عن التليلي والدسوقي... الطيبون يغادرون سريعاً

24 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 18:00 (توقيت القدس)
لوحة للرسام الأميركي فيتز هنري لاين (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فقدنا السعيد الدسوقي بعد صراع طويل مع المرض، حيث كان يواجه الألم بصبر وابتسامة، محاولاً تخفيف حزن وقلق زملائه وأصدقائه الذين كانوا يزورونه في المستشفى.
- وليد التليلي، مدير مكتب "العربي الجديد"، أعلن عن إصابته بورم قبل شهرين، مؤكدًا استمراره في العمل رغم المرض، وترك رسالة مؤثرة لزملائه، مشيرًا إلى إمكانية الشفاء بإذن الله.
- وليد كان رمزًا للإعلام التونسي والعربي، معروفًا بأخلاقه الرفيعة وتواضعه، وترك أثرًا لا يُنسى في قلوب زملائه وأصدقائه.

خمسة أيام مرت، كنت خلالها أتأمل كيف تتعدد طرائق الموت، ويطاردنا طائره الكئيب من سبل مختلفة، متعددة، متباينة، وفاجعة؛ فقد رحل صديقي الزميل السعيد الدسوقي، بعد سنين يكابد فيها أهوال مرض عضال ينال من جسده، وهو بيننا يهيئنا للحظة الرحيل وألم الفراق.

أزوره مع الأصدقاء والزملاء في بيته، وفي أكثر من مشفى في الدوحة، ننظر إليه وما يعتري وجهه من تغيّرات تبعث لنا الرسالة المتكرّرة باقتراب لحظة الوداع، يوصيني على أسرته وأنا أقطع حديثه سريعاً، وأكذب على نفسي وعليه؛ بأنه بخير وأنه سيفعل ما يوصيني به بنفسه، وتتقلب أبصارنا، مجموعة الزائرين، ونهرب من حقيقة أنه يقترب من أن يتحرّر جسده من هذه الآلام التي تعصف بجسده، وهو صابر محتسب، إن لم تسعفه ضحكته، فيبتسم راضياً، ليخفف عنا ما يراه في أعيننا من حزن وقلق.

نطلب منه أن يتخفف ولو قليلاً من مشقة وإرهاق العمل، ويرجوه الزملاء في قسم التدقيق، وإدارة التحرير أن يفعل هذا، وهم سيقومون بمهامه مؤقتاً، وهو يصرّ على أن يكون في العمل.

يدخل المكتب، ليسلم على الجميع، وقد وهنت عظامه، وهو خفيض الصوت أصلاً، أدباً وتواضعاً، فينخفض إيقاع صوته، ويرحل.

قبل شهرين تقريباً، كانت هذه رسالته للزملاء والأصدقاء الأعزاء:

"تحياتي

أرجو أن تكونوا جميعاً بألف خير.

بكل أسف أبلغني الأطباء أنّني مصاب بورم يستوجب فترة من العلاج، مؤكدين إمكانية الشفاء منه بإذن الله.

لا أعرف تحديداً ما تقوله لوائح المؤسّسة في هذه الحالة، ولكن سأبدأ بإجازة مرضية، وسأتابع مع الزملاء بكل ما أوتيت من جهد.

حفظكم الله جميعاً

وليد".

هو وليد التليلي، مدير مكتب "العربي الجديد"، في رسالته الأخيرة، وقبل كل هذا، وبعده، ومعه، هو أحد إخوتي الذين لم تلدهم أمي يرحمها الله، يشاركني شهر وسنة الميلاد، وحب الزمالك، والأفريقي، والمنشاوي، ومصطفى إسماعيل، وأم كلثوم، وعبد الوهاب، وكثر من المواهب والمبدعين في مجالات شتى.

خفّفت عنّا التكنولوجيا، مهمة رصد وتوثيق مسيرته الحافلة في الإعلام التونسي، والعربي، صوتاً إذاعياً فريداً، طوال عقود، ومحاوراً وصحافياً متميزاً، عبر أكثر من عشر سنوات، يستطيع محبوه والعارفون به أن يجدوا كل ذلك وأكثر، لكن الذين أسعدهم القدر بزمالته وصداقته، ربما هم فقط الذين يمكنهم أن يوثقوا كيف كان، صعبة "كان" يا وليد لكنه قضاء الله فينا، نعم كان تجسيداً حياً ملهماً لمعنى أن تكون قبل وبعد ومع كل عمل "إنساناً، راقياً، مهذباً، متواضعاً، ذا خلق رفيع، تترجمه في مهنية عالية بغير ادعاء ولا ثرثرة".

رحل السعيد الدسوقي، ورحل وليد التليلي.

وهكذا يغادرنا الطيبون سريعاً، فاللهم صبراً جميلاً.

المساهمون