الفنانة الفلسطينية ميرنا بامية وتخمير العاصفة

16 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 08:21 (توقيت القدس)
من أعمال ميرنا بامية (من الفنانة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تستكشف الفنانة الفلسطينية ميرنا بامية سياسات الاختفاء وصناعة الذاكرة من خلال الخزف والطهي والتركيبات المتعددة الوسائط، وأطلقت مشروع جمعية استضافة فلسطين لإحياء ثقافات الطعام المهددة بالاندثار عبر موائد جماعية وعروض في مدن متعددة.

- قادت تجربة بامية إلى عالم الخزف، حيث ابتكرت أوعية تروي حكايات الطعام وعمقت مفهوم التخمير في مشروعها "حامض"، الذي يستكشف التحولات اليومية وتاريخ البرتقال بين يافا والأندلس.

- كرّست بامية أكثر من 15 عاماً لابتكار فضاءات تستعيد الإمكانيات في وجه المحو، وشاركت في معارض عالمية ونالت جوائز مرموقة، مما يعزز مكانتها في المشهد الفني.

تبني الفنانة الفلسطينية ميرنا بامية تجربتها على استكشاف سياسات الاختفاء وصناعة الذاكرة، من خلال أدوات تجمع بين الخزف والطهي والتركيبات المتعددة الوسائط. في أعمالها، تتحول المائدة إلى مساحة للفن، ويتحوّل الطعام إلى لغة للسرد تكشف المجتمعات الفلسطينية تحت ثقل التهجير والفقد.
أسست عام 2018 مشروع جمعية استضافة فلسطين، الذي أعاد إحياء ثقافات الطعام المهددة بالاندثار عبر موائد جماعية وعروض وحوارات امتدت من القدس ونابلس ورام الله إلى نيويورك وفيينا وبلجيكا. تقول بامية إنها جمعت وصفات من بيوت الجدات وزوايا المطابخ القديمة، وربطت بينها وبين الجغرافيا والهجرة وتغير المواسم، لتكشف كيف يتشكل وطن في طعامه. قدّمت بامية في موائدها أطباقاً شبه منسية، مثل الرمانية التي أتت من يافا بعد النكبة، وحافظ عليها فلسطينيو غزة وأضافوا إليها نكهتهم الخاصة.
توضح بامية أن التجربة قادتها إلى عالم الخزف، فابتكرت أوعية تروي حكايات الطعام مثل وعاء المفتول، فصممت وعاءً يعكس طريقة الطهي التقليدية، وجمعت فيه ثلاث وصفات من غزة والجليل ورام الله، أو "السفرطاس" الخزفي الذي حمل أطباقاً مهددة بالاندثار. مع مشروعها الأحدث "حامض" (Sour Things)، تعمّقت في مفهوم التخمير بوصفه عملية تشاركية بين الإنسان والزمن والكائنات المجهرية، حاملة استعارة عن التحول والنمو رغم الحروب والانكسار.
تشير بامية إلى أن "حامض" بدأ تأملاً شخصياً في التخمير وسط العواصف، وتحوّل إلى رحلة داخل شقة صغيرة تُعاد صياغتها عبر كل زاوية: من المطبخ إلى المخزن والجدار وبيت الدرج، وصولاً إلى الباب والسرير والحمّام بطريقة فنية معاصرة، موضحة أن أبرز الأعمال نفذتها ضمن المشروع بشرح مبسط، وهي:
أوتار حامضة: أشكال خزفية ضخمة مستوحاة من الثوم والفلفل والقرنفل، محملة بذاكرة الطفولة والغضب والألم. الحزن بالألوان: تماثيل خزفية تستكشف الحزن الجماعي والشخصي عبر طبقات اللون والبرتقال كرمز للأرض والنكبة.
أشياء حامضة تتمثل في المطبخ: تركيب متعدد الوسائط يحوّل المطبخ إلى مساحة بين الجسد والبيت باستخدام التخمير لاستكشاف التحولات اليومية. المخزن: عمل وُلد من تجربة الحرب وقصف غزة، جعل من الملح رمزاً للأمل والصمود.
باسم برتقالة: تركيب يروي تاريخ البرتقال بين يافا والأندلس، جامعاً بين الحكايات العائلية والتهجير. السوق: عمل موقعي في سوق مهجور يعكس الزمن بين الحفظ والتحلل. مونة: مشروع يوثق المخزن بوصفه ذاكرة للحياة اليومية عبر برطمانات وأفلام ووصفات، يحوله إلى خزانة تحفظ الحكايات.
ترى بامية أن المطبخ امتداد طبيعي للفن، وتصف نفسها بالطاهية لقرب الكلمة ودفئها، معتبرة أن الأطباق ليست مجرد وصفات، بل مستودع للذاكرة الجماعية. بالنسبة إليها، البحث في التراث الغذائي الفلسطيني ضرورة عاجلة، فالأجيال التي تحمل هذه المعارف تتناقص، والحروب تسرّع اندثارها، كما يحدث اليوم في المطبخ الغزّي.

كرّست بامية أكثر من 15 عاماً من تجربتها لابتكار فضاءات تستعيد الإمكانيات في وجه المحو، إذ تتحول رموز الطعام، كالثوم والفلفل والبرتقال والملح، إلى استعارات للبقاء. عبر أعمالها، يصبح البيت والمخزن والسوق مسرحاً للتأمل في الزمن والهوية والعلاقات.
استطاعت بامية أن ترسخ حضورها فنانة معاصرة، عبر مشاركاتها في معارض ومهرجانات كبرى من شنغهاي وباريس إلى نيويورك وطوكيو وبروكسل، إضافة إلى حضورها المتكرر في أغلب المدن الفلسطينية. ونالت جوائز ومنح مرموقة، مثل جائزة غوغنهايم في زيورخ وزمالة إليزابيث كريف وزمالة CEC Arts Link في نيويورك، إلى جانب تكريم مؤسسة القطان لها، لتؤكد مكانتها في المشهد الفني محلياً ودولياً.

المساهمون