غزة نحو مجاعة مريرة... السلع تنفد وعائلات تنبش النفايات

27 ابريل 2025
أطفال ينتظرون الحصول على طعام توزّعه جمعيات إغاثة في بيت لاهيا،، 14 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد قطاع غزة أزمة إنسانية حادة بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر، مما أدى إلى نفاد المخزون الغذائي وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة تصل إلى 1400%، وإغلاق المخابز المدعومة وارتفاع أسعار غاز الطهي بنسبة 4000%.
- أكد برنامج الأغذية العالمي ووكالة "أونروا" على نفاد مخزوناتهما الغذائية، مما يهدد مئات الآلاف بالجوع، مع ندرة شديدة في السلع الأساسية وارتفاع نسبة الفقر لأكثر من 90% والبطالة لأكثر من 83%.
- يعاني أكثر من 2.4 مليون فلسطيني من نقص حاد في الإمدادات الأساسية، مع تسجيل 52 حالة وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، في ظل صمت دولي عن معاناة غزة المتفاقمة.

يشهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه، إذ ينكشف الناس بالكامل أمام الجوع والحاجة، ولا أفق لحل قريب في ظلّ استمرار الحصار الإسرائيلي القاتل، في الوقت الذي يؤكّد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن "المجاعة اليوم لم تعد مجرد تهديد بل أصبحت واقعاً مريراً".

وأكد برنامج الأغذية العالمي، نفاد مخزوناته الغذائية في غزة بسبب استمرار إغلاق المعابر المؤدية إلى القطاع، محذراً من اضطراره إلى وقف أنشطته الأساسية ما لم يجرِ إدخال المساعدات. وذكر البرنامج العالمي، في بيان قبل يومين، أن كل مخزوناته الغذائية المخصّصة للأسر في غزة نفدت، موضحاً أنه سلّم، الجمعة، آخر ما تبقى من مخزوناته الغذائية إلى المطابخ التي تعد وجبات ساخنة للسكان.

وتوقع أن ينفد الطعام لدى هذه المطابخ تماماً في الأيام المقبلة، لافتاً إلى أنه لم يدخل القطاع أي إمدادات إنسانية أو تجارية منذ أكثر من سبعة أسابيع لاستمرار إغلاق جميع المعابر الحدودية الرئيسية، لتتعرض غزة بذلك لأطول فترة إغلاق على الإطلاق. وأغلقت كل المخابز المدعومة من البرنامج، وعددها 25، في 31 مارس/آذار الماضي بعد نفاد طحين القمح والوقود والطرود الغذائية المخصّصة للأسر التي تكفي لمدة أسبوعين.

وذكر البرنامج أنّ أسعار المواد الغذائية قفزت بنسبة تصل إلى 1400% مقارنة بفترة وقف إطلاق النار، وحذر من أن نقص السلع الأساسية أثار مخاوف غذائية خطيرة لدى الفئات السكانية الضعيفة، بمن فيهم الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات، وكبار السن.

وخلال إبريل/ نيسان الجاري فحسب، ارتفعت أسعار السلع بنسبة 50% مقارنة بشهر مارس/آذار، في حين ذكر برنامج الأغذية العالمي أن أسعار غاز الطهي شهدت ارتفاعاً جنونياً بنسبة 4000% مقارنة بما قبل الحرب على غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كما وزادت الأسعار بنسبة 600% عن سعرها في شهر فبراير/ شباط الماضي وقت وقف إطلاق النار.

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ المعدل السنوي للتضخم في قطاع غزة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول للعام 2024، نحو 238%، مقارنة بنفس الشهر من العام 2023. ومنذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المعابر مع غزة، ولم تسمح منذ ذلك الوقت بدخول أي شاحنات، وهو ما أدى لنفاد المخزون وساهم في ارتفاع جنوني على أسعار السلع الشحيحة بالأسواق.

وحذّرت وكالة "أونروا" من أن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 50 يوماً أدى إلى نقص حاد وخطير في الإمدادات الإنسانية الأساسية، مثل الغذاء والوقود والمساعدات الطبية ولقاحات الأطفال. وفي آخر تقرير لها حول الوضع في غزة، كشفت الأونروا أن مخزون الدقيق لديها نفد تماماً، ولم يتبقَ في مستودعاتها سوى 250 طرداً غذائياً فحسب، وذلك قبل يومين، ما ينذر بأزمة إنسانية متفاقمة تهدد مئات الآلاف من السكان.

وأكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، أن القطاع يشهد انهياراً شاملاً في المنظومة الاقتصادية، مع استمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر، ومنع إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية تماماً.

وقال الثوابتة في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ الأسواق باتت شبه خالية من السلع الأساسية، نتيجة النّدرة الشديدة في المواد التموينية، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار يفوق قدرة المواطنين على الشراء.

وأضاف: "هذا الارتفاع الحاد لا يعود إلى عوامل تجارية طبيعية، بل إلى شحّ المعروض وانعدام مصادر التوريد، مع استفحال أزمة الحصار الظالم الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، إذ اختفت العديد من المواد الغذائية والأدوية تماماً من الأسواق، بينما تُباع الكميات المحدودة المتوفرة بأسعار باهظة".

وأوضح أن الانهيار الحالي في الأسواق جاء نتيجة لسياسة "الإبادة الجماعية والحصار المطبق" التي تنفذها سلطات الاحتلال، وسط انهيار كامل في سلاسل التوريد. ووصف الثوابتة الوضع بأنه جريمة مكتملة الأركان ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية، مؤكداً أن ما يتعرض له أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في القطاع يشكل وصمة عار في جبين الإنسانية، في ظل صمت دولي مخزٍ عن معاناة غزة المتفاقمة.

في حين، أكد المختصّ في الشأن الاقتصادي، عماد لبد أن أسواق قطاع غزة تمر بأسوأ مراحلها التاريخية، في ظل ارتفاع جنوني في أسعار جميع السلع، وقال لبد في حديث لـ"العربي الجديد": "الأسعار قفزت بمعدلات غير مسبوقة، نتيجة الحصار المشدّد المستمر لقرابة الشهرين، بالإضافة إلى تعطل سلاسل الإمداد ومنع دخول البضائع".

وأوضح أن المواطن الغزي أصبح عاجزاً عن تأمين أبسط احتياجاته اليومية، بعد أن سجلت نسبة الفقر أكثر من 90%، فيما بلغت البطالة مستويات قياسية تجاوزت 83%، ما دفع الآلاف من العائلات إلى ما وصفه لبد بـ"هاوية الحاجة والانهيار المعيشي".

وأشار إلى أن توقف تسليم المساعدات الإنسانية لأكثر من 95% من سكان القطاع "زاد الطين بلّة"، خاصة مع إعلان أونروا والمؤسسات الإغاثية العاملة في غزة نفاد مخزونها من الدقيق والطعام.

وأكد أن هذه الأزمة لم تعد مجرد أزمة اقتصادية فحسب، بل تحولت إلى أزمة بقاء حقيقية، "إذ أصبحت العائلات تبحث عن بدائل خطيرة للبقاء على قيد الحياة، كاستخدام النفايات والحطب للطهي بدلاً من الغاز الذي ارتفع سعره بنسبة تفوق 4000%، وفق ما ذكر برنامج الأغذية العالمي".

وأضاف المختص الاقتصادي: "نحن نشهد اليوم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ غزة، الأسعار أصبحت كابوساً والمساعدات توقفت والمواطنون يفقدون عملهم، والناس انكشفوا بالكامل أمام الجوع والحاجة، ولا أفق لحل قريب في ظل استمرار الحصار والإغلاق".

ووفق برنامج الغذاء العالمي، فقد وُضِعَ أكثر من 116 ألف طن من المساعدات الغذائية، وهي كافية لإطعام مليون شخص لمدة تصل إلى أربعة أشهر، في ممرات المساعدات، وهي جاهزة للتسليم بمجرد إعادة فتح إسرائيل لمعابر غزة الحدودية. ويوم الجمعة الماضي، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن "المجاعة اليوم لم تعد مجرد تهديد بل أصبحت واقعاً مريراً" معلناً عن تسجيل 52 حالة وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، من بينها 50 طفلاً، فيما يشتكي أكثر من مليون طفل من الجوع اليومي، وأجبرت آلاف الأسر على مواجهة الموت جوعاً بعد عجزها عن توفير وجبة واحدة لأبنائها.

في الأثناء يشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى نقص حاد في الأدوية والإمدادات الطبية والمعدات للمستشفيات المكتظة جراء القصف الإسرائيلي، كما أن نقص الوقود يعيق إنتاج المياه وتوزيعها.

المساهمون