استمع إلى الملخص
- فيلم "إلى أرضٍ مجهولة" للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، عُرض في مهرجان "كان" 2024، يوثق معاناة شابين فلسطينيين في أثينا يحاولان الوصول إلى ألمانيا بجوازي سفر مزورين.
- الفيلمان عُرضا في مهرجان "شاشات الجنوب" 2025 في بيروت، ويبرزان البيئات القاسية التي يعيش فيها الأفراد، مع أداء مميز للممثلين منى حوا، محمود بكري، وآرام صباح.
مواجهة مجتمع ذكوريّ ضاغط، في بيئة خانقةٍ، تختلف (ولو قليلاً) عن مواجهة خرابٍ يؤدّي إلى هجرةٍ غير شرعية، بحثاً عن خلاصٍ وراحة. رغم هذا، يكبر الاختلاف بين المواجهتين، لأنّ مواجهة المرأة رجالاً، متحدّرين من موروثٍ محافظ ومنغلق، لن تكون كمواجهة شابين مصاعب نفادٍ منشود من قهرٍ وبؤسٍ في بيئةٍ، لديها ثقل ذكوريّ ضاغط، لن يتأثّر به الشابان، فالدافع إلى الخروج من تلك البيئة يتمثّل بحصار وفقر وشقاء، والرغبة عظيمة في خلاصٍ وراحة.
"إنْ شاء الله ولد" للأردني أمجد الرشيد ـ المعروض للمرة الأولى دولياً في "أسبوع النقّاد"، في الدورة الـ 76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لمهرجان "كانّ" ـ يكشف وقائع عيشٍ في مجتمع، يبلغ التشدّد والذكورية فيه مرتبة القتل باسم "الشرف"، ويواكب صراع أرملة/أمّ من أجل حقّ لها يرفضه الرجل/المجتمع، ويلتقط مساراً قاسياً في معاندة قهرٍ وتسلّط، من أجل مُكتسبٍ للمرأة، يُفترض به أنْ يكون طبيعياً وعادياً.
قهرٌ من نوعٍ آخر يعيشه شابان فلسطينيان في أثينا، يحاولان بلوغ ألمانيا بجوازي سفر مزوّرين، رغبة في ابتعادٍ كلّي عن مخيمٍ (عين الحلوة، جنوبي لبنان)، يوثّقه الفلسطيني مهدي فليفل في أفلامٍ سابقة له، جاعلاً إياه خلفية ضاغطة على هذين الشابّين، في جديده "إلى أرضٍ مجهولة"، المعروض للمرة الاولى أيضاً في "نصف شهر السينمائيين"، في الدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/أيار 2024) للمهرجان نفسه.
قهرٌ ينعكس، سينمائياً، في أداء يُنبِّه إلى عمق الهوّة بين الفرد وصفاء سكينة وراحة بال، يُغيّبهما (الصفاء والسكينة) بؤس اجتماعٍ وفقر حيلة، في حيّز جغرافي يُفترض به أنْ يكون ملاذاً وحاضناً ومُريحاً. فنوال (منى حوا)، في "إنْ شاء الله ولد"، تبدأ رحلة عذابٍ غداة الوفاة المفاجئة لزوجها، بينما ينقل "إلى أرضٍ مجهولة" اختبار شاتيلا (محمود بكري) ورضا (آرام صباح) مرارة الغربة، وألم اليومي، وبشاعة الاحتيال، من أجل حقٍّ لهما في صفاء وسكينة أيضاً، سيُحرمان منهما في بيئة يسكنها خراب فظيع، ينبثق أساساً من احتلال إسرائيلي لبلدهما، ويُضاف إليه حصار لبناني، اجتماعي واقتصادي وحياتي، لمخيم ممزّق ومعطوب (مع أنّ هذا كلّه غير مرويّ في الفيلم، المهتمّ بمواكبة يوميات الشابين في أثينا).
لنوال درب جلجلةٍ مُعبّدٍ بآلام نفس وروح، لن ينجو منها الجسد أيضاً، وإنْ ظهرت آلام النفس والروح في السرد الدرامي لحكايتها. ولشاتيلا ورضا درب جلجلةٍ أيضاً، يُعمَّد بنَصبٍ واحتيال وخديعة، أداةَ خلاص منشود. الوفاة المفاجئة لزوج نوال تُدخلها في نزاع مع مجتمعٍ، يتسلّط على أرملة/أمّ تُصرّ على عيش حياتها في منزلها ومع ابنتها، لكنّ قوانين ذاك المجتمع "تمنعها" عن ذلك. و"وفاة" حياة طبيعية وعادية، في مخيم فلسطيني في بلدٍ غير مُرحِّبٍ بلاجئين فلسطينيين، تدفع شابين إلى أهوال وشدائد، لن تكون حكراً عليهما، فهناك شبابٌ سوريون أيضاً ينشدون خلاصاً من حربٍ، أي من قهر وألمٍ وانكسارات، في بلدٍ يستبيحه عنفٌ وبشاعة.
بهذا، يكشف الفيلمان، المشاركان في الدورة الأولى (10 ـ 19 إبريل/نيسان 2025) لـ"شاشات الجنوب" (بيروت)، بعض المعروف في تلك البيئتين، بالتزامٍ سينمائي في سرد حكاية، والتقاط نبض، وتعرية بيئة، ومواكبة أفرادٍ يعانون شقاءً غير محتمل. فيلمان يرتكزان على أداء (منى حوا ومحمود بكري وآرام صباح) يُحفِّز على متابعة متنبّهة لمسارين دراميين يختلف أحدهما عن الآخر، لكن يلتقي أحدهما الآخر في نبشٍ سينمائي في أحوال أفراد.