قبضة المحافظين تشتد على الإعلام الأميركي

19 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 09:27 (توقيت القدس)
كيميل وكولبير خلال حفل توزيع جوائز إيمي الـ71، 22 سبتمبر 2019 (فريدريك براون/ فرانس برس))
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار تعليق برنامج جيمي كيميل على شبكة "إيه بي سي" جدلاً بسبب تصريحات حول اغتيال تشارلي كيرك، مما أدى إلى اتهامات بتشويه الحقائق من التيار المحافظ، وأعاد النقاش حول حرية التعبير.
- جاء القرار بعد انتقادات من رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية وتهديدات باتخاذ إجراءات ضد الشبكة، مما أثار مخاوف من الضغوط السياسية على الإعلام، حيث اعتبره الديمقراطيون تدخلاً حكومياً.
- امتد الضغط إلى شركاء البث المحليين، وشهدت الساحة الإعلامية حالات مشابهة من التدخل السياسي، مما يعكس تهديداً لحرية التعبير والإبداع الفني.

أثارت شبكة "إيه بي سي" الأميركية ضجة كبرى في الأوساط الإعلامية والسياسية الأميركية، بعدما أعلنت تعليق برنامج المذيع الكوميدي الشهير جيمي كيميل "إلى أجل غير مسمّى". هذا البرنامج، الذي يُعدّ أحد أبرز أعمدة البث الليلي الأميركي منذ سنوات طويلة، وواحداً من أكثر المنابر التلفزيونية تأثيراً في تشكيل المزاج العام، عُلّق بعد أن وجّهت شخصيات من التيار المحافظ اتهامات حادة لكيميل، تتعلق بتصريحاته حول اغتيال الناشط اليميني البارز تشارلي كيرك. القرار، الذي وصفته مصادر داخل شبكة "إيه بي سي" بأنه "اضطراري ومؤقت"، لم يكن مجرّد إجراء إداري أو برمجي، بل تحوّل بسرعة إلى قضية سياسية ـ ثقافية متشعّبة، سطلت الضوء على التوتر بين الإعلام الأميركي والجمهور المحافظ، وأعادت فتح النقاش حول حدود حرية التعبير.

القرار الذي اتخذته الشبكة المملوكة لشركة والت ديزني جاء بعد ساعات قليلة من تصريحات مثيرة أدلى بها رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية بريندان كار الذي انتقد كيميل بشدة، واعتبر أنّ ما قاله يدخل في إطار "الكذب المنسّق على الشعب الأميركي"، ملوحاً بأن وكالته التنظيمية قد تتخذ خطوات ضد الشبكة. هذا التطور وضع واحدة من كبريات مؤسسات الإعلام الأميركي في مواجهة مباشرة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وأثار مخاوف واسعة من تزايد الضغوط السياسية على الإعلام.

خلفية الجدل

بدأت الأزمة مساء الاثنين الماضي حين استهل جيمي كيميل برنامجه بمقدمة تناول فيها حادثة اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك. قال كيميل في حديثه: "لقد بلغنا مستويات جديدة من الانحدار، مع محاولة زمرة ماغا (حركة قومية يمينية مناصرة لدونالد ترامب) بشكل يائس تصوير هذا الشاب الذي قتل تشارلي كيرك على أنّه أيّ شيء سوى أن يكون واحداً منهم، وفعلوا كل ما بوسعهم لتحقيق مكاسب سياسية من الواقعة".

لكن المحافظين اعتبروا هذه التصريحات تشويهاً متعمداً للحقيقة. فالادعاء العام أشار إلى أنّ المتهم تايلر روبنسون لم يكن ينتمي فعلياً إلى معسكر "ماغا"، بل عبّر في رسائل خاصة عن كرهه للخطاب الذي ينشره كيرك. وذكرت والدته أنّه مال أخيراً نحو اليسار السياسي وأصبح "أكثر دعماً لحقوق المثليين والعابرين جنسياً". من هنا، رأى خصوم كيميل أنّه اتّهم التيار اليميني زيفاً وحاول الاستثمار في حادثة القتل سياسياً.

تصريحات كيميل دفعت رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية بريندان كار إلى الظهور في مقابلة عبر بودكاست يميني الأربعاء، حيث وجّه اتهامات مباشرة ضد "إيه بي سي". وقال كار: "هذا جزء من جهد منسّق للكذب على الشعب الأميركي". وأردف: "يمكننا أن نفعل هذا بالطريقة السهلة أو الصعبة. إمّا أن تغيّر هذه الشركات سلوكها وتتخذ إجراءات، خصوصاً ضد كيميل، أو سيكون هناك إجراء إضافي من قبل لجنة الاتصالات". هذا التهديد العلني مثّل مؤشراً واضحاً على انخراط مؤسسات الدولة في ممارسة ضغط مباشر على الإعلام. كما أنّه فتح الباب أمام جدل واسع حول استقلالية الإعلام وحول حدود سلطة لجنة الاتصالات الفيدرالية في التدخل في مضامين البرامج التلفزيونية.

ضغوط من الأعلى على الإعلام الأميركي

بحسب مصادر مطلعة على القرار نقلت عنها صحيفة نيويورك تايمز، فإنّ تعليق برنامج "جيمي كيميل لايف" لم يكن نتيجة تشاور داخلي موسّع، بل قرار اتخذه شخصان أساسيان في "ديزني": الرئيس التنفيذي روبرت إيغر ورئيسة قطاع التلفزيون دانا وولدن، من دون العودة إلى مجلس إدارة الشركة. وكان من المقرر أن يرد كيميل على الانتقادات في حلقة الأربعاء، لكن إدارة "ديزني" منعت تسجيل الحلقة قبل ساعات من البث. هذا التسلسل الزمني، إضافة إلى تصريحات كار، عكس بوضوح أنّ القرار جاء استجابة لضغوط سياسية متسارعة أكثر مما هو نتيجة مراجعة تحريرية داخلية.

أثار القرار غضباً واسعاً بين الديمقراطيين الذين اعتبروا ما جرى مؤشراً خطيراً على تدخل الإدارة الأميركية في شؤون الإعلام. زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وصف الخطوة بأنها "مشينة"، بينما قال حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم إنّها تمثل "هجوماً منسقاً وخطيراً على حرية التعبير". في المقابل، عبّر دونالد ترامب عن ارتياحه للقرار. وفي منشور على منصته تروث سوشال كتب من قلعة وندسور إنّ تعليق البرنامج يمثل "خبراً عظيماً لأميركا".

لم يقتصر الأمر على "إيه بي سي" وحدها. فقد أعلنت شركة نكستار، التي تملك عدداً من المحطات المحلية التابعة للشبكة، أنّها ستوقف بث البرنامج "في المستقبل المنظور". وذهبت مجموعة سينكلير أبعد من ذلك حين دعت كيميل إلى تقديم اعتذار علني والتبرع مالياً لعائلة تشارلي كيرك ومنظمته السياسية Turning Point USA. هذه الخطوات أوحت بأنّ الضغط على البرنامج لن يقتصر على مستوى القرار المركزي للشبكة، بل سيمتد إلى شركاء البث المحليين الذين يخشون بدورهم من مواجهة مع المحافظين وإدارة ترامب.

أزمة حرية التعبير

الديمقراطيون وبعض حلفائهم من الإعلاميين شبّهوا ما حدث بممارسات أنظمة استبدادية. السيناتور شومر قال إنّ الخطوة تذكّر بـ"النموذج الصيني أو الروسي في قمع الإعلام"، بينما أكّد كتاب وفنانون أنّ ما جرى "لحظة خطيرة في التاريخ الأميركي" تمثل تهديداً مباشراً لحرية التعبير والإبداع الفني. النقابات الفنية دخلت على الخط أيضاً. نقابة الكتّاب الأميركية واتحاد الموسيقيين الأميركي أصدرا بيانات ندّدا فيها بقرار تعليق البرنامج، واعتبراه "تدخلاً حكومياً فجّاً" و"رقابة دولة" لا تتناسب مع تقاليد الديمقراطية الأميركية.

لم يكن برنامج كيميل الوحيد الذي طاوله المنع. فقبل أسابيع، أعلنت شبكة "سي بي إس" إلغاء برنامج "ذا ليت شو" مع ستيفن كولبير ابتداءً من مايو/أيار 2026. القرار جاء في وقت تخضع فيه شركة باراماونت، المالكة للشبكة، لعملية اندماج تخضع بدورها لتدقيق حكومي. هذا الأمر غذّى التكهنات بأنّ إلغاء البرنامج جاء في إطار سعي الإدارة لفرض رقابة سياسية غير مباشرة على الإعلام.

وفي سياق مشابه، أعلنت الصحافية كارين عطية، كاتبة العمود في صحيفة واشنطن بوست، أنها طُردت من عملها بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، عقِب اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك. عطية قالت، الاثنين الماضي، إنها عبّرت عن رفضها العنف السياسي، وعن غضبها من "فشل أميركا البيضاء في معالجة العنف المسلح،" لكن إدارة الصحيفة اعتبرت تلك المنشورات "سلوكاً مشيناً يعرّض زملاءها للخطر".

مؤسسات أخرى تخلت عن موظفين أدلوا بتصريحات علنية بشأن اغتيال كيرك، فـ"إم إس أن بي سي" طردت، الأسبوع الماضي، المحلّل السياسي ماثيو داود، بعدما قال على الهواء إن كيرك "روّج" لخطاب الكراهية. وفي بعض الحالات، يشجع مؤثّرون يمينيون متابعيهم على تمشيط الإنترنت بحثاً عن تعليقات تحتفي بالاغتيال والتواصل مع أرباب عمل أصحابها. بالنسبة لكثيرين، مثل هذه الإجراءات تمثل أداة ترهيب جديدة ضد الصحافيين الذين يتجرأون على التعبير عن آراء مخالفة، حتى خارج صفحات العمل الرسمية.

كما سبق أن رفع الرئيس الجمهوري دعاوى قضائية ضد مؤسسات كبرى مثل "نيويورك تايمز" و"إيه بي سي" نفسها. بعض هذه القضايا انتهى بتسويات مالية بلغت ملايين الدولارات، ما عزز الانطباع بأنّ الإدارة تستخدم الوسائل القضائية والرقابية لمعاقبة وسائل الإعلام الناقدة.

المساهمون