائدة، يرى المتعاملون أن الذهب قد لا يتوقف عند هذا السقف، بل قد يدخل مرحلة جديدة من "حمى الشراء" تذكر بموجات تاريخية سابقة جعلت منه الملاذ الأول للشعوب والحكومات في أوقات القلق.

وكان المستثمر الأميركي الشهير ومؤسس شركة بريدج ووتر أسوشيتس، راي داليو، قد قال يوم الجمعة إن الذهب والعملات غير الورقية سيكتسبان أهمية أكبر بوصفهما مخزنا للقيمة مع تزايد مخاطر تدهور العملات الرئيسية نتيجة الضغوط العالمية الناجمة عن تفاقم الديون. كما دعا المستثمرين إلى تنويع محافظهم الاستثمارية بحيث يشكّل الذهب نحو 10% منها، محذراً من الإنفاق المفرط وتضخم الدين الحكومي في الولايات المتحدة أصبحا "غير مستدامين".

علاقة عكسية مع الفائدة

ومن المعروف أن أسعار الذهب تسير في مسار عكسي مع أسعار الفائدة الأميركية. فعندما تكون الفائدة مرتفعة، يتجه المستثمرون إلى الودائع والسندات والودائع المصرفية لأنها تمنحهم دخلا ثابتا ومضمونا، بينما لا يحقق الذهب أي عائد مباشر. لكن الصورة تنقلب تماما عندما يخفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة، إذ تتراجع جاذبية الأصول ذات العائد، ويصبح الذهب ملاذا مفضلا لأنه يحافظ على القيمة دون أن يتأثر بانخفاض العوائد. والأسبوع الماضي، أعلن البنك المركزي الأميركي عن خفض سعر الفائدة من 5.50% إلى 5.25%، وهو أول خفض منذ شهور، مشيرا إلى ضعف سوق العمل وحاجته إلى دعم إضافي. وكان هذا القرار كافيا ليشعل موجة شراء قوية دفعت المعدن الأصفر إلى 3759 دولارا للأونصة، وهو رقم لم يعرفه السوق من قبل.

ووفق بيوت استثمار عالمية فإن المستثمرين يرون أن هناك احتمالا قويا أن يخفض الفيدرالي الفائدة مرة أخرى في اجتماع أكتوبر لتصل إلى 5%، وخفض إضافي في ديسمبر إلى نحو 4.75%. وهذه النسب العالية تعكس ثقة المتعاملين في أن سياسة المال الرخيص ستستمر، ما يعني أن الذهب سيبقى في حالة صعود لأن تكلفة الاحتفاظ به أصبحت منخفضة نسبيا. وبالنسبة لصغار المستثمرين في الشرق الأوسط أو آسيا أو حتى أميركا اللاتينية، فإن هذه الأرقام تعني أن شراء الذهب اليوم قد يكون أفضل من الانتظار، لأنه من المرجح أن يستمر في تسجيل مستويات قياسية إذا واصلت الفائدة هبوطها.

دفعة إضافية للذهب

والقاعدة الذهبية الثانية في الأسواق تقول، أنه كلما ضعف الدولار، قوي الذهب، وذلك لأن الذهب يسعر عالميا بالدولار، فإذا تراجعت قيمة العملة الأميركية، يصبح شراء الذهب أرخص بالنسبة لحائزي العملات الأخرى مثل اليورو أو الين أو الجنيه الإسترليني. وهذا ما حدث تحديدا في سبتمبر/أيلول الجاري. فقد سجل مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة العملة أمام سلة من العملات الرئيسية، تراجعا ملحوظا خلال الأسابيع الأخيرة، مما فتح شهية المستثمرين على المعدن الأصفر، بحسب بلومبيرغ. وفي منتصف جلسة أمس الثلاثاء، ارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.2% ليصل إلى 3753.25 دولارا للأونصة، بعدما لامس ذروته التاريخية عند 3759.02 دولارا في وقت سابق من بداية الجلسة. وفي الوقت نفسه، صعدت العقود الأميركية الآجلة لشهر ديسمبر بنسبة 0.3% إلى 3787.40 دولارا، ما يعكس توقعات قوية بأن موجة الشراء لم تتوقف عند الحدود الفورية، بل امتدت إلى رهانات المستثمرين على استمرار الصعود في الأشهر المقبلة.

ويوضح هذا الارتباط المباشر بين ضعف الدولار وقوة الذهب لماذا يظل المعدن الأصفر ملاذا مفضلا في أوقات عدم اليقين. فالمستثمر الذي يمتلك اليورو أو الين يرى أن شراء الذهب في هذه اللحظة أقل تكلفة نسبيا، فيندفع نحو اقتنائه، وهو ما يرفع الطلب ويزيد السعر عالميا. ومع توقعات استمرار خفض الفائدة الأميركية، فإن الدولار مرشح لمزيد من الضعف، وبالتالي فإن الذهب قد لا يكون قد بلغ سقفه بعد. اللافت أن ارتفاع الأسعار الأخير لم يمنع الإقبال الشعبي، بل زاد من "حمى الشراء" في بعض الأسواق خوفا من استمرار الصعود. ويرى كثيرون أن شراء غرام أو اثنين اليوم، حتى بسعر مرتفع، أفضل من الانتظار ثم شرائه غدا بسعر أعلى. وهذه العقلية تعكس كيف أن الذهب، رغم صعوده، يبقى أصلا قريبا من الناس، بعكس الأسهم أو العملات الرقمية التي قد تبدو بعيدة عن فهم العامة.

وفي المقابل، يحذر بعض المحللين من أن الارتفاع المتواصل قد يدفع إلى تصحيح سعري مؤقت، خصوصا إذا جاءت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في خطابه المرتقب مختلفة عن التوقعات. ومع ذلك، فإن الاتجاه العام يبدو صعوديا، حيث يتفق معظم المستثمرين على أن الذهب يسير في مسار طويل الأجل نحو مزيد من المكاسب، مدعوما بضعف الدولار، والتضخم المستمر، وتزايد المخاطر الجيوسياسية.

بوصلة القلق العالمي

ويؤكد الأداء القياسي للذهب في سبتمبر/أيلول الجاري أن المعدن الأصفر لم يفقد مكانته التاريخية بوصفه ملاذا آمنا للمستثمرين والدول على حد سواء، فمنذ آلاف السنين والذهب هو المعيار الذي يقيس به العالم قوة الثروات وحجم الأزمات. واليوم، مع ارتفاعه إلى 3759 دولارا للأوقية، يعود الذهب ليقود المشهد الاقتصادي العالمي، كاشفا عن هشاشة العملات الورقية، وعن عمق المخاوف من الركود والتضخم وتداعيات الحروب التجارية والجيوسياسية.

وما يميز المرحلة الحالية أن الذهب لم يعد مجرد استثمار تقليدي، بل أصبح مؤشرا نفسيا وسياسيا في آن واحد. فكل ارتفاع جديد يعكس حالة عدم يقين عالمي، سواء في الأسواق المالية أو في توازن القوى بين الولايات المتحدة والصين وروسيا. وبالنسبة للمستهلكين، فإن صعود الذهب يعني ارتفاع أسعار الحلي والمجوهرات، بينما يشكل للمستثمرين ملاذا لحماية مدخراتهم، وللبنوك المركزية وسيلة لتأمين عملاتها أمام تقلبات الدولار. وبينما يستعد العالم لمزيد من التيسير النقدي الأميركي خلال الأشهر المقبلة، تبدو التوقعات متفائلة باستمرار الصعود، رغم التحذيرات من تصحيحات قصيرة الأجل، يظل الذهب بوصلة القلق العالمي، يحدد اتجاهاته وفقا لشدة الأزمات الاقتصادية والسياسية، ويكشف عن حقيقة واحدة، كلما اهتزت الثقة في النظام المالي العالمي، كلما ازداد بريق المعدن الأصفر.

المساهمون