استمع إلى الملخص
- كلا الفيلمين يتناولان موضوعات الأبوّة والمسؤولية، حيث يواجه الشابان تحديات جديدة في حياتهما، مما يثير تساؤلات حول الهروب والخوف من المستقبل.
- رغم الكليشيهات المعتادة، يتيح الفيلمان مساحة للتأمل والاستمتاع بجمال الطبيعة والتمثيل الهادئ، مع تساؤلات خفية حول المصالحة والبحث عن إجابات.
بمشاهدة "ضيف" (أو "الزائر" بحسب العنوان الإنكليزي) لفيتوتاس كاكْتوس (ليتوانيا) ـ الفائز بجائزة أفضل إخراج، في مسابقة الكرة البلورية للدورة 59 (4 ـ 12 يوليو/تموز 2025) لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي" ـ و"كيف يبدو المكان أخضر إلى هذه الدرجة؟" (أو "كيف أصبح كلّ شيءٍ هنا باللون الأخضر؟" بحسب العنوان الإنكليزي) للصربيّ نيكولا لاجايْتش (مسابقة بروكسيما)، تُطرح كليشيهات مُتداولة: رحلة في الجغرافيا والروح، سعيٌ إلى مصالحة مع الذات والآخر، اغتسالٌ لاستعادة الذات من خرابٍ أو ألمٍ أو خيبة، إلخ.
فالأول يُصوّر عودة شاب، في منتصف ثلاثينياته، إلى بلدته النرويجية، لبيع منزل العائلة (الحجّة الظاهرة)، فإذا به يقوم بتلك الرحلة، ويسعى إلى تلك المصالحة، ويغتسل روحياً كمن يرغب في استعادة الضائع فيه ومنه. والثاني يرافق شاباً، يبلغ العمر نفسه للشاب الأول، في رحلة إلى بلدته الكرواتية، رفقة والده، لدفن جدّته، فتتيح الرحلة فرصة كشفٍ وانكشاف، ما يؤدّي ربما إلى النتائج نفسها.
للشابين هذين مُشتركٌ آخر، غير العمر، يجمع أحدهما بالآخر: فللأول مولودٌ في أشهره الأولى، والثاني سيُصبح قريباً جداً والداً للمرة الأولى أيضاً، ما يعني، وإنْ مواربة، أنّ للرحلتين هدفاً مخفيّاً في ذات كلّ منهما: أتكون (الرحلة) "هروباً"، يُظنّ أنّه مؤقّت، من مسؤولية أبوّة، أمْ هلعاً مخبّأ في جوّانية ذاتٍ وروح من مرحلةٍ جديدة في الحياة والعلاقة؟
يُطرح السؤال، مع أنّ مسار كلّ حكاية غير كاشفٍ، مباشرة على الأقلّ، أنّ هناك خوفاً أو هلعاً، بل محاولة تبيان المعلَّق في حياة كلٍّ منهما، أو ما يبدو أنّه معلّق، رغم أنّ نهاية كلّ رحلة تختلف عن الأخرى، فالـ"ضيف" يبدو كأنّه غير راغبٍ في العودة إلى عائلته، بينما الثاني يعود رفقة والده أيضاً، الذي (الوالد) سيغفو في السيارة، موحياً بأنّ شيئاً غير النوم حاصلٌ، كأنّ الحكاية حكاية الوالد لا الابن.
لكنْ، ماذا لو تبتعد الكتابة النقدية عن كليشيهات كهذه، فتتيح للمُشاهدة الحرّة مساحة أوسع لمتعةٍ وتبصّر فقط؟ فالفيلمان يمنحان مساحة كهذه، ويحثّان على استرخاء إزاء جمال طبيعة، وهدوء حركة تمثيل، وبساطة توليف تُكمِل جماليات النصّين السينمائيين، إضافةٍ إلى تساؤلات (وإنْ خفيّة) عن مصالحة وعودة وبحث عن إجابات لأسئلة معلّقة، مع أنّ هذه التساؤلات تُحيل إلى كليشيهات معتادة.
في مقابل وفرة كلامٍ يُقال في "كيف يبدو المكان أخضر إلى هذه الدرجة؟"، والوفرة لا تعني ثرثرة بل تواصل حسّي بشري بين أفراد، يختار "ضيف" الصمتَ غالباً، فالكلام فيه قليلٌ، كأنّ البحث عن أي شيءٍ وكلّ شيءٍ، أو ربما عدم البحث عن أي شيءٍ، تحديداً بالنسبة إلى دانْيِلْيُس (داريوس شيلِناس)، أساسيّ في استكشاف غير المعروف له، بعد مغادرته بلدته تلك منذ أعوام، وقبل مغادرته أيضاً.
الأهمّ كامنٌ في أنّ مُشاهدتهما مهمّة وممتعة، رغم قسوة وقهر، ومسائل أخرى.