جدارية جيمي جون الممنوعة: غزة والسكان الأصليون

19 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 09:12 (توقيت القدس)
جدارية للفنان الأميركي جيمي جون (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار متحف غيشيغامين في إلينوي جدلاً بعد إلغاء مشروع جدارية للفنان جيمي جون بسبب رسائل تضامن مع الفلسطينيين، مما أدى إلى إغلاق المتحف مؤقتاً.
- جيمي جون أعرب عن استيائه، مؤكدًا أن التضامن مع الفلسطينيين جزء من مسيرته الفنية، ويربط بين نضالهم وتجربة السكان الأصليين في أميركا.
- بررت إدارة المتحف قرارها بأن إدخال شعارات سياسية يُعد خرقاً للعقد، مما أثار تساؤلات حول حرية التعبير وضغوط الممولين على الفنانين.

في مدينة إيفانستون في ولاية إلينوي الأميركية، اندلع جدل واسع بعد أن أقدم متحف غيشيغامين للمجتمعات والشعوب الأصلية على إزالة جدارية كان يعمل عليها الفنان الأميركي جيمي جون، المنتمي إلى إحدى قبائل السكان الأصليين. الجدارية التي كان يفترض أن تزين جدار المتحف الخارجي وتحتفي بالأساطير المؤسسة لثقافة القبائل الأصلية، لم يكتب لها الاكتمال، بعدما قررت إدارة المتحف إنهاء العقد مع الفنان، بحجة إدخال عناصر غير مصرح بها في العمل. لاحقاً، تبيّن أن الخلاف لم يكن فنياً محضاً، إذ نشر جون صوراً لجداريته الأولية تضمنت رسائل تضامن مع الفلسطينيين، مثل: "أطعموا غزة"، و"من النهر إلى البحر"، و"موّلوا الفن لا الأسلحة"، إلى جانب رموز كالبطيخ وغصن الزيتون والحمام الأبيض. وبرغم أن هذه العبارات، بحسب الفنان، لم تكن لتظهر في النسخة النهائية للجدارية، فإن المتحف سارع إلى إلغاء المشروع وطلاء الجدار، قبل أن يغلق أبوابه مؤقتاً.

جون أعرب عن استيائه في تصريحات صحافية ومنشورات عبر "إنستغرام"، مؤكداً أنه تعرض لـ"خيانة" من مؤسسة ظنّها ركيزة للمجتمع الأصلي في شيكاغو. وقال إنهم طمسوا عمله لكنهم لن يتمكنوا من محو أفكاره أو ثنيه عن التضامن مع الفلسطينيين. في منشور آخر، ربط الفنان بين النضال الفلسطيني وتجربة السكان الأصليين في أميركا، معتبراً الفلسطينيين "شعباً أصلياً" يعيش إبادة استعمارية مشابهة لتلك التي عاشتها أكثر من 500 أمة من شعوب "تيرتل آيلاند"، الاسم الأصلي لأميركا الشمالية.

من يتابع صفحته يدرك أن هذا التضامن ليس حدثاً طارئاً في مسيرته، بل موقف ثابت. فقد نشر مراراً أعمالاً تربط بين المجازر في فلسطين والإبادات التي تعرض لها أسلافه، وكتب أنه لن يغفر لمن يبرر القتل الجماعي، وأنه سيواصل مواجهة الرقابة والمطالبة بالحرية للفلسطينيين حتى لو كلّفه الأمر خسارة عمله. كما يحرص على مشاركة نداءات استغاثة من غزة، بينها دعوات للتبرع لطلاب وممرضين محاصرين تحت القصف، مؤكداً أن الفن بالنسبة له ليس ترفاً جمالياً، بل وسيلة لإبقاء الأمل حياً في أحلك اللحظات.

إدارة المتحف دافعت عن قرارها، وقالت المديرة التنفيذية كيم فيغوي إن إدخال شعارات سياسية يُعد خرقاً للعقد، مؤكدة أن التركيز يجب أن يظل على ثقافة الأنيشينابيه، وأعلنت نيتها تكليف فنان آخر بالجدارية. لكن هذه التبريرات لم تُقنع كثيرين من أبناء المجتمع المحلي الذين رأوا في الخطوة رضوخاً لضغوط الممولين وأصحاب النفوذ، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من الناشطين في قضايا السكان الأصليين يعتبرون الفلسطينيين امتداداً لمعركتهم ضد الاستعمار.

هذه الحادثة ليست معزولة؛ إذ يواجه فنانون وأكاديميون وصحافيون في الولايات المتحدة ضغوطاً متزايدة بسبب مواقفهم المؤيدة لفلسطين. وقد ألغيت محاضرات ومعارض فنية لأسباب مشابهة، ما يثير أسئلة حول حدود حرية التعبير في بلد يتباهى بحمايتها. فهل يحق للفنان دمج قضايا سياسية ضمن أعماله حتى لو لم تكن جزءاً من التكليف؟ وهل من المنصف معاقبته على رسائل أولية لم تكن ستظهر في العمل النهائي؟

علوم وآثار
التحديثات الحية

بالنسبة لجيمي جون، المعركة لا تزال مستمرة. فهو يواصل الكتابة والرسم، متمسكاً بإيمانه بأن الفن جبهة مقاومة في وجه الإبادة والرقابة. في آخر منشوراته كتب: "كل شهيد كونٌ كامل.. وسأظل متمسكاً بإنسانيتي، رافضاً أن يبتلعني الصمت أو اللامبالاة". هكذا، تحولت جداريته الممنوعة إلى رمز يتجاوز الجدار نفسه، رمز لصراع أبعد بين الحرية الفنية وحدود الرقابة، بين إملاءات المؤسسات وحق الشعوب في أن تُسمِع أصواتها، من أميركا إلى فلسطين.

المساهمون