ترامب يختتم في الإمارات جولته الخليجية.. صفقات قياسية وانقسام أميركي بشأن تقنيات الذكاء الاصطناعي

16 مايو 2025
ترامب خلال اجتماع للتجارة والأعمال في أبوظبي، 16 مايو 2025 (براين سنايدر/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اختتم الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولته الخليجية بزيارات للسعودية، قطر، والإمارات، معلناً عن صفقات ضخمة تشمل شراء طائرات بوينغ بقيمة 200 مليار دولار وصفقة أسلحة مع السعودية، بالإضافة إلى اتفاقيات في مجال الذكاء الاصطناعي.
- تضمنت الجولة اتفاقيات لشراء أشباه الموصلات المتطورة، مع قلق من وصول التقنيات إلى الصين رغم وجود بنود تمنع ذلك، ووعود باستثمارات ضخمة في قطاع الطاقة بقيمة 440 مليار دولار حتى عام 2035.
- شملت الجولة محادثات لتعزيز التعاون التكنولوجي والاقتصادي، وسط جدل داخلي حول إرسال رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الخليج، مع التركيز على بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.

يختتم الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولته الخليجية، اليوم الجمعة، في الإمارات، بعد محطّتَي السعودية وقطر إذ أعلن عن صفقات بمليارات الدولارات، إضافة إلى انفتاح دبلوماسي تجاه سورية، وتفاؤل بشأن اتفاق نووي مع إيران. وشهدت أول جولة خارجية لترامب في ولايته الثانية طلباً "قياسياً" لشراء طائرات بوينغ بقيمة تزيد عن 200 مليار دولار، إضافة إلى صفقة أسلحة ضخمة مع السعودية، ورفع العقوبات التي فرضت لعقود على سورية. وأكّد البيت الأبيض أنّ الرئيس ترامب حصل على صفقات بقيمة 200 مليار دولار خلال زيارته لدولة الإمارات، بما في ذلك اتفاقيات تتعلق بـالذكاء الاصطناعي، ما يعزز الطموحات التكنولوجية للدولة الخليجية.

وقال ترامب خلال اجتماع للتجارة والأعمال، في أبوظبي، اليوم الجمعة، إنّ أبوظبي وواشنطن اتفقتا أمس على فتح مسار يسمح للإمارات بشراء بعض أشباه الموصلات الأكثر تطوراً في مجال الذكاء الاصطناعي من الشركات الأميركية، وتوصل فريق ترامب إلى اتفاقيات تتيح للسعودية الحصول على عشرات الآلاف من أشباه الموصلات من شركتَي إنفيديا و"إيه إم دي"، بينما قد تتجاوز الشحنات إلى الإمارات مليون وحدة من مسرعات الذكاء الاصطناعي، معظمها مخصّصة لمشاريع تابعة لشركات أميركية أو مملوكة لها. وهذه الرقائق تستخدم في تطوير وتدريب النماذج التي تحاكي الذكاء البشري، وتعتبر من أكثر التقنيات المطلوبة في عصر الذكاء الاصطناعي.

وأعرب بعض كبار المسؤولين في إدارة ترامب عن رغبتهم في إبطاء هذه صفقات الذكاء الاصطناعي مع دول الخليج، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة لم تفرض ضوابط كافية لمنع وصول الرقائق الأميركية المرسلة في نهاية المطاف إلى الصين، التي تربطها علاقات وثيقة بالمنطقة، وفقاً لما نقلته وكالة بلومبيرغ. وعلى الرغم من أن الاتفاقيات مع الإمارات والسعودية تشمل بنوداً تمنع الشركات الصينية من الوصول إلى هذه الرقائق، يرى هؤلاء المسؤولون أن التفاصيل لا تزال غير واضحة، وأنه لا ينبغي الإعلان عن الصفقات دون وجود ضمانات قانونية ملزمة. وكانت تقنيات الذكاء الاصطناعي محوراً رئيسياً للعديد من الاتفاقيات التي تفاوض عليها ترامب في المنطقة، إذ تسعى دول الخليج إلى الوصول على نحوٍ أكبر إلى أحدث التقنيات والرقائق المتطورة بهدف أن تصبح مراكز للتكنولوجيا الناشئة وتنويع اقتصاداتها.

صفقات الطاقة

وأعلن رئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، سلطان الجابر، استراتيجية بلاده الغنية بالنفط خلال عرض قدمه أمام ترامب وهو في المحطة الأخيرة من جولته بالمنطقة والتي حصل خلالها على التزامات مالية ضخمة من الإمارات والسعودية وقطر. وأكد الجابر لترامب أن الإمارات سترفع القيمة المؤسسية لاستثماراتها في قطاع الطاقة الأميركي إلى 440 مليار دولار بحلول عام 2035 من 70 مليار دولار حاليا، مضيفا أن شركات الطاقة الأميركية ستستثمر أيضا في الإمارات. وقال الجابر أمام لوحة تعرض مشروعات في الإمارات تحت شعار شركات إكسون موبيل وأوكسي وإي.أو.جي ريسورسز الأمريكية "تعهد شركاؤنا باستثمارات جديدة قيمتها 60 مليار دولار في قطاعي النفط والغاز وبخلق فرص جديدة وغير تقليدية".

وقال الجابر إن شركة إكس.آر.جي، ذراع شركة أدنوك للاستثمار الدولي والتي يرأسها، تهدف إلى استقطاب استثمارات كبيرة في قطاع الغاز الطبيعي الأمريكي. ونقلت أدنوك حصصها في منشأة ريو جراندي لتصدير الغاز الطبيعي المسال التابعة لشركة نيكست ديكيد وفي مصنع هيدروجين من المقرر أن تنشئه شركة إكسون موبيل، وكلاهما في تكساس، إلى شركة إكس.آر.جي، التي تأسست العام الماضي. وتقول أدنوك إن إكس.آر.جي تمتلك أصولا بقيمة 80 مليار دولار. ولديها تفويض بالسعي إلى صفقات عالمية في مجالات الكيماويات والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة. ووقعت شركة مبادلة للطاقة، وهي إحدى أذرع ثاني أكبر صندوق ثروة سيادي في أبوظبي، الشهر الماضي اتفاقية مع شركة كيميريدج الأميركية ستحصل بموجبها على حصص في أصول غاز أمريكية.

والتزمت الإمارات بالفعل في مارس/ آذار، حين التقى مسؤولون إماراتيون بترامب، بإطار استثمار في الولايات المتحدة مدته 10 سنوات بقيمة 1.4 تريليون دولار لتوطيد العلاقات الثنائية. وذكر البيت الأبيض في بيان، مساء الخميس، أن هذا الإطار "سيزيد بشكل كبير من استثمارات الإمارات في الاقتصاد الأمريكي" في مجالات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والطاقة والتصنيع. وقال: "نحقق تقدما كبيرا فيما يتعلق بمبلغ 1.4 تريليون دولار الذي أعلنت الإمارات أنها تنوي إنفاقه في الولايات المتحدة". وأضاف الرئيس الأميركي متحدثا من أبوظبي: "اتفق البلدان أمس أيضا على إنشاء مسار لدولة الإمارات لشراء بعض أشباه الموصلات الأكثر تقدما في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم من الشركات الأميركية، إنه عقد كبير جدا"، لافتا إلى أن هذا العقد سيدر المليارات والمليارات من الدولارات من الأعمال، وسيعمل على تسريع خطط الإمارات لتصبح لاعبا رئيسيا حقا في مجال الذكاء الاصطناعي.

وقال ترامب لمسؤولين إماراتيين اليوم الجمعة أعلم "أن النفط والغاز وكل شيء رائع، لكنكم ستحصلون على ما هو كبير بنفس القدر وربما حتى أكبر، وستتفوقون في ذلك خلال مرحلة ما بالذكاء الاصطناعي وأعمال أخرى، وبالتالي أحييكم على ما قمتم به من عمل". وتسعى الإمارات إلى الريادة في مجال التكنولوجيا، لا سيّما الذكاء الاصطناعي، لتنويع مداخيل اقتصادها المعتمد أساساً على النفط، لكن هذه الطموحات تتوقف على الوصول إلى التقنيات الأميركية المتقدمة، بما فيها رقائق الذكاء الاصطناعي التي كانت تخضع لقيود تصدير صارمة والتي أفادت تقارير بأن شقيق رئيس الإمارات مستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد ضغط من أجلها خلال زيارة لواشنطن في مارس/ آذار. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ألغت إدارة ترامب عدداً من القيود الجديدة التي أقرّها سلفه جو بايدن وكان يفترض أن تضاف اعتباراً من 15 مايو/ أيار إلى تصدير أشباه الموصلات المستخدمة في تطوير الذكاء الاصطناعي، التي تضرّرت منها الصين بالدرجة الأولى.

وكانت الحفاوة عنوان استقبال الرئيس الأميركي في الدول الثلاث التي أشاد ترامب بزعمائها، وقال إنه وولي العهد السعودي محمد بن سلمان يكنّان "الكثير من الودّ" أحدهما للآخر، مبدّداً العلاقات الفاترة بين البلدَين التي طبعت بداية ولاية بايدن. وأجرى الرئيس الأميركي، أمس الخميس، محادثات مع نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عقب جولة في جامع الشيخ زايد، الأكبر في البلاد الذي اكتسب شهرة واسعة بأعمدته البيضاء العملاقة وجدرانه المزينة بزخارف الذهبية. 

تريليونات الدولارات خلال جولة ترامب

خلال محطّته في الدوحة، أشاد ترامب بما وصفها "صفقة قياسية" للخطوط الجوية القطرية بقيمة 200 مليار دولار لشراء طائرات بوينغ، كما لمّح من قطر إلى قرب التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو ما سيجنّب العمل العسكري، في إعلان تسبب في انخفاض أسعار النفط، لكنّه لم يُعلن تقدماً في ملف حرب غزة خلال زيارة قطر التي أدت دور وساطة رئيسياً في محادثات الهدنة، وكرّر ترامب في كلمة له في الدوحة أن على الولايات المتحدة "أخذ" قطاع غزة وتحويله إلى "منطقة حرية".

وتخلّلت المحطةَ السعودية وعودٌ قدّمتها الرياض باستثمارات بقيمة 600 مليار دولار، ضمنها صفقة أسلحة قال البيت الأبيض إنها "الأكبر في التاريخ"، كما أعلن البيت الأبيض أن شركة "داتا فولت" السعودية ستستثمر 20 مليار دولار في مواقع مرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وأن شركات تكنولوجيا، بما فيها "غوغل"، ستستثمر في كلا البلدين. وفي أول اجتماع من نوعه منذ 25 عاماً، التقى ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، وأعلن رفع العقوبات عن الدولة التي دمّرتها الحرب، لكنّه في المقابل طالب الشرع بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال الرئيس الأميركي إن جولته الخليجية مكّنت من حصد "تريليونات الدولارات"، لكن سخاء قادة الخليج أثار جدلاً أيضاً، بعد عرض قطر طائرة فاخرة على ترامب قبل زيارته، في ما وصفه معارضو ترامب الديمقراطيون بالفساد الصارخ.

انقسام داخل الإدارة الأميركية

وبعيداً عن المخاوف الأمنية، يشكّك بعض كبار مسؤولي إدارة ترامب في حكمة إرسال كميات كبيرة من رقائق الذكاء الاصطناعي إلى أي دولة خارج الولايات المتحدة، خاصة في ظل تركيز الإدارة على الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، بحسب "بلومبيرغ". وصرح نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، خلال قمة للذكاء الاصطناعي في باريس، في فبراير/ شباط: "ستضمن إدارة ترامب أن يجري بناء أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة باستخدام الرقائق المصممة والمصنعة في أميركا"، وحتى لونُفِّذت جميع الصفقات المعلنة والمخطط لها في المنطقة، ستظل الولايات المتحدة تحتفظ بالغالبية العظمى من قوّة الحوسبة العالمية، لكن دول الخليج ستتمتع للمرة الأولى بقدرات كبيرة مدعومة بأفضل الأجهزة الأميركية.

وتصاعدت النقاشات داخل الإدارة الأميركية، إذ ناقش العديد من كبار المسؤولين استراتيجيات لإبطاء تنفيذ اتفاقيات الذكاء الاصطناعي في الخليج. ويشمل ذلك اتفاقاً ثنائياً بين الولايات المتحدة والإمارات قد يتضمن مشروعاً ضخماً لشركة "أوين إيه آي"، الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والمطورة لنموذج تشات جي بي تي. ولم يقدم البيت الأبيض تعليقاً رسمياً على هذه التقارير، التي تستند إلى مقابلات مع ما يقرب من 12 شخصاً تحدثوا لـ"بلومبيرغ" عن المناقشات الداخلية بشرط عدم الكشف عن هويتهم. 

ويجادل المدافعون عن الصفقات، بمن فيهم كبير مستشاري البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية ديفيد ساكس، بأنّ الولايات المتحدة يجب أن تشجع العالم على استخدام الرقائق الأميركية، وإلّا ستتجه الدول التي تطمح في مجال الذكاء الاصطناعي نحو بدائل صينية. وقال ساكس: "نحن بحاجة إلى أصدقائنا، مثل المملكة العربية السعودية وشركائنا الاستراتيجيين، لبناء تقنياتهم على أساس تقنياتنا"، وأضاف: "إمكانية وصول هذه التقنية إلى الصين ليست قضية مع صديق مثل السعودية"، وفي ظل الجدل المستمر حول الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، يبقى السؤال حول كيفية تحقيق التوازن بين تعزيز التعاون التكنولوجي وحماية المصالح الأمنية الأميركية.

(رويترز، فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون