بقايا اليوم قوت الغد... حق الفلسطينيين في استعادة فضاءاتهم
استمع إلى الملخص
- مركزية قرية سيلة الظهر: يتخذ المشروع من قرية سيلة الظهر مركزاً لأنشطته، ضمن مبادرة القرى الخمسين لإحياء البلدات القديمة. تشمل الأنشطة ورشاً مجتمعية مع التعاونيات وخبراء الآثار لتعزيز الوعي بالموارد والذاكرة الجمعية الفلسطينية.
- إحياء الفضاءات العامة والمقاومة الرمزية: يعمل المشروع على إعادة الحياة إلى الأماكن المهجورة لمنع تحولها إلى بؤر استيطانية، من خلال أنشطة تفاعلية مع الأهالي، مثل إنشاء أعمال فنية وورش تدريبية، لتعزيز الحضور والمقاومة الرمزية ضد الاحتلال.
يستعيد مشروع "بقايا اليوم قوت الغد" فكرة المشاع الفلسطيني بوصفه فضاءً حياً يجمع التاريخ والذاكرة والمعرفة، من خلال تحويل بقايا الترميم إلى موارد جديدة تمنح المكان معنى يتجاوز مادّيته، ليصبح فعل بقاء ومقاومة في وجه سياسات المحو والعزل.
ينطلق المشروع من رؤية تؤكد حق الفلسطينيين في استعادة فضاءاتهم الاجتماعية والاقتصادية عبر مبادرات تشاركية تجمع بين المجتمع المحلي والتعاونيات الزراعية والفنانين والمعماريين، في مواجهة الأنظمة الاستعمارية والاستهلاكية التي تنتزع المعنى من الإنسان والأرض على حد سواء.
يتخذ "بقايا اليوم قوت الغد" من قرية سيلة الظهر جنوب جنين مركزاً لأنشطته، نظراً لرمزيتها المعمارية والاجتماعية، ضمن مبادرة القرى الخمسين التي تقودها مؤسسة رواق لإحياء البلدات القديمة ومواجهة التفتت الجغرافي الذي فرضه الاحتلال. وتشمل التجربة ورشاً مجتمعية مع التعاونيات وخبراء الآثار، في خطوة تهدف إلى إدارة البقايا بوصفها مدخلاً لاستعادة الوعي بالموارد والذاكرة الجمعية الفلسطينية.
يندرج المشروع ضمن مبادرة "لنستعد المشاع" التي أطلقتها مؤسسة المورد الثقافي في الذكرى العشرين لتأسيسها، بالشراكة مع مؤسسة عبد المحسن القطان، وبدعم من مؤسسات ثقافية مستقلة مثل اتجاهات ونواة. وتعمل المبادرة على بناء مسار إبداعي تشاركي يربط الفنانين بالمؤسسات والمبادرات، احتفاءً بالمشاريع التي تتبنى مقاربات تعاونية في الفكرة والتنفيذ والملكية والعائد.
تقول إسراء القاضي، منسقة البرنامج الثقافي في مؤسسة رواق والمسؤولة عن "بقايا اليوم قوت الغد" إن الفكرة قامت على إعادة تدوير بقايا الترميم لإنتاج أعمال فنية تخدم المكان وأهله، واختيار سيلة الظهر لم يأتِ صدفة، فهي بلدة قديمة لم يبقَ فيها سوى بيت واحد مأهول، وتواجه محاولات إسرائيلية دائمة لعزل شمال الضفة عن وسطها وجنوبها. لذلك، فإن تنفيذ مشروع ثقافي فيها هو بحد ذاته فعل حضور ومقاومة رمزية.
توضح القاضي أن العمل على المشروع بدأ في أكتوبر الماضي واستمر حتى يونيو، متضمناً أنشطة تفاعلية واستكشافية مع الأهالي، مثل إنشاء كرسي فني ومحطات تعريفية بتاريخ المكان، وأنصاب منحوتة عند مدخل البلدة القديمة توثّق تاريخها الزراعي والشفوي، إلى جانب ورش تدريبية في التطريز والرسم، هدفت إلى إشراك المجتمع المحلي وتعزيز علاقته بموروثه الثقافي ومحيطه العمراني.
انطلق المشروع بمحاضرة نظرية تناولت تطوّر مفهوم المشاع في فلسطين، وكيف تغيّر معناه عبر الزمن. فبينما كان المشاع في الماضي أرضاً مفتوحة للجميع، أصبح اليوم يشمل فضاءات معرفية ورقمية واجتماعية - ككتاب مفتوح للقراءة العامة أو شجرة يشارك صاحبها ثمارها مع الآخرين. وتشير القاضي إلى أن المشاع ليس فكرة ماضية، بل ممارسة يومية نعيشها من دون أن نلتفت إليها كجزء من فضائنا العام.
وترى القاضي أن إحياء الفضاءات العامة اليوم يحمل بعداً وطنياً أيضاً، إذ غالباً ما تتحول الأماكن المهجورة إلى أهداف سهلة للاستيطان. ومن هنا جاءت تجربة رواق في سيلة الظهر لإعادة الحياة إلى البلدة القديمة وإشراك أهلها في استعادة المكان، حتى لا يتحول إلى فراغ قابل للمصادرة. وتقول: "وجودنا في هذه المواقع، حتى عبر نشاط بسيط أو زيارة، هو فعل مقاومة وحماية من التحوّل إلى بؤر استيطانية".
كما شكّل المشروع، بحسب القاضي، فرصة لإعادة التفكير في مفهوم العمل الميداني وتجاوز الحدود الجغرافية المفروضة. فبدلاً من البقاء في رام الله وتفادي تكاليف التنقل والحواجز، قررت الفرق المشاركة كسر العزلة التي يفرضها الاحتلال، واستعادة التواصل مع القرى والمدن رغم المعيقات اليومية، خصوصاً مع تصاعد محاولات الفصل خلال العامين الأخيرين.