في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يشهدها لبنان نتيجة الحرب الأخيرة، يترقب اللبنانيون من المغتربين والقطاع الخاص على حد سواء بدء مرحلة جديدة من الحياة، بعد إعلان وقف إطلاق النار. هدوء نسبي أنتج فوراً تفاؤلاً باستئناف الأنشطة الاقتصادية، وعلى رأسها حركة الطيران والسياحة.
وشركة طيران الشرق الأوسط، التي ظلت تعمل طوال الفترة الماضية، تستعد لتكثيف رحلاتها ابتداءً من 12 ديسمبر/كانون الأول، فيما يتوقع أن تستأنف قلة من الشركات الأجنبية والعربية رحلاتها إلى لبنان خلال الأسابيع القليلة المقبلة. هذا التحسن في حركة السفر واكبه أيضًا تفاؤل بشأن موسم الأعياد، حيث يبدأ اللبنانيون المغتربون بالعودة إلى ديارهم للاحتفال بعيدي الميلاد ورأس السنة مع عائلاتهم.
تعويل على المغتربين
ورغم أن القطاع الخاص بدأ بالبحث عن سبل النهوض، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، فبينما تشير التوقعات إلى زيادة كبيرة في حركة المغتربين، إلا أن الأجواء الأمنية والسياسية لا تزال تؤثر على قرارات السياح من الدول العربية والأوروبية. وفي هذا السياق، يعرب العديد من المعنيين بالقطاع السياحي والطيران عن تفاؤلهم الحذر، حيث يعولون على عودة المغتربين، لكنهم يدركون أن الوضع يحتاج إلى وقت طويل قبل أن يعود لبنان إلى طبيعته الاقتصادية السابقة.
في هذا السياق، أفاد مصدر مسؤول في شركة طيران الشرق الأوسط رفض ذكر اسمه في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن هناك عددا كبيرا من المغتربين العائدين إلى لبنان لتمضية الأعياد، والخطوط الجوية اللبنانية أعلنت عن عودة جدول رحلاتها كالمعتاد ابتداء من 12 ديسمبر/كانون الأول. وإلى حين ذلك الموعد، ستسيّر الشركة 32 رحلة إضافية بين 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 و3 ديسمبر/ كانون الأول 2024 كما ستزيد وجهات الطائرات إلى أكثر من ثلاثين.
من جانبه، قال جورج الذي يعمل مديرا ماليا في إحدى الشركات الكبرى في دبي، إنه يعيش هناك منذ أكثر من عقد، لكنه يعود إلى لبنان بانتظام خلال الأعياد، هذا العام، كانت العودة مختلفة بسبب آثار العدوان الأخير، وقال جورج إن بيروت حزينة جراء الحرب والدمار ولكن وقف إطلاق النار أعطى أملا للمغتربين بالعودة، وقال إنه وجد صعوبة في إيجاد تذكرة سفر قريبة على شركة الطيران الشرق الأوسط لأن الشركات الأخرى لم تبدأ بعد. وأفاد بأنه رغم الصعوبة سيعود الى لبنان في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/كانون الأول، مضيفا أنه سيزور جميع المقاهي والمحلات في بيروت وسيحاولون قدر المستطاع المساهمة في دعم لبنان. وتابع: "العيد ليس فقط في الزينة والهدايا، بل في أن نكون جزءًا من إعادة بناء ما تهدم".
توقعات بعودة الرحلات
بدوره، قال مدير عام مطار بيروت، فادي الحسن في حديث خاص لـ"العربي الجديد": لا يوجد حتى أي شركة عادت إلى لبنان ولكنه توقع أنه خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/كانون الأول ستعاود الشركات الأجنبية والعربية رحلاتها من مطار رفيق الحريري الدولي وإليه. وأضاف الحسن أن شركات الطيران بدأت بالتواصل شفهياً مع المعنيين في مطار رفيق الحريري منذ بدء الإعلان عن وقف إطلاق النار، مؤكداً أن الشركات ستقوم بإرسال جداول الرحلات المسيرة الى لبنان، ومن المتوقع أن تكون نفس أعداد الوافدين التي قدمت العام الماضي إلى لبنان وخاصة في هذا الموسم.
وأشار إلى أن شركة الطيران الشرق الأوسط هي الشركة الوحيدة التي ما زالت تعمل حالياً وجميع الرحلات مليئة بالمسافرين القادمين الى لبنان، وهناك طلب كبير على الحجوزات، مشيرا إلى أنه فور عودة الشركات الى تسيير رحلاتها قد تكون جميع الرحلات حينها مليئة.
وأفاد أن لبنان خرج حالياً من حالة طوارئ والأمور تحتاج إلى وقت لإعادة العمل بشكل طبيعي في المطار، والأعداد المتوقع قدومها سبق وأن شهد لبنان أكثر منها، مشيراً إلى أن هناك تنسيقا مع جهاز أمن المطار وجميع الشركات والعاملين في المطار تحضيراً للمرحلة القادمة. وتابع أن موسم الأعياد القادم قد يكون حافلاً، وأنه خلال الحرب كان المطار يساهم في تحريك الاقتصاد لأن عدد المسافرين والوافدين إلى لبنان كان مقبولا، مؤكدا تفاؤله بعودة المغتربين بأعداد مرتفعة خلال موسم الأعياد.
بادرة خير
من جانب ثانٍ، قال رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان، بيار الأشقر، لـ "العربي الجديد" إن وقف إطلاق النار يُعد بادرة خير، لكنه شدّد على أن الوضع لا يزال صعبًا للغاية، وأوضح أن شركة طيران الشرق الأوسط هي الوحيدة التي ما زالت تعمل حاليًا، وتشكل فقط 20% من الإمكانات الأساسية المتاحة، مشيرًا إلى أن جميع شركات الطيران العربية والأجنبية من المتوقع أن تستأنف رحلاتها مع بداية العام الجديد.
وأشار الأشقر إلى أن موسم أعياد الميلاد ورأس السنة قد بدأ بالفعل، موضحًا أن عيد الميلاد عادةً ما يكون مناسبة عائلية يُحتفل بها في المنازل مع الأقارب، أما بالنسبة لرأس السنة، فإن التحضيرات للاحتفالات به تأثرت بشكل كبير بسبب الحرب. وعلى الرغم من وجود بعض المبادرات لإقامة حفلات، إلا أنها لا تزال محدودة، لأن العديد من الفنانين ملتزمون بمواعيد خارج لبنان، ولم يكن وقف إطلاق النار متوقعًا بهذه السرعة.
وأضاف أن القطاع الخاص لديه العديد من المبادرات لإعادة النهوض بالبلد، لكن الأمور تسير ببطء، إذ لم يمضِ على وقف إطلاق النار سوى وقت قليل، لافتاً إلى أن المغتربين اللبنانيين يعودون إلى منازلهم وليس إلى الفنادق، ما يُضعف مساهمة المغتربين في تنشيط القطاع السياحي. وأكد أن حفلات رأس السنة، التي كانت تجذب المغتربين في السابق، لن تُقام بالزخم الذي كانت عليه في السنوات الماضية، حيث كانت تُعتبر من أبرز الفعاليات التي شهدت إقبالاً كبيرًا من اللبنانيين المقيمين في الخارج.
وأوضح الأشقر أن تقدير حجم الخسائر الناتجة من الحرب لم يتم تحديده بدقة بعد، عازياً ذلك إلى وجود تناقض كبير بين تقديرات الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، حيث يصل الفرق بين تقديرات وزير الاقتصاد ووزير المالية إلى 8 مليارات دولار، وأن نسبة تراجع عمل القطاع الخاص في بداية عام 2024 كانت 60%، لكنها اليوم تصل إلى 90%. وشمل هذا التراجع قطاعات عدة، منها المطاعم، والفنادق، وتأجير السيارات، وأماكن السهر.
وأضاف أن نسبة إشغال الفنادق في بيروت لا تتعدى 10%، بينما في المناطق الأخرى فهي تدنو من الصفر. وأوضح أن مواطني الدول العربية لا يزالون يتجنبون لبنان، كما أن الدول الأوروبية لن تسمح لمواطنيها بالعودة السريعة إلى لبنان، حيث يُتوقع الانتظار لمدة 60 يومًا على الأقل، وهي المهلة التي تم الاتفاق عليها. وبالتالي، لن يكون بالإمكان تقييم الوضع بشكل دقيق قبل أوائل فبراير/شباط 2025.
راحة مؤقتة
واعتبر الأشقر أن المؤشرات الحالية لا تزال سلبية، حتى مع توقف الحرب، لأن وقف إطلاق النار يمنح البلاد راحة مؤقتة فقط، لكنه لا يعني انتعاشًا في الموسم السياحي، حيث إن العرب والأوروبيين وغيرهم من السياح لن يكونوا مستعدين لزيارة لبنان طالما أن الأجواء لا تزال متوترة. أما بالنسبة للمغتربين اللبنانيين، فأوضح الأشقر أنه لا يمكن احتسابهم سيّاحا وقال إنه "يمكن التعويل قليلًا على حركة المغتربين، لكن لا يمكن اعتبارهم سياحًا، لأن أوضاعهم النفسية والجو العام في البلد لن يسمح لهم بالتصرف كسياح، فهؤلاء سيأتون لتفقّد أهلهم وبيوتهم والبلد بشكل عام". وذكّر الأشقر بالكارثة التي لحقت بالقطاع الخاص بعد انفجار مرفأ بيروت، حيث تم تدمير 1900 مطعم و3000 غرفة فندقية. ورغم ذلك، نجح اللبنانيون بإرادتهم في النهوض من جديد والعودة إلى العمل، لكنه أشار إلى أن الأزمة المالية والمصرفية، التي تلتها الحرب الأخيرة، دمرت ما تبقى من مؤسسات.
تأخير الطيران العربي والأجنبي
في سياقٍ متصل، كشف رئيس نقابة أصحاب السفر والسياحة جان عبود عن أنه بعد وقف إطلاق النار فإنه سيكون هناك تأخير في تسيير شركات الطيران العربية والأجنبية رحلاتها الى مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، متوقعاً عودة بعض الشركات خلال أيام قليلة بعد وقف إطلاق النار والتي لا يتخطى عددها الـ 7 أو 8 شركات، من أصل حوالي 60 شركة".
وقال عبود في بيان أصدره قبل يومين إن "شركات الطيران التي أعادت جدولة رحلاتها على خط بيروت حددت موعداً لذلك مطلع عام 2025، ما معناه أنه في حال حصل وقف إطلاق نار، فإن هناك شركات كثيرة ستبقى غير قادرة على تسيير رحلاتها الى بيروت قبل مطلع العام المقبل"، مؤكداً أنه "ليس من السهل بعد إخراج طائرة عن خط الطيران وإعادة جدولة رحلاتها، إعادتها من جديد إلى الخط بشكل فوري".