اكتشاف سلالة بشرية قديمة في ليبيا سيغير فهمنا للتاريخ

24 ابريل 2025
مومياء عمرها 7 آلاف عام عُثر عليها في تاكركوري جنوب غربي ليبيا (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كشفت دراسة عن سلالة تاكركوري البشرية القديمة في شمال أفريقيا، تعود إلى 9,000 عام، بفرع جيني فريد، مع تفاعلات محدودة مع شعوب الشرق الأدنى وأفريقيا جنوب الصحراء، مما يشير إلى تطور سكاني محلي مستقل.
- انفصلت سلالة تاكركوري عن السلف المشترك للشعوب غير الأفريقية منذ 50,000 عام، مع نسبة ضئيلة من الحمض النووي لإنسان نياندرتال، ومارست الرعي وتربية الحيوانات دون اختلاط جيني واضح مع سكان بلاد الشام أو أوروبا.
- تتحدى النتائج المفاهيم السائدة حول ارتباط الابتكارات بحركات سكانية، وتبرز دور المناخ في التاريخ البشري، حيث تزامن اختفاء السلالة مع تحول الصحراء الخضراء إلى بيئة جافة.

كشفت دراسة جديدة عن وجود سلالة بشرية قديمة في شمال أفريقيا، أطلق عليها اسم تاكركوري، تعود إلى نحو تسعة آلاف عام، وتمثل فرعاً جينياً مميزاً لا يشبه أي سلالة معروفة سابقاً. وفقاً للدراسة التي نشرت يوم الثاني من إبريل/نيسان في مجلة نيتشر، عثر على الحمض النووي في موقع تاكركوري جنوب غربي ليبيا، وهو من أقدم الأدلة الجينية في المنطقة.

من خلال تحليل الحمض النووي القديم (aDNA) لهياكل بشرية دفنت قبل آلاف السنين في الموقع، أظهرت النتائج تفاعلات محدودة مع شعوب من الشرق الأدنى وأفريقيا جنوب الصحراء، ما يدل على شبكة تواصل بشرية قديمة، مع وجود تطور سكاني محلي مستقل.

ترجع أهمية الاكتشاف إلى أن هذه السلالة الجينية لم تظهر أي صلة مباشرة بالسلالات المعروفة في أفريقيا جنوب الصحراء أو في بلاد الشام أو أوروبا، ما يتحدى الروايات التقليدية التي اعتبرت أن سكان شمال أفريقيا الحديثين ناتجون عن موجات متتالية من الهجرة من الخارج. وبدلاً من ذلك، تشير البيانات الجينية الجديدة إلى أن المنطقة كانت مأهولة بجماعات مستقلة تطورت محلياً وظلت معزولة جينياً لفترات طويلة تمتد لآلاف السنين.

تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة ندى سالم، باحثة الدكتوراه في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هذه أول جينات بشرية قديمة نتمكن من استخراجها من الصحراء الخضراء. تعود هذه العينات إلى فترة كانت فيها الصحراء الكبرى عبارة عن بيئة خصبة وغنية تشبه السافانا، مليئة بالبحيرات والحياة البرية، وليست الصحراء الجافة التي نعرفها اليوم. ومن ثم، تضيف هذه النتائج بعداً جديداً لفهمنا لبنية السكان واستمراريتهم في شمال أفريقيا".

أجرى العلماء تحليلاً شاملاً للحمض النووي المستخرج من رفات ثمانية أفراد دفنوا في كهف تاكركوري، الذي كان يستخدم مقبرةً في العصر الحجري الحديث، ويقع بالقرب من بحيرة كانت موجودة آنذاك واختفت لاحقاً بفعل التغيرات المناخية. تعد هذه العينات من أقدم الأدلة الجينية البشرية في شمال أفريقيا، وتمثل نافذة نادرة للغاية على التركيب الوراثي للمجتمعات التي عاشت في تلك البيئة.

تكشف التحليلات أن سلالة تاكركوري انفصلت عن السلف المشترك لجميع الشعوب غير الأفريقية منذ نحو 50 ألف عام، لكنها بقيت داخل أفريقيا من دون أن تتأثر بالموجات الجينية اللاحقة. وتظهر جيناتهم نسبة ضئيلة من الحمض النووي لإنسان نياندرتال -نحو 0.15% فقط- وهو رقم يعد أقل بكثير من نظيره لدى سكان أوروبا وبلاد الشام خلال العصر الحجري، وأعلى قليلا من سكان أفريقيا جنوب الصحراء المعاصرين.

تضيف سالم: "هذا المستوى المنخفض من الحمض النووي لإنسان نياندرتال يشير إلى أن الاتصال مع مجموعات غير أفريقية كان محدوداً للغاية. ربما حصل ذلك من خلال حدث واحد قديم وصغير لتدفق الجينات، لكنه لا يغير حقيقة أن هؤلاء الأشخاص كانوا معزولين جينياً بوضوح".

الأكثر إثارة هو أن أفراد سلالة تاكركوري مارسوا الرعي وتربية الحيوانات، وهي تقنيات زراعية نشأت خارج أفريقيا، من دون أن تظهر جيناتهم أي علامات واضحة على اختلاطهم بسكان بلاد الشام أو أوروبا، حيث ظهرت هذه الأنشطة لأول مرة. تقول الباحثة: "هذا يظهر أن التغيير الثقافي لا يعني بالضرورة تغييراً جينياً. وربما تبنت مجتمعات تاكركوري الرعي من خلال تواصل ثقافي أو تجاري، من دون حدوث تهجير أو استبدال سكاني".

تتحدى هذه النتائج أحد المفاهيم السائدة في علم دراسات ما قبل التاريخ، وهو أن الابتكارات الكبرى، مثل الزراعة أو الرعي، ارتبطت دوماً بحركات سكانية كبيرة أو استيطان شعوب جديدة. إلا أن البيانات الجينية من تاكركوري تشير إلى سيناريو مختلف، إذ تبنت المجتمعات المحلية نمط حياة جديداً مع الحفاظ على تركيبتها الوراثية الخاصة.

من الناحية الجغرافية، تشير الدراسة إلى أن أصل السكان الذين عاشوا في تافورالت (موقع أثري مغربي شهير يعود إلى نفس الفترة تقريباً) ربما يعود إلى مجموعات شبيهة بسكان تاكركوري، وليس إلى شعوب قادمة من أفريقيا جنوب الصحراء كما افترضت دراسات سابقة، ما يعزز فرضية استمرارية التطور المحلي في شمال الصحراء، وتراجع فرضية التدفق الجيني من الجنوب نحو الشمال في ذلك العصر.

إلى جانب أهميته الجينية والتاريخية، يلقي هذا الاكتشاف الضوء على دور المناخ في تشكيل التاريخ البشري. فاختفاء سلالة تاكركوري من السجل الجيني تزامَنَ مع تحول الصحراء الخضراء إلى بيئة جافة، ما يرجح أن التغيرات المناخية الكبرى دفعت المجتمعات إلى التشتت أو الاندماج مع مجموعات أخرى.

توضح سالم أن ما نراه اليوم من تأثير التغير المناخي على النزوح والهجرة، له جذور عميقة في التاريخ البشري. "جفاف الصحراء الخضراء ربما كان العامل الحاسم في اختفاء هذه السلالة من الوجود. ودراستنا تبرز كيف أن البيئات المتغيرة شكلت خريطة الجنس البشري عبر آلاف السنين"، تقول الباحثة.

المساهمون