تقرير الشفافية الدولي: غياب الرقابة الشعبية يرفع معدلات الفساد في مصر

11 فبراير 2025
تتولى الجهات السيادية عمليات الشراء بعيداً عن الرقابة، القاهرة، 12 مايو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تراجع مؤشر الفساد في مصر: تراجعت مصر إلى المرتبة 130 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد لعام 2024، حيث حصلت على 30 درجة من 100، وهو أدنى مستوى خلال 12 عامًا، بسبب غياب قوانين حماية الشهود وتعطيل اللجان الوطنية.

- أسباب تصاعد الفساد: يعود تصاعد الفساد إلى السيطرة السياسية المطلقة وغياب التشريعات اللازمة، مثل قانون حماية المبلغين، وتعطيل اللجان الوطنية وغياب الرقابة الشعبية.

- الفساد في المؤسسات: القطاع المالي والمصرفي هو الأكثر فسادًا بنسبة 37.3٪، يليه الفساد الإداري في وزارة التنمية المحلية بنسبة 26.9٪، مع توصيات بتعزيز الرقابة وتوعية المواطنين.

سجل مؤشر الفساد التي تصدره منظمة الشفافية الدولية التابعة للأمم المتحدة تراجعاً في قدرة الحكومة على محاربة الفساد، مؤكداً هبوط مصر إلى مستوى قياسي للفساد، عند المرتبة 130 من أصل 180 دولة، بمعدل تغيير 5 مراكز المسجلة العام الماضي 2023. ويُظهر منحى المؤشر المسجل لعام 2024 حصول مصر على 30 درجة من 100 درجة في تقييم الأداء لمكافحة الفساد في المؤسسات العامة، لتصل إلى المستوى الأدنى المحقق على مدار 12 عاماُ، حيث انحسرت مرتبة مصر في المرتبة 32 بعامي 2012 و2013، لتصعد إلى المرتبة 37 عام 2014، لتتجه إلى مرحلة التذبذب نحو الهبوط، للمرتبة 36 ثم 34 و32 و35 و33 و30 على التوالي لتستقر عام 2023 عند المرتبة 35، لتعاود السقوط في اتجاه القاع عند المرتبة 30 عام 2024.

يكشف المؤشر تصاعد معدلات الفساد خلال العقد الماضي، بزيادة نحو 20 مركزاً عن متوسط المعدلات التي سادت خلال الفترة بين عامي 2000 إلى 2011. وأكد برلمانيون وخبراء مكافحة الفساد أن تراجع مكافحة الفساد في مصر تعود إلى غياب قوانين حماية الشهود والمبلغين عن الفساد، مع تعطيل مجلس الوزراء لأعمال اللجان الوطنية لمكافحة الفساد، واستبعاد الرقابة المجتمع المدني والرقابة الشعبية من عضوية لجان مكافحة الفساد بالمحليات. 

كما يظهر التقرير أن الفساد في مصر ومنطقة الشرق الأوسط يعد من أعلى المعدلات في أنحاء العالم، حيث جاء متوسط الدول عند النقطة 39 من بين أصل 100 نقطة، يحدّدها مؤشر المنظمة الدولية لتقييم أداء مكافحة الفساد في القطاع العام. ويؤكد أن زيادة معدلات الفساد بالمنطقة ترجع إلى السيطرة شبه المطلقة لقادتها السياسيين، الذين يستفيدون من الثروة التي يوجهونها نحو أنفسهم مع قمع أي معارضة للحفاظ على سلطتهم، مما يسمح للصراع بالاحتدام عبر عدد من الدول. 

قبضة قوية على النظام الاقتصادي 

ويشير التقرير إلى أن "الحكومات الاستبدادية الراسخة تتمتع بقضية قوية على أنظمتها الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها، بينما يمارسون الفساد سراً ويفتحون فرصاً للفساد في جميع أنحاء الحياة العامة، من الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية، إلى عدم الشفافية في المشتريات"، مشيراً إلى مصر كنموذج في حصولها على 30 نقطة في مؤشر أسعار المستهلكين.

وتتولّى الجهات السيادية في مصر شراء القمح والمواد البترولية والسلع الأساسية، عبر صفقات تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، تجري بعيداً عن أعين الجهات الرقابية والشعبية، وبالإسناد المباشر للمناقصات الدولية والمحلية. وأشار التقرير إلى استهداف الحكومات لأصوات النخبة المعارضة من الصحافيين والنشطاء السياسيين، ومنظمات المجتمع المدني، لإسكات مطالب المساءلة، مع وجود الكثير لتخسره من تدابير المساءلة ومشاركة المواطنين في الرقابة على المال العام، مؤكداً أنه إذا سمح للنخب الفاسدة بالحفاظ على سلطتها المطلقة، فستظل المنطقة عالقة في مستنقع الفساد، لا سيما أنه ليس لدى النخب أي حافز للعلاج، وأن العديد منها يستفيد بشكل مباشر من الأزمات المتعلقة بالتحول المناخي والمساواة بين الجنسين، وحماية الفئات الضعيفة.  

ودعا خبراء منظمة الشفافية الدولية، في تقريرهم السنوي، الشعوب إلى "ضرورة تخطّي حقب الاستبداد التي تمرّ بها المنطقة، وتطوير أنظمة النزاهة الوطنية، وإقرار مبدأ الفصل بين السلطات، بما يمكن المواطنين من محاسبة المسؤولين عبر مشاركة المجتمع المدني والجمهور بجدية في استئصال الفساد وإقرار حكم رشيد يعالج القضايا الحاسمة للشعوب". وأكد التقرير "حيلولة السلطات دون تقدم دولها في القضايا العالمية، المتعلقة بمكافحة تغيير المناخ أو النهوض بالمساواة بين الجنسين، وعدم الاهتمام بالتقدم التكنولوجي الذي يجلب أكبر قدراً من الشفافية في إدارة الأموال العامة".

ووفقاً للتقرير، فقد احتلّت الدنمارك المرتبة الأولى بقائمة الدول مكافحة للفساد بمعدل 90 نقطة، تليها فنلندا وسنغافورة ونيوزيلاند ولكسمبورغ والنرويج وسويسرا والسويد وهولندا وأستراليا وأيسلاند، بينما جاءت ليبيا واليمن وسورية وفنزويلا والصومال وجنوب السودان في قاع مؤشر الفساد الذي يضم 180 دولة.

عربياً، بيّن التقرير اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بالاستثمار في "الحوكمة الإلكترونية" والتوجه نحو الشفافية والحد من الفساد، عن طريق إزالة الوسطاء والبيروقراطيين، لتقليل الممارسة الفاسدة، في إنفاق ميزانية الأموال العامة، ومنح المواطنين فرصة الوصول لمزيد من البيانات من خلال الرقمنة، بما يمكنهم من تحديد الفساد بسهولة أكبر، وبما جعلهم يخرجون من مستنقع الفساد في الشرق الأوسط إلى مراتب أعلى.

وصعدت الإمارات إلى المرتبة 23، تليها قطر والسعودية في المرتبة 38 بنحو 59 نقطة من مائة، تليهما عُمان والبحرين والكويت، آملة أن تتجه سورية ما بعد الأسد إلى "نظام ديمقراطي حقيقي شامل وشفاف". 

خريطة الفساد في المؤسسات المصرية

في سياق متصل، كشفت مؤسسة شركاء من أجل الشفافية المصرية، في تقريرها الصادر عن "أحوال الفساد لشهر يناير 2025"، تصدر القطاع المالي والمصرفي قائمة القطاعات الأكثر فساداً بين القطاعات الحكومية والعامة، بنسبة 37.3٪، يليه الفساد الإداري بالجهات التابعة لوزارة التنمية المحلية، بالمدن والقرى بنسبة 26.9٪، فقطاع التموين المختص بتوزيع السلع الأساسية على المواطنين، بنظام الدعم السلعي، بنسبة 16.4٪ ويليه قطاعا التعليم 13.4٪ والصحة 5.9٪. وسجل خبراء المركز وقوع أعلى معدلات الفساد في الإدارة المحلية بالقاهرة العاصمة، بنسبة 43.3٪، تليها محافظات الجيزة والقليوبية والشرقية، منوها إلى تنفيذ الجهات الراقية حملات مكثفة على الكيانات التعليمية الوهمية، ومكافحة غسيل الأموال وتقديم المتهمين في قضايا الاختلاس والتهرب الضريبي والإهمال الطبي إلى الجهات القضائية. 

أشار مدير حدة الأبحاث بالمركز أحمد عيسي إلى دعوة المركز الحكومة إلى إحكام الرقابة على المؤسسات التعليمية غير المرخصة، وتعزيز آليات التفتيش على الأسواق، مع تكثيف حملات توعية المواطنين بمخاطر الفساد وأثاره السلبية على المجتمع، مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن تبييض الأموال. 

أسباب زيادة معدلات الفساد في مصر

من جانبه، أرجع عضو مجلس النواب السابق عبد الحميد كمال زيادة معدلات الفساد في الأجهزة الحكومية والقطاع العام إلى عدم التزام الحكومة بوضع استراتيجية وطنية دائمة لمحاربة الفساد، وغياب التشريعات القانونية اللازمة لمواجهته، مشيراً إلى تعطيل إصدار قانون "حماية المبلغين والشهود" على مدار السنوات الماضية، والذي يستهدف حماية الشهود والمبلغين عن وقائع فساد داخل الأروقة الرسمية والمتعلقة بالمال العام، الأمر الذي يعرض كل من يساهم في مواجهة "مافيا" الفساد إلى فقد وظيفته أو الاضطهاد من قبل مرؤوسيه الذين يرتكبون تلك الجرائم، بدون رادع.

وأوضح الخبير في شؤون الإدارة المحلية أن الحكومة أعلنت عدة مرات عن استراتيجية وطنية للفساد، جرى تبديلها منذ عام 2014، وحددت مواعيد ثابتة لانعقاد لجنة الشفافية برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تختص بمراقبة الفساد ومراجعة التقارير التي تصدرها دورياً منظمة الشفافية الدولية والهيئات التابعة للأمم المتحدة، للاستفادة من تلك التقارير في ملاحقة الفساد وتطوير أدوات مكافحته.

وأكد أن أعمال اللجنة معطلة، بينما وضعت اختصاصات مكافحة الفساد في يد لجان بالمحافظات، تتبع وزيرة التنمية المحلية، يشارك فيها مسؤولون يفترض وضعهم تحت رقابة أجهزة مكافحة، بحيث أصبح مطلوباً من الشخص المحتمل أن يرتكب تلك الجرائم أن يكون رقيباً على نفسه. وأوضح كمال أن غياب استراتيجية مكافحة الفساد جعلت كل جهة رقابية تعمل في جزر منعزلة، بينما يتعاظم الفساد في المؤسسات العامة وتُهدر أموال الشعب التي تُجمع في الصناديق الخاصة بالوزارات والمحافظات، لتنفق بدون رقابة على كبار الموظفين والأجهزة الأمنية والإدارية، بلا ضوابط. وأكّد أن غياب الرقابة الشعبية وعدم دخول ممثلي المجتمع المدني ضمن تشكيلات اللجان الرقابية لمكافحة الفساد، يبقي على مافيا الفساد، ويدفع معدلاته إلى أعلى، بما يحول دون نمو الاقتصاد الوطني، ولا يشعر المواطنون بنتائج التنمية والمشروعات المختلفة التي تقام بالدولة.  

المساهمون