الاعتداء على صحافيي العراق: مكشوفو الهوية فوق المحاسبة

29 نوفمبر 2024
خلال تظاهرة في بغداد، 25 مايو 2021 (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد العراق انتهاكات متكررة ضد الصحافيين، تتضمن الاعتداء الجسدي والاعتقال والاختطاف والقتل، كما في حالة جمال البدراني في الموصل، مما يثير القلق حول حرية التعبير وسط هيمنة الجهات المسلحة.
- كشفت التحقيقات عن تورط مليشيا بابليون في الاعتداء على البدراني باستخدام سيارة حكومية، مع استمرار التحقيقات ودعوات للإسراع في تقديم المتورطين للعدالة.
- تعتبر نينوى مسرحًا للجماعات المسلحة التي تهدد حرية الصحافة، مع مئات الاعتداءات منذ 2003 ومستوى مرتفع من الإفلات من العقاب، مما يعيق جهود مكافحة الفساد والإصلاح.

 

يُسجل العراق انتهاكات متكررة ضد العاملين في مجال الصحافة والإعلام، وتصل إلى الاعتداء الجسدي والاعتقال والاختطاف وحتى القتل. وهذا ما حصل أخيراً مع مدير مكتب قناة الشرقية في مدينة الموصل، الصحافي جمال البدراني، الذي قال إن ثلاثة أشخاص "ينتمون إلى فصيل مسلح لاحقوه بسيارة لا تحمل أرقاماً تعريفية، خلال توجهه إلى مكتبه قرب منطقة النبي يونس في جانب الموصل الأيسر، الثلاثاء الماضي، وأوقفوا مركبته بالقوة، ثم انهالوا عليه بالضرب، دون أي مبرر أو سابق إنذار".

وأكد الصحافي جمال البدراني، لـ"العربي الجديد"، أنه تقدم بشكوى بشأن الحادثة، وأضاف أن السلطات القضائية وعدت بالتحرك السريع ومحاسبة المتورطين. على الرغم من ذلك الوعد، استغرب من عدم التحرك لإلقاء القبض على المتورطين إلى الآن، خاصة أنهم "أصبحوا مكشوفين ومعروفين للجهات الحكومية الأمنية والقضائية". وطالب البدراني القضاء العراقي والأجهزة الأمنية ورئيس الوزراء بالقصاص من المعتدين عليه، وتقديمهم للمحاسبة، وألا تكون الحادثة سابقة خطيرة تهدد حرية الرأي والتعبير في نينوى، بسبب السلاح المنفلت، وهيمنة الجهات المسلحة على المشهد في المحافظة.

تورط مليشيا بابليون في العراق

كشف مصدر أمني في نينوى، لـ"العربي الجديد"، عن مجرى التحقيق الذي يقوده جهاز الأمن الوطني ومديرية الشرطة بشأن الاعتداء على البدراني. وقال المصدر إن الأجهزة الأمنية قدمت للجهات القضائية معلومات مفصلة عن السيارة التي كان يستقلها الأشخاص الثلاثة والمقرات التي تدخلها، وكذلك الصور الخاصة بالمتهمين. وأضاف المصدر أن التحقيقات أظهرت انتماء الأشخاص الثلاثة إلى مليشيا بابليون التي يتزعمها ريان الكلداني، مبيناً أن سيارة حكومية رفعت أرقامها استخدمت من قبل المعتدين.

قبل أسبوع من الاعتداء على البدراني، نشر أخباراً تفيد بوجود تدخلات وضغوط تمارسها جهات سياسية (حركة بابليون) على المديرية العامة لتربية نينوى من أجل فرض مسؤولين موالين لها فيها.

في السياق نفسه، أعلن مجلس القضاء الأعلى فتح تحقيق في حادثة الاعتداء على الصحافي، جمال البدراني، وأكد التوصل إلى أحد المتهمين، لكنه أشار إلى أنه ما زالت الإجراءات مستمرة من قبل قاضي التحقيق المختص، وهناك متابعة مباشرة من قبل مجلس القضاء الأعلى "الذي يؤكد حرية الصحافة، وحرية التعبير التي كفلها الدستور، والقضاء كفيل بالتصدي لأي اعتداء يحصل على أي مواطن، أو المؤسسات بمختلف مسمياتها".

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة للمطالبة بالاقتصاص من المعتدين، وحمّلت الحكومة العراقية المسؤولية عن سلامة البدراني، فيما أكدت ضرورة ملاحقة الجهات الخارجة عن القانون، وضبط السلاح المنفلت، وضمان عدم تكرار مثل هذه الاعتداءات. وأدانت نقابة الصحافيين العراقيين الاعتداء، ودعت عبر بيان لرئيسها، مؤيد اللامي، السلطات الأمنية والقضائية إلى الإسراع في كشف ملابسات الحادث، وتقديم المتورطين في الاعتداء للعقوبة القانونية.

نينوى مسرح للجماعات المسلحة

أكد صحافيو نينوى رفضهم الاعتداءات المتكررة التي تطالب الوسط الصحافي، وآخرها ما حدث مع البدراني. وأشاروا إلى أن ثقتهم بالقضاء كبيرة من أجل كشف المنفلتين ومنتهكي الأمن في نينوى، ومحاسبتهم وإخضاعهم للقانون.

ورأى الصحافي، علي الحسيني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الحادثة تؤكد أن "نينوى، وباقي المحافظات العراقية، تحولت إلى مسرح للجماعات المسلحة التي تستغل الحشد الشعبي وآليات وأسلحة وأموال الدولة في تنفيذ أجندتها وتصفية خصومها وتحقيق مصالحها ومصالح قادتها". وقال الحسيني إن "العراق كان وما زال مسرحاً لأنشطة عدائية تستهدف الصحافيين بعد عام 2003، إذ تورطت القوات الأميركية وتنظيم القاعدة، ثم داعش، ثم الفصائل المسلحة، بقتل واختطاف عشرات الصحافيين والاعتداء عليهم"، وأشار إلى أن الصحافيين لم ينجوا من الإجراءات التعسفية والملاحقة من قبل المسؤولين الحكوميين وأجهزة الأمن الرسمية. وأضاف أن الاعتداء على الصحافيين في العراق غرضه تكميم الأفواه، وإسكات الأصوات التي تحاول كشف الفساد، وحالات سرقة المال العام، مبيناً أن مدينة الموصل وباقي مدن العراق أصبحت خاضعة تماماً لسلطة الفصائل المسلحة التي باتت سلطتها أعلى من جميع السلطات في البلاد، فيما شكك بقدرة الجهات الأمنية والقضائية على محاسبة المتورطين في الاعتداء الأخير، شأنها شأن حوادث الاعتداء والقتل الماضية التي قيدت أغلبها ضد مجهولين.

من جهته، نبّه رئيس مؤسسة الميثاق للتنمية والديمقراطية، سعد عامر، إلى أن الاعتداء على الصحافيين "من شأنه أن يهدد العلاقة والثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة الرسمية". وقال عامر في حديث لـ"العربي الجديد إن "الاعتداء على الصحافيين يهدد حرية التعبير والرأي والإعلام، بينما العراق بأمس الحاجة إلى العمل الإعلامي والكلمة الصادقة، من أجل تصحيح الأخطاء، والحد من الإخفاقات الحكومية والفساد المستشري". وحذر من أن مرور حوادث الاعتداء من دون ردع ومحاسبة قانونية "سيفتح المجال أمام الجهات المليشياوية لتنفيذ مزيد من الاعتداءات في الفترة المقبلة ضد أصحاب الرأي والكلمة". 

سجل العراق على مدى العقدين الماضيين مئات الاعتداءات على الصحافيين، حيث أسفرت عن مقتل 475 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام منذ عام 2003، ولم يُحاسب الجناة إلا في حالتين أو ثلاث، فيما تشير الإحصائيات إلى مستوى مرتفع من الإفلات من العقاب، مما يضع العراق ضمن الدول الأكثر خطورة في العمل الصحافي.

المساهمون