الديمقراطيون يهجرون الإعلام التقليدي بعد خضوعه لضغوط ترامب

23 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 13:57 (توقيت القدس)
ترامب بعد حديث مع صحافيين في البيت الأبيض، 3 إبريل 2025 (ساوول لويب/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت إدارة ترامب توترات مع الإعلام التقليدي، مما أدى إلى نفور الديمقراطيين، خاصة الأجيال الجديدة، الذين لجأوا إلى منصات جديدة للتعبير عن مواقفهم السياسية.
- فقدت صحيفة واشنطن بوست مشتركين بعد قرارها بعدم دعم أي مرشح في انتخابات 2024، وأطلقت كاليفورنيا تحقيقات حول تعامل شركات إعلامية مع قضايا تتعلق بترامب، مما يعكس تحول الجمهور الديمقراطي نحو المنصات الرقمية.
- استفادت منصات بديلة مثل ذا بلوورك وكروكد ميديا من خيبة أمل الديمقراطيين، مما يعكس رغبتهم في دعم منصات جديدة تعبر عن مواقفهم السياسية بشكل مستقل.

أثارت تدخلات إدارة الرئيس دونالد ترامب المتزايدة في الإعلام الأميركي التقليدي وخضوع إدارات المؤسسات الكبرى لشروطه نفوراً بين أنصار الحزب الديمقراطي، خاصةً الأجيال الجديدة، ودفعتهم إلى اللجوء إلى منصات جديدة للتعبير عن مواقفهم السياسية، بحسب ما أورده موقع سيمافور الأميركي، أمس الاثنين.

منذ عودته إلى سدّة الرئاسة في يناير/ كانون الثاني الماضي، شنّ ترامب سلسلةً من التصريحات العدائية تجاه عددٍ من المؤسسات الإعلامية والصحافيين، واتخذت إدارته إجراءات متعددة لفرض مزيد من القيود على عملهم في البيت الأبيض، كما هدّد الرئيس شركات إعلامية مختلفة وفي أكثر من مناسبة لفرض قرارات تصب في صالحه.

كان قرار شركة ديزني إيقاف برنامج الكوميدي المعروف جيمي كيميل الأسبوع الماضي، بعد ضغوط من لجنة الاتصالات الفيدرالية، الحلقة الأحدث في سلسلة من المواقف التي عكست خضوع المؤسسات الإعلامية الكبرى لمزاج الإدارة الجمهورية. إذ سبق أن واجهت شركة باراماونت انتقادات حادة عندما قررت تسوية دعوى قضائية كان يُعتقد أنها قابلة للفوز ضد ترامب، تتعلق ببرنامج "60 دقيقة" الشهير، حيث اتُهم ترامب وفريقه بتعديل أجزاء من مقابلة أحرجته سياسياً قبل بثها، وهو ما اعتُبر رضوخاً سياسياً أكثر منه إجراءً قانونياً.

كذلك، واجهت "ديزني" نفسها قضية أعقد مع المذيع البارز جورج ستيفانوبولوس، المقرّب من الديمقراطيين، حول نزاع قانوني يتعلق بانتقادات لترامب، لكنها اختارت التسوية بدلاً من الدفاع عن مذيعها، وهو ما فُسِّر على أنه تراجع عن استقلاليتها التحريرية. أما صحيفة واشنطن بوست، فقد فجّرت جدلاً داخلياً واسعاً بقرارها غير المسبوق عدم إعلان تأييد أي مرشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بعدما اعتاد جمهورها الليبرالي أن تكون الصحيفة صوتاً داعماً للتيار الديمقراطي، وزاد الغضب منها بعدما أقدمت على تقليص مساحات قسم الرأي فيها، وهو ما اعتُبر محاولة للابتعاد عن المواجهة السياسية المباشرة.

الديمقراطيون غاضبون من الإعلام التقليدي

وتعمق الموقف الديمقراطي السلبي من المنصات التقليدية مع تسريب أخبار عن قيام شخصيات بارزة مناهضة لترامب في قناة "إم إس إن بي سي"، إحدى القنوات التي طالما اعتمد عليها الديمقراطيون كمنصة إعلامية مؤثرة، بزيارة منتجع ترامب الخاص "مارآلاغو" للقاء الرئيس، ما أثار تساؤلات حول حدود الاستقلالية والحياد الإعلامي، وفاقم شعور القواعد الديمقراطية بأن الإعلام التقليدي لم يعد جديراً بالثقة.

بحسب "سيمافور"، فإن الجمهور الديمقراطي سعى لمحاسبة الإعلام التقليدي على "خيانة مبادئهم"، وحقّقوا بعض النجاحات. إذ خسرت "واشنطن بوست" نحو 300 ألف مشترك مدفوع بعد قرارها بعد دعم أحد المرشحين للرئاسة، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي. أما في الأشهر الأخيرة، فقد هاجم مسؤولون ديمقراطيون "ديزني" وتعهدوا بفتح تحقيقات بشأن خضوعها للجنة الاتصالات الفيدرالية.

وأطلق مشرّعو ولاية كاليفورنيا تحقيقاً خاصاً حول تعامل شركة باراماونت مع قضية برنامج "60 دقيقة". كما دعت النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز أنصارها، الأسبوع الماضي، إلى مقاطعة "ديزني" إن لم تُعد كيميل. وهي دعوى لاقت استجابة من البعض، إذ لوحظ ارتفاع في عمليات البحث على الإنترنت عن كيفية إلغاء اشتراك منصة ديزني بلس للبث التدفقي، وتراجع سهم الشركة.

كذلك، يواصل صنّاع محتوى مناهضون لترامب تصدر قوائم برامج البودكاست على "يوتيوب"، ويحصلون على دعوات لكبرى العروض الإعلامية في نيويورك. كما امتلأت قوائم منصة سابستاك بأصوات غاضبة من إسكات الإعلام التقليدي. ويعمد مسؤولون ديمقراطيون إلى توجيه محتواهم مباشرة عبر الشخصيات الرقمية المؤثرة القريبة من جمهورهم، غالباً على حساب الإعلام التقليدي.

منصات إعلامية بديلة

وفقاً لموقع سيمافور كانت منصة ذا بلوورك التي أسسها جمهوريون مناهضون لترامب عام 2018، أحد أبرز المستفيدين من "خيبة أمل الديمقراطيين بالإعلام التقليدي"، إذ وصلت إلى أكثر من 100 ألف مشترك مدفوع، مع نحو 1.5 مليون مشترك على موقع يوتيوب. وقالت المؤسسة سارة لونغويل: "هؤلاء الناس شعروا بخيانة عميقة من مؤسسات الأخبار الكبرى التي اعتقدوا أنهم يستطيعون الاعتماد عليها عندما بدأت الأمور في الانهيار في 2017 و2018"، مشيرةً إلى أن المنصة الرقمية شهدت طفرات في عدد المشتركين مع كل حدث سياسي كبير، وفي كل مرة يحاول فيها الإعلام التقليدي استرضاء ترامب.

بشكل مشابه، شهدت شركة كروكد ميديا، التي أسسها موظفو البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، عودة قوية في الفترة الماضية، مع ارتفاع في التفاعل وفي تحميل حلقات برامج البودكاست التي تنتجها. إذ ازداد عدد مشتركي قناتها على "يوتيوب" من 600 ألف قبل عام إلى أكثر من مليون اليوم، وتضاعف وقت المشاهدة وارتفعت نسب المتابعة بنسبة 75%.

تطبيقات بعيدة عن سيطرة ترامب

وامتد تأثير الاستياء الديمقراطي من الإعلام التقليدي إلى صعود عدد من منصات التواصل الاجتماعي الجديدة. على سبيل المثال لجأ الكثير من مستخدمي منصة تويتر ("إكس" حالياً) بعد استحواذ إيلون ماسك عليها إلى بدائل، أبرزها "بلوسكاي" التي يتركز النقاش السياسي فيها على مهاجمة ترامب، وماسك، والديمقراطيين الوسطيين الذين لم يواجهوا ترامب بقوة، وكذلك الإعلام التقليدي الذي يراه كثيرون متساهلاً مع الرئيس، بحسب "سيمافور".

لكن المنصة الأكثر استفادة من هذه التحولات هي "سابستاك"، التي تضاعف عدد مشتركيها المدفوعين خلال عام واحد من نحو ثلاثة ملايين إلى أكثر من خمسة ملايين. و"سابستاك" خدمة نشر إلكتروني أميركية تأسست عام 2017، تتيح للكتّاب والصحافيين والمدونين إطلاق نشرات بريدية مدفوعة أو مجانية تصل مباشرة إلى القرّاء، دون الحاجة إلى المرور عبر المؤسسات الإعلامية التقليدية.

خلال فترة الرئيس السابق جو بايدن، ارتبطت المنصة بالحركة اليمينية "المناهضة للووك" (anti-woke)، لكنها تحقّق الآن شعبية متزايدة بين الأصوات المصنفة يسارية، كما أنها صارت ملجئاً لعدد كبير من الصحافيين الذين يتعرضون للطرد من وسائل الإعلام الكبرى. بعد طردها من "واشنطن بوست" الأسبوع الماضي بسبب تصريحات عن تشارلي كيرك، أطلقت الصحافية كارين عطية مباشرةً نشرتها الخاصة على "سابستاك"، وهو الأمر نفسه الذي فعله المذيع ماثيو داود بعد طرده من قناة "إم إس إن بي سي".

كذلك، بدأ بعض السياسيين الديمقراطيين مساعي لبناء جمهور على المنصة، وعلى رأسهم المرشحة الرئاسية الخاسرة كامالا هاريس التي نشرت مقتطفات من كتابها الجديد حصرياً عبر "سابستاك"، وكذلك حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، وحاكم إلينوي جي بي بريتزكر. وعلى الرغم من إنكار القائمين على المنصة وجود توجه سياسي خاصٍ بها، فإنها تستثمر بشكل متزايد في دعم المؤسسات الإعلامية المعارضة، وتوسيع أدوات النشر لديها، وحتى تطوير تطبيقها ليكون بديلاً عن منصة إكس. وقال المؤسس المشارك لها، هاميش ماكنزي، إن المنصة شهدت ارتفاعاً في الاشتراكات عقب وقف برنامج كيميل.

من جهته، قال مؤسس قناة ميداس توتش على "يوتيوب"، بن مايسيلس، إنّه تواصل مع فريق كيميل ليدعوه للانضمام إلى مؤسسته المستقلة. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو صعب التحقّق، إلّا أن مايسيلس ينطلق في محاولته من حقيقة أنّ قناته تفوقت باستمرار على قناة "إيه بي سي" على "يوتيوب" من حيث عدد المشاهدات، وتنافست مع برنامج المذيع جو روغان كأكثر البودكاست متابعةً منذ إطلاق قوائم التصنيف هذا العام.

"إحباط قديم"

نبّه "سيمافور" من أنّ "الإحباط اليساري من الإعلام تقليدي ليس جديداً"، مذكراً بأنّ السيناتور بيرني ساندرز سعى منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى تأسيس بدائل إعلامية، وانتقد في حملاته الرئاسية الإعلام المملوك للشركات. مع صعود ترامب، ازدادت المخاوف من خضوع الإعلام التقليدي وتطبيعه مع سلوكه.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

تطوّر الغضب من الإعلام التقليدي داخل الحزب الديمقراطي، إذ يلجأ أشخاص أكثر إلى دعم المنصات الجديدة من خلال الاشتراكات. كذلك، أشار ديفيد ويغل إلى إمكانية أن يؤثر ذلك على سياسات الحزب الديمقراطي تجاه الإعلام، مرجحاً أنّ مسؤولي الحزب "إذا استعادوا السلطة فقد يستخدمون قوانين مكافحة الاحتكار ضد الشركات الإعلامية الكبرى، وربما يسعون لتفكيكها أو منع اندماجاتها".

بدوره رأى السيناتور إد ماركي في تصريح لـ"سيمافور" أنّ الديمقراطيين لم يفقدون الثقة كلياً في الإعلام السائد، لكنه دعا إلى الضغط على الشركات لحماية الصحافيين داخلها. أضاف: "هناك صحافيون رائعون في كل مؤسسة من هذه المؤسسات، وهم الآن مذهولون من التنازلات التي تُقدَّم. آمل أن يبقوا في المعركة... علينا أن نخلق بيئة تشجعهم وتجعل من الصعب على رؤسائهم منعهم من قول الحقيقة".

المساهمون