دكتور فيل في مواجهة نفسه: الأصل والنسخة الساخرة

02 ديسمبر 2024
اللقاء كان جزءاً من حملة ترويج كتاب جديد لد. فيل (نتفليكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعكس عودة دونالد ترامب للساحة السياسية ظاهرة ثقافة الاستعراض، حيث تمتلك النسخ الساخرة تأثيرًا مشابهًا للأصل، كما يظهر في عروض الكوميديا مثل "Adam Ray Is Dr. Phil UNLEASHED" على نتفليكس.
- أصبحت الكوميديا أداة سياسية، حيث يتقمص الكوميديون شخصيات سياسية بارزة، مما يساهم في ترسيخ الأفكار ضمن الوعي العام ويثير الجدل حول شرعية النسخ الساخرة وتأثيرها.
- اللقاءات بين الشخصيات الحقيقية ونسخها الساخرة تُستخدم للترويج والربح، مما يعكس تأثير الرأسمالية الاستعراضية على سوق الاستهلاك.

تبدو عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة أشبه بمحاكاة ساخرة لولايته الأولى، كونه محاطاً بالشخصيات الترفيهيّة التي تمتلك مناصب سياسيّة الآن. لكن هذا ليس إلا واحداً من أعراض ثقافة الاستعراض في أميركا نفسها، التي أصبحت فيها النسخ الساخرة ذات سطوة تشابه التي تملكها الشخصيات الحقيقية.
يتضح ما سبق في عرض الكوميديا الذي بثته "نتفليكس" أخيراً بعنوان Adam Ray Is Dr. Phil UNLEASHED  الذي يجلس فيه آدام راي (بوصفه د. فيل) إلى جانب د. فيل الحقيقي، لنرى أنفسنا أمام الأصل والنسخة الساخرة في تداخل يثير القشعريرة، إذ تتلاشى المسافة بين النسخة والأصل حد الحوار وتبادل وجهات النظر والإطراءات، خصوصاً أن راي سبق أن قدم عرض "د. فيل مباشرة" عبر "يوتيوب".
هذه الظاهرة ترتبط بتحول الكوميديا إلى أداة سياسية في الولايات المتحدة، إذ يظهر أيضاً شاين غيليس بوصفه دونالد ترامب وآدم راي كجو بادين. هي نسخ ساخرة لا نقاش حولها، لكن سابقاً كانت ضمن "ساترداي نايت لايف" في فقرة قصيرة يتواجه فيها الأصل والنسخة، كما حصل حين لعبت تينا فاي دور المرشحة للرئاسة سارا بايلن، ولعبت كايت ماكينون دور هيلاري كلينتون. لكن اليوم أصبح الكوميديون في مكان يحاورون فيه المرشحين للرئاسة، كحوار حسن مناج مع بيرني ساندرز، وجو روغان مع دونالد ترامب.
هذه النسخة الساخرة تمطر وسائل التواصل الاجتماعي بالمقاطع المجتزأة، وتعيد إنتاج الرسالة السياسية بصورة كوميديّة. نعم هي كوميديا ومضحكة وغير جديّة، لكن ترسيخ الحضور الدائم شكل من أشكال الحفاظ على هذه الأفكار ضمن الوعي الجمعي، سواء كان الأمر مزاحاً أم جاداً.
ماذا يعني أن يشاهد شخص نسخته الساخرة؟ نحن أمام مفارقة مضحكة نعم، لكنها في الوقت ذاته مثيرة للجدل: لقاء النسخة الساخرة مع الحقيقية يكسب شرعيّة من نوع ما، ليس فقط للأصل، بل للنسخة أيضاً، خصوصاً في حالة د. فيل المحاط بالشبهات حول آلية عمل برنامجه، ودور المنتجين في ابتزاز الضيوف عاطفياً، وأحياناً إجبارهم على الخروج إلى الخشبة. لا ننسى أيضاً الربح، فاللقاء بين النسخة والأصل على "نتفليكس" كان جزءاً من حملة الترويج لكتاب د. فيل الجديد، الذي نراه في وسط الخشبة على طاولة. في النهاية، نحن أمام استعراض هدفه المبيعات، أي الربح، بوصفه قانون الرأسمالية الاستعراضية الذي يحكم سوق الاستهلاك.
تبدو العلاقة بين د. فيل ونسخته الكوميدية مُلتبسة، إذ يتبادلان الإطراءات والسخرية، وفي الوقت نفسه يختبر الأصل مدى معرفة النسخة في تفاصيل حياة من قرّر لعب دوره، إذ يحاول د. فيل الأصلي أن يثبت أنه الأصل، وأن آدام راي يقلد الأسلوب وليس المحتوى والقدرة على الارتجال و"معالجة" المشكلات التي يواجهها الأفراد خلال برنامج تلفزيوني، كما يفعل د. فيل. لكن، ضمن هذه الصيغة بالذات تكمن المشكلة، أن يظن أحدهم أنه يمتلك سلطة "العلاج" الآني والسريع والنصيحة العميقة متجاهلاً دور الكاميرا، ودور رأس المال الذي جعل من د. فيل واحداً من أغنى مقدمي البرامج التلفزيونية، ليس أغنى طبيب، بل مقدم برامج، وهذا بالضبط ما يجب ألا ننساه.

هذه المواجهة أمست أمراً متكرّراً في وسائل الإعلام. لم يعد المهم مناقشة الأفكار، بل المواجهة بين الأشخاص، سواء كنا نتحدث عن جوردن بيترسون VS سلافوي جيجيك، أو مايك تايسون VS جايك بول. لا يهم مضمون الأفكار أو وجهات النظر، بل القدرة على المنازلة، حتى لو لم تكن متكافئة، ما يهم هو الاستعراض فقط.

المساهمون