استمع إلى الملخص
- تجربة التمثيل والتعاون مع المخرجين: شارك في فيلم "أناشيد آدم" وأشاد بالمخرج عدي رشيد، لكنه أعرب عن خيبة أمله من تجارب أخرى بسبب نقص الدعم وسوء الإدارة.
- التحديات والآمال في السينما العراقية: يرى أن التمويل والإنتاج هما أكبر التحديات، ويؤكد على الحاجة لدعم حقيقي ومحترفين لبناء بنية تحتية قوية.
في رصيد علي ريسان، المخرج العراقي المقيم في السويد، أفلامٌ روائية قصيرة، كـ"الأمكنة المشاكسة"، عن ذاكرة الأنصار الشيوعيين في شمالي العراق، و"صاعد السلالم"، عن ذاكرة أبناء قلعة كركوك أربخا، والوثائقي "مرثية بزيبز"، عن وجع النازحين العراقيين بسبب الحرب مع "داعش".
أنجز أخيراً "دابادا.. صرخة حسن مطلك"، عن حياة الأديب حسن مطلك (1961 ـ 1990). ويتهيأ لإنجاز جديده "بياض"، الذي سيُصوّره بين محافظة كركوك وإحدى قرى محافظة السليمانية.
هنا حوار "العربي الجديد" معه:
كان لك أخيراً دور البطولة في "أناشيد آدم"، الفيلم الجديد لعدي رشيد. كيف تمّ اختيارك له؟ ماذا عنه؟
عدي رشيد وأنا صديقان منذ ما قبل مغادرتي العراق مُكرهاً نهاية عام 1998 إلى السويد. قبل فترة، أخبرني أنّه ينوي تحقيق فيلم، فالتقينا في بغداد. رشّحني لشخصيتين ضمن رؤيته "مله عبود"، العرّاب الروحي للفيلم. عند قراءتي السيناريو، أُعجبت به. إنّه ينتمي إلى الواقعية السحرية. كذلك، أُعجبت ببيئته وتحوّلاته الزمكانية، فكانت تجربة احترافية بكل معنى صناعة سينما حقيقية. بدأت منذ التحضيرات الأولى.
سعيدٌ بهذه التجربة، لأنّ رشيد يشتغل بصدق ووعي على أدقّ تفاصيل حرفة السينما، إضافة إلى حرفة اختيار فريق العمل من ممثّلين وفنّيين.
ماذا عن جديدك "دابادا.. صرخة حسن مطلك": فكرته؟ موضوعه؟
منذ أكثر من عامين، أوثّق سفر لوركا العراق، الأديب والروائي الشهيد حسن مطلك. لكنّي كنت أُصدَم بالوعود الكاذبة، وبقلّة حيلتي. إلى أنِ التقيت الدكتور أحمد فكاك البدراني، وزير الثقافة، الذي بادر إلى دعم المشروع بمبلغٍ أعانني على تكملته، علماً أنّي ساهمت في إنجازه من حسابي الخاص.
إنّه دوكودراما، يتناول حياة مطلك منذ طفولته، إلى شهادات عنه. أتطرّق إلى تفرّده منذ أنْ كان صبياً، وإلى أسلوبه المغاير في الكتابة، فهو يمزج مناهل فنية عدّة في قصصه.
يعني أنّك تتناول جانباً من سيرته، علماً أنّك اخترت عنوان رواية له لتكون عنوان الفيلم ("دابادا"، 1988 ـ المحرّر)؟
الروائي الراحل جبرا إبراهيم جبرا قال عن "دابادا" التالي: "لم أكنْ أتصوّر أنّ كاتب هذه الراوية العظيمة في سنّ العشرينيات. إنّها رواية مغايرة". اخترت دابادا عنواناً للفيلم، مُضيفاً إليه "صرخة حسن مطلك"، لأنّ اسمها اقترن به، هو الذي كتبها بأسلوب مغاير. إنّها تمرين روائي جديد في الواقعية. أضف أنّ مطلك تنبّأ برحيله قبل بلوغه 30 عاماً في رواية "قصة الضحك في أورا" (صدرت طبعتها الأولى عن "دار دون كيخوته" في دمشق عام 2003، أي بعد إعدامه شنقاً في 18 يوليو/تموز 1990 بتهمة مشاركته في محاولة انقلاب ضد النظام الحاكم ـ المحرّر). الراحل صديقي. كنا معاً قبل اعتقاله بثلاثة أيام. ظلّ رحيله غصّة في روحي، وما زالت. لذا، آثرت التوثيق له ولجميع الشهداء الأحرار. هذا جزء من الوفاء لحياته ومنجزه الثري، هو الذي يُكنّى بلوركا العراق.
فيلمي هذا مستمدّ من روح حسن مطلك، المطلق في الريح. ربما سيكون قصيدة سينمائية، إنْ جاز لي التعبير.
في فيلمك القصير "الأمكنة المشاكسة"، تناولت تجربة الأنصار الشيوعيين في جبال كردستان العراق، في ثمانينيات القرن الـ20. بحسب علمي، إنّه الفيلم الوحيد الذي تناول هذه التجربة. هل كنت أحد المشاركين فيها؟ ألا ترى أنّ هذه التجربة تحتاج إلى التوثيق أكثر؟
لم أخض التجربة الأنصارية. لكنّي، منذ صباي، عاشقٌ للإنسانيّ الثوري تشي غيفارا، لأنّ وعيي تشكّل باكراً في فرقة المسرح التجريبي في كركوك عام 1979، وغالبية مؤسّسيها تنتمي إلى الفكر الماركسي، وبعضهم منضمّ إلى تنظيمات شيوعية. من هنا ترسّخت لديّ فكرة أنّ النضال لا بُدّ أنْ يُتوَّج بالثورية.
عند وصولي إلى السويد، تعرّفت إلى من أصبحنا أصدقاء منفى ومهجر وانتماء وقضية. أغلبهم منخرطون سابقاً في الحركة الأنصارية. لذا، "الأمكنة المشاكسة" جزء من الوفاء لجميع الشهداء النبلاء في التاريخ.
أمّا ما يخص التوثيق، فإنّ حلمي كامن في إخراج روائيّ طويل عن شهداء الحركة الأنصارية. ربما سيكبّلني الدعم المادي، مع أنّنا لدينا البيئة والدعم اللوجستي لذلك. لكنْ، كما تعرف، السينما المحترفة تحتاج إلى دعم مادي، وأنا لا أزال أحلم بإخراج روائي طويل يُشبه الأفلام العظيمة التي أنتجت لتخليد غيفارا الثائر.
عملت مع مخرجين عراقيين، كهادي ماهود وطارق الجبوري. من في رأيك المخرج الذي تعامل مع موهبة علي ريسان بدراية؟
تجربتي مع الصديق ماهود جميلة، لكنْ ينقصها الدعم المادي. حين يُكبَّل المخرج بميزانية بائسة، ينعكس هذا سلباً على كلّ مفاصل الفيلم. في "سائق الإسعاف" مثلاً، عملت من دون أجر، لمساندة ماهود.
مع الجبوري مثّلت بكل احتراف، إلى جانب أفرادٍ درّبتهم شخصياً. لكنْ، بكلّ مرارة وللتاريخ، كان الـ"كاست" والمخرج غير معنيّين وغير احترافيين، وهمّهم الوحيد تقاضي مبالغ العقود الخرافية التي وفّرها مشروع "بغداد عاصمة للثقافة". إنّها تجربة بائسة، إذْ تعرّضنا لحالات تسمّم بسبب رداءة "كاست" الإنتاج، وتعرّضت أنا شخصياً لتزوير عقدي، فتقدّمت بدعوى قضائية إلى القسم القانوني في "دائرة السينما والمسرح".
أمّا أجمل من تعامل معي باحتراف الصديق الجميل عدي رشيد في "أناشيد آدم".
المشكلة الأهم في صناعة الفيلم العراقي التمويل والإنتاج. أترى في المنحة المالية الكبيرة للسينما، المُقدَّمة من الدولة، حلّاً لها؟
أبداً. الدول المتحضرة جعلت ميزانية الثقافة مرادفة للدفاع والخارجية والتعليم، إلا العراق. فالقائمون على القرار يعتبرون أنّ الثقافة والفن كماليّان. المنح والهبات لا تصنعان ثقافة وفناً. السينما صناعة وحرفة وإنتاج، وتحتاج إلى دعم لبناء صالات، والحصول على أجهزة، وتنظيم دورات، وإنشاء مدينة إعلامية كبيرة، كما في مصر والمغرب. حتى المنح، أحياناً كثيرة، لا تخضع لمقاييس الاحتراف الحقيقي، وعندما تستند إليها، تخضع للعلاقات والمحسوبيات.
ماذا عن المشهد السينمائي العراقي الآن؟
بشكل عام، لا يزال المشهد السينمائي العراقي يحبو. لكنّي متفائل بالشباب الجدد من مخرجين وفنّيين، لهم تجاربهم الخاصة والرائعة. السينما صناعة، والصناعة تحتاج إلى محترفين ورعاة يحملون ضمير وطن ومواطنة حقّة.