المركزي الأميركي في خطر: ترامب يهدد استقلالية البنك الأكثر نفوذاً في العالم
استمع إلى الملخص
- قانونيًا، يحق للرئيس إقالة عضو لأسباب محددة، لكن قرار ترامب يواجه انتقادات لعدم وجود اتهامات رسمية ضد كوك، التي تعتزم الطعن في القرار قضائيًا.
- أثار القرار ردود فعل سلبية في الأسواق المالية، وحذرت كريستين لاغارد من تأثيره على الاستقرار، ويعتبر جزءًا من محاولات ترامب السابقة للتأثير على سياسات الفيدرالي.
يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي
(البنك المركزي الأميركي) خطراً حقيقياً، ويتجه إلى معركة قضائية شرسة. السبب أن الرئيس دونالد ترامب يهدد استقلالية أكثر المؤسسات النقدية تأثيراً في العالم بإقالة إحدى أعضائه.يلقب الفيدرالي الأميركي بأنه البنك الأكثر نفوذًا في العالم، وكذا يُعرف بـ"البنك المركزي للعالم"، و"حاكم الدولار". فالفيدرالي يدير الدولار الذي يشكل 60% من احتياطات البنوك المركزية من النقد الأجنبي، فيما معظم التجارة الدولية تحصل بالدولار. وقرارات الفائدة الأميركية تؤثر مباشرة بتوجهات البنوك المركزية في العالم، التي تخاف دوماً من رفع الفائدة الأميركية، ما يجذب الاستثمارات إلى أدوات دين الولايات المتحدة وأبرزها السندات بدلاً من سندات الدول الأخرى، والعكس صحيح.
والمركزي الأميركي يمكنه إنقاذ العالم بضخ السيولة الدولارية للمصارف المركزية الأخرى خلال الأزمات، وقراراته تنعكس مباشرة على السلع والأسواق وتكاليف الديون عالمياً. ورغم أهمية البنك الفيدرالي ومحورية استقلاليته، إلا أنه يتعرض لحملة شرسة من ترامب. لم تفلح حملة الأخير ضد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول التي اشتدت خلال الأسابيع الأخيرة. فهو يمارس عليه أقصى الضغوط، يطلق عليه النعوت ويلقبه بـ"الغبي" ويطالبه مراراً بخفض سعر الفائدة، لا بل يتهمه بتضخيم فواتير تجديد مقر مجلس الاحتياطي في واشنطن ويهدده بالقضاء، إلا أن كل ذلك لم يصل إلى النتيجة التي يتوخاها ترامب.
دخل ترامب من باب آخر، محاربة إحدى أعضاء البنك المكون من سبعة أعضاء، وهي أول امرأة سوداء تصل إلى هذا المنصب، ليزا كوك. أعلن ترامب الاثنين إقالة كوك من منصبها "فوراً"، قبل انتهاء ولايتها في العام 2038، وهذه المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي تحصل فيها خطوة كهذه من رئيس باتجاه البنك المركزي. حجة ترامب أن كوك زورت وثائق عقارية لتتملك منزلين عام 2021، أي قبل تسلّمها منصبها في المركزي الأميركي. فيما مبتغاه السيطرة على قرار المجلس المؤلف من سبعة أعضاء، حيث يوجد لديه ثلاثة أعضاء يناصرونه في المجلس، ومع استبدال كوك سيكون له الأغلبية.
سلطة ترامب على المركزي الأميركي
قانونياً، يحق لترامب إقالة عضوة في البنك المركزي، ولكن الأسباب ضيقة جداً، فهي قلة الكفاءة الوظيفية، والإهمال الوظيفي أو ارتكاب مخالفات خلال تولي منصب عضو الفيدرالي. وقد برر ترامب قراره بأنه "يجب أن يكون لدى الشعب الأميركي ثقة كاملة في نزاهة الأعضاء المكلفين وضع السياسات والإشراف على الاحتياطي الفيدرالي. في ضوء سلوكك المخادع، وربما الإجرامي، في مسألة مالية، فإنهم لا يستطيعون، وأنا لا أملك مثل هذه الثقة في نزاهتك".
كوك لم تدخل في النقاش أساساً، اكتفت بالإعلان أن ما يقوم به ترامب غير قانوني، وفق تعبير آبي لويل، محامي كوك، الذي أكد اللجوء إلى الإجراءات القانونية كافة لوقف قرار ترامب. وشرحت كوك في بيان أصدره محاميها أن "الرئيس ترامب زعم أنه طردني "بسبب وجيه"، في حين أنه لا يوجد سبب قانوني، وليس لديه صلاحية القيام بذلك". وأضافت: "لن أستقيل. سأواصل القيام بواجباتي لدعم الاقتصاد الأميركي كما أفعل منذ عام 2022".
وفق "بلومبيرغ" يحق لكوك، في طعنها على أمر عزلها، أن تطلب فورًا أمرًا قضائيًا يعيدها إلى منصبها ريثما تتقدم الإجراءات القضائية. إذ لم تُوجَّه أي اتهامات ضدها، مع أن مسؤولًا في وزارة العدل أشار الأسبوع الماضي إلى احتمالية التحقيق معها.
هذه المعركة النادرة لها انعكاسات واسعة على الولايات المتحدة، لا بل على العالم بأسره. فقد اهتزت أسواق الأسهم الأميركية وكذا الدولية بعد قرار ترامب عزل كوك، فيما تراجع الدولار والسندات الأميركية فوراً. لم تصل الأمور إلى مرحلة الذعر، إذ إن المتعاملين يعولون على الطعن في القرار من جهة بحيث لا يأخذونه على محل الجد، ومن جهة أخرى يترقبون خفض أسعار الفائدة في سبتمبر/ أيلول. لكن الخوف يبقى كامناً إلى حين صدور قرار المحكمة العليا حول قضية العزل.
استقلالية الفيدرالي
اعتبرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد منذ أيام أنه عندما يفقد البنك المركزي استقلاليته، أو عندما تتعرض استقلاليته للتهديد، فإن وظيفته تختلّ، ويبدأ بفعل أشياء ينبغي له ألا يفعلها. والخطوة التالية هي الارتباك وعدم الاستقرار، إن لم يكن أسوأ". ويشغل كل عضو منصبه لأربعة عشر عاماً من تاريخ انتهاء ولاية سلفه، ولا يمكن عزله إلا لسبب وجيه يحدده الرئيس.
وقال بيتر كونتي براون، وهو باحث في تاريخ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جامعة بنسلفانيا، إن تفسيره لقانون بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يمنح الرئيس سلطة إقالة عضو في البنك المركزي لسبب وجيه من المرجح أن يتعلق بسلوكهم في العمل، وليس بالأفعال التي سبقت ذلك. وأضاف: "خضع هؤلاء المسؤولون للتدقيق من قبل الرئيس ومجلس الشيوخ، ما يعني أن جميع ما فعلوه خلال فترة عملهم، وهم مواطنون عاديون، قد خضع للتدقيق بالفعل".
وتابع لـ"رويترز": "لذا، إن فكرة إمكانية الرجوع إلى الوراء والقول إن كل ما حدث سابقًا يُشكل مخالفات تستوجب الفصل من المنصب الرسمي، تتعارض في رأيي مع مفهوم العزل لأسباب وجيهة". ورأى آرون كلاين، الباحث في مؤسسة بروكينغز، في حديثه لـ"بلومبيرغ" أن "هذه ضربة قاضية لاستقلالية الاحتياطي الفيدرالي. ترامب يقول إن الاحتياطي الفيدرالي سيفعل ما يريده هو، بكل الوسائل المتاحة".
وترامب الذي يُمسك اليوم باقتصادات العالم كله من خلال حربه التجارية، يستهدف البنك المركزي الأميركي منذ فترة رئاسته الأولى (2017–2021). حينها أيضاً شنّ ترامب هجوماً كبيراً على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بسبب قرارات رفع أسعار الفائدة، ووصفه بأنه "مجنون" و"خارج عن السيطرة" بسبب الزيادات المتتالية التي لحقت بأسعار الفائدة، لا بل اعتبر في إحدى تصريحاته بأن باول أكثر خطراً على الاقتصاد الأميركي من الصين.
وطالب ترامب الفيدرالي بخفض الفائدة إلى "الصفر أو حتى أقل"، وهدّد ضمنيًا بإقالة باول. إلا أن تراجع أسعار الأسهم، وانخفاض الدولار، وارتفاع تكاليف الاقتراض بسبب تصريحاته حينها، دفعت ترامب في النهاية إلى التراجع عن تهديداته.