استمع إلى الملخص
- أنفقت الولايات المتحدة 22.76 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل والعمليات في المنطقة، مع توقع زيادة هذه الأرقام، مما يضيف أعباء اقتصادية على المستهلكين الأمريكيين.
- تشمل الاتفاقيات المستقبلية بيع أسلحة بقيمة 20.3 مليار دولار لإسرائيل، مع التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، واستخدام أساليب لتجنب الكشف الكامل عن حجم المساعدات.
تستمرّ الولايات المتَّحدة في إغداق المساعدات المالية والعسكرية على حليفتها إسرائيل التي بات واضحاً للقاصي والداني أنّها تخوض حرباً بالوكالة عنها في الشرق الأوسط لإعادة ترتيبه وفقاً لما تقتضيه المصالح الأميركية. ومع تدفق تلك المساعدات التي من المتوقع زيادتها عقب اتفاق وقف الحرب في لبنان، أصبحت عيون الأميركيين مصوَّبة نحو بذخ البيت الأبيض تجاه إسرائيل في الوقت الذي يبحث فيه المتضرِّرون من إعصاري "ميلتون" و"هيلين" عمّن يعوِّضهم عن الخسائر الفادحة التي مُنُوا بها في الفترة الأخيرة.
أرقام المساعدات الأميركية للكيان ضخمة، فحسب تقرير حديث صادر عن مشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون الأميركية فإن الولايات المتحدة أنفقت 17.9 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل خلال عام واحد منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى. وبحسب التقرير الذي نشره موقع "تايمز أوف إسرائيل" مؤخراً فإن إسرائيل، أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية في التاريخ، حصلت على 251.2 مليار دولار من الدولارات المعدلة بحسب التضخم منذ عام 1959.
وكعادته كان معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون الأميركية The Watson Institute for International & Public Affairs سبَّاقاً في إصدار تقرير بعنوان "إنفاق الولايات المتّحدة على العمليات العسكرية الإسرائيلية والعمليات الأميركية ذات الصلة في المنطقة خلال الفترة: 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023 - 30 سبتمبر/ أيلول 2024" (United States Spending on Israel’s Military Operations and Related U.S. Operations in the Region, October 7, 2023–September 30, 2024) لتوعية الجمهور الأميركي والصحافيين وأعضاء الكونغرس وتمكينهم من الحصول على فهم دقيق، وشامل، ومعمَّق بشأن حجم المعدَّات العسكرية والمساعدات المالية التي قدَّمتها الحكومة الأميركية للجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب.
في الواقع، كشف هذا التقرير الذي خرج للعلن في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي أنّ الولايات المتّحدة قد أنفقت في عامٍ واحد فقط ما لا يقلّ عن 22.76 مليار دولار على كلّ من المساعدات العسكرية لإسرائيل والعمليات الأميركية ذات الصلة في المنطقة.
ليس ذلك فحسب، بل شدَّد التقرير على أنّ المبلغ الإجمالي للمساعدات يفوق ذلك بكثير نظراً إلى عدم احتساب الالتزامات بالإنفاق المستقبلي التي تمَّ التعهُّد بها هذا العام، وزيادة المساعدات الأمنية الأميركية لمصر ودول أخرى، والتكاليف التي تتحمَّلها صناعة الشحن البحري والشريحة الواسعة من المستهلكين الأميركيين.
بشكل أكثر تفصيلاً، وافقت الحكومة الأميركية على ما لا يقلّ عن 17.9 مليار دولار بصفة مساعدات أمنية وعسكرية لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، وهذا أمر غير مسبوق منذ أن بدأت الولايات المتّحدة بمنح المساعدات العسكرية، على وجه التحديد، لإسرائيل في عام 1959.
فقد أبرمت إدارة بايدن ما لا يقلّ عن 100 صفقة أسلحة مع إسرائيل، كما وصلت تكلفة العمليات الدفاعية والهجومية، التي تقوم بها الولايات المتّحدة في اليمن ومنطقة البحر الأحمر ردّاً على هجمات الحوثيين المرتبطة بحرب الإبادة الجماعية في غزة، إلى 4.86 مليارات دولار، ولا تزال الفاتورة البالغة مبدئياً 22.76 مليار دولار مفتوحة للزيادة بكل أبعادها. جدير بالذكر أنّ الصراع مع الحوثيين قد كبَّد وحده التجارة البحرية خسارة تصل إلى 2.1 مليار دولار نتيجة اضطرار شركات الشحن إلى إعادة توجيه السفن حول طريق رأس الرجاء الصالح ودفع رسوم تأمين باهظة، الأمر الذي يُلقي بدوره عبئاً إضافياً على المستهلكين الأميركيين المجبرين على تحمُّل الارتفاع في الأسعار الناتج عن ذلك.
علاوة على ذلك، أعلن البيت الأبيض في 13 أغسطس/ آب 2024 عن اتِّفاقيات بيع أسلحة إضافية للكيان الصهيوني بقيمة 20.3 مليار دولار ستدخل حيِّز التنفيذ في السنوات المقبلة بعد الحصول على موافقة الكونغرس الأميركي، وتندرج تلك الاتِّفاقيات ضمن برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية الذي يتضمَّن صفقات وافقت عليها وزارة الخارجية وتوسَّطت فيها ونفَّذتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
من المتوقَّع أن تتسلَّم إسرائيل بموجب تلك الاتِّفاقيات 50 طائرة مقاتلة من طراز بوينغ F-15 بتكلفة 18.8 مليار دولار في حال لم يتمّ التصويت بما يكفي لمنع الصفقة في الكونغرس بمجلسيه النوّاب والشيوخ. جدير بالذكر هنا أنّ السيناتور الأميركي والعضو المستقلّ في مجلس الشيوخ الأميركي "بيرني ساندرز" قد تقدَّم مع عدد من زملائه بمشروع قرارٍ لمنع إتمام تلك الاتِّفاقيات الرامية إلى إطالة أمد الحرب وقبل أيام دعا أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأميركي إدارة الرئيس جو بايدن إلى وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة، متّهمين واشنطن بأنها "متواطئة" في "فظائع" الحرب في غزة.
تُعد الولايات المتّحدة أكبر مورِّد للأسلحة لإسرائيل لأكثر من خمسة عقود وتلتزم بالحفاظ على التفوُّق العسكري النوعي للكيان الصهيوني على دول الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، وتُعدّ إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك وتستخدم أحدث الطائرات المقاتلة الأميركية مثل طائرة F-35، وفي حال أبرمت أميركا صفقة كبرى مع دولة أخرى في المنطقة كالإمارات مثلاً تلتزم تلقائياً بإبرام صفقة تعويضية توفِّر لدولة الاحتلال معدَّات عسكرية إضافية تضمن تفوُّقها العسكري في المنطقة.
لا يقف الأمر عند هذا الحدّ فحسب، بل يتجاوزه لكون إسرائيل الدولة الوحيدة المسموح لها بتأجيل المدفوعات المتعلِّقة بتسلّم المعدَّات العسكرية الأميركية إلى السنوات القادمة وفقاً لجدول سداد متَّفق عليه، كما يُسمح لإسرائيل بإنفاق 25% من المساعدات العسكرية السنوية الروتينية التي تتلقَّاها من الولايات المتّحدة على صناعة الأسلحة الخاصّة بها وتطويرها، ولا تنطبق مثل هذه الاستثناءات على أيّة دولة أخرى في العالم.
غالباً ما تلجأ الحكومات الأميركية المتعاقبة إلى أساليب التلاعب والمناورات البيروقراطية بغية إخفاء المبالغ الكاملة والحقيقية للمساعدات التي تقدِّمها للكيان الصهيوني، فعلى سبيل المثال يُحرَص على إبرام عدّة صفقات بشكل منفصل عوضاً عن إبرام صفقة واحدة ضخمة حتى لا يتجاوز مبلغ الصفقة عتبة محدَّدة تتطلَّب إبلاغ الكونغرس، وهذا الأمر لا ينطبق بتاتاً على حالة المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا التي تخضع لضرورة الإبلاغ الروتيني وبأدقّ التفاصيل.
خلاصة القول، تضرب الولايات المتّحدة عصفورين بحجرٍ واحد، حيث تقوم بحماية الكيان الصهيوني وفقاً لمقتضيات الالتزام الأبدي من ناحية، وتدعم تفوُّقه باعتباره أداةً لتنفيذ استراتيجياتها في الشرق الأوسط وردع القوى الإقليمية المعادية لسياساتها من ناحية أخرى، وخير دليلٍ على ذلك مقولة الرئيس الأميركي جو بايدن "لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراعها".