استمع إلى الملخص
- تعرض الصحافيون في غزة لاستهداف مباشر، مثل المصور سامر أبو دقة وشيرين أبو عاقلة، دون نتائج ملموسة من التحقيقات التي أُسندت إلى "آلية" تقصي الحقائق التابعة للجيش الإسرائيلي.
- تُستخدم الدائرة القانونية الإسرائيلية لحماية إسرائيل من الملاحقة القضائية الدولية، وتُتهم الصحافيين القتلى بأنهم "إرهابيون"، مما يعرضهم لمزيد من المخاطر.
منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتلت قوات الاحتلال أكثر من 210 صحافيين وعاملين في المجال الإعلامي، وفقاً لإحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، وهي الحصيلة الأكثر دموية في تاريخ الصحافة، مع مباشرة لجنة حماية الصحافيين جمع وتوثيق البيانات في 1992. قبل العدوان الحالي المتواصل على غزة، قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 18 صحافياً فلسطينياً ومراسلين أجنبيين، وفقاً للجنة حماية الصحافيين منذ عام 2001. لم يتهم أو يحاسب أي شخص على الإطلاق في هذه الجرائم.
وسلط أكثر من تحقيق استقصائي الضوء على آليات الإفلات من العقاب التي تتبعها سلطات الاحتلال، آخرها ما نشر ضمن الجزء الثاني من "مشروع غزة" الذي عمل فيه 44 صحافياً وباحثاً من 12 وسيلة إعلامية، وبدعم شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية" (أريج) ومؤسسة "فوربيدن ستوريز" غير الربحية. خلص التحقيق إلى أن كل جرائم قتل الصحافيين الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي تمر من دون عقاب حتى في حالات الاستهداف الواضح، وسلط الضوء على جهود منسقة من قبل الوزارات الإسرائيلية والمنظمات غير الحكومية الإسرائيلية ذات الصلة بالحكومة لقمع المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني والأجنبي، ووجد أن جيش الاحتلال يحاول، عبر آليات المساءلة التي وضعها، منع المحكمة الجنائية الدولية من تحديد القضايا والتحقيق فيها، من دون تجاهل حقيقة أن إسرائيل وصمت الصحافيين والمنظمات غير الحكومية بالإرهاب بشكل ممنهج، بلا أي أدلة على ادعاءاتها.
في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، أصيب المصور في قناة الجزيرة، سامر أبو دقة، بهجوم بطائرة مسيّرة إسرائيلية، في أثناء تصويره الدمار الذي لحق بخانيونس جنوبي قطاع غزة. منعت القوات الإسرائيلية سيارات الإسعاف من الوصول إليه، ما حرمه الحصول على الإسعافات الطبية لأكثر من خمس ساعات، فاستشهد وإلى جانبه سترته الصحافية. في 11 مايو/أيار 2022، قتل قناص إسرائيلي مراسلة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة، في أثناء تغطيتها مداهمة لجيش الاحتلال في مدينة جنين، وكانت ترتدي أيضاً سترتها الصحافية. في 6 إبريل/نيسان 2018، قتل قناص إسرائيلي المصور ياسر مرتجى، على الرغم من ارتدائه سترة مكتوباً عليها صحافة، في أثناء تغطيته مسيرات العودة الكبرى.
يستند التحقيق المنشور ضمن "مشروع غزة" إلى هذه الجرائم الثلاث للإضاءة على إفلات مرتكبيها، كل مرة، من المحاسبة. إذ لم يُتخذ أي إجراء جنائي أو تأديبي بحق الجندي الإسرائيلي الذي قنص أبو عاقلة، ولا تزال قضيتا مرتجى وأبو دقة من دون بتّ. وبعد أن أثارت القضايا الثلاث انتباه المجتمع الدولي، أُسندت إلى "آلية" تقصي الحقائق، التابعة لهيئة الأركان العامة بالجيش الإسرائيلي، من دون إعلان أي نتائج. أُنشئت هذه الآلية عام 2014، وتجري هيئة الأركان العامة لتقصي الحقائق تحقيقات أولية في جرائم الحرب المشتبه فيها، وتقدم المشورة للمدعي العام العسكري بشأن فتح تحقيقات جنائية من عدمه.
عام 2024، نشرت منظمة يش دين، وهي منظمة مكرسة لحماية حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، تقريراً يكشف أنه من بين 664 شكوى وجهت إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي على مدار العقد الماضي، أُغلِق 81.6% من هذه الشكاوى من دون تحقيق، فيما وصل ما نسبته 0.17% من الشكاوى إلى القضاء. في التحقيق، قال مدير مركز الأمن والديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية والرئيس السابق لقسم القانون الدولي بالنيابة العسكرية العامة الإسرائيلية، عيران شامير بورير: "لا ينبغي للمرء أن يتوقع عدداً كبيراً من لوائح الاتهام المتعلقة بالسلوك العملياتي للجيش… انظر إلى أي جيش في جميع أنحاء العالم؛ المملكة المتحدة، أو أستراليا، أو الولايات المتحدة الأميركية، لوائح الاتهام نادرة للغاية". ورأى أن وجود مثل هذا القسم القانوني "مؤشر على الأهمية التي يوليها الجيش الإسرائيلي للقانون الدولي".
يشير خبراء ومنظمات دولية إلى أن هذه الدائرة القانونية، بدلاً من أن تكون أداة للمساءلة، تبقى وسيلة لحماية إسرائيل من التدقيق والملاحقة القضائية الدولية. وعلى وجه التحديد، يمكن لإسرائيل، من خلال تقييد التحقيقات، أن تُحبط جهود المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم الأفراد على جرائم الحرب، والتي تعمل بموجب مبدأ يعرف باسم "التكامل"؛ أي إن القضية لا تُقبل إذا كانت هناك محاولة حقيقية للنظر في الجرائم نفسها أمام محكمة محلية. ووفقاً لمذكرة داخلية من مكتب المدعي العام الإسرائيلي اطلع عليها معدو التحقيق، فإن آليات التحقيق رغم أنها تبقى ضرورية لسيادة القانون، فإنها تعمل أيضاً كإطار لحماية ممارسات السلطة الإسرائيلية من الملاحقات القضائية الدولية والأجنبية.
وقال أستاذ القانون الدولي في جامعة بروكسل الحرة، فرانسوا دوبويسون، إن إسرائيل لم تفِ بمسؤولياتها بموجب القانون الدولي، تجاه التحقيق في مقتل الصحافيين، ما يتيح فرصة مناسبة للمحكمة الجنائية الدولية للتدخل في هذه القضايا. وأشار إلى أنه حتى في الحالات النادرة التي تنتهي بإدانات، "تكون العقوبات مُخففة على نحو لا يتناسب مع خطورة الجرائم".
وردت وزارة العدل الإسرائيلية على أسئلة وجهها معدو التحقيق حول هذه المسألة، بالقول إنه إن "أثارت ادعاءات ذات مصداقية مخاوف من احتمال وقوع انتهاك للقانون الدولي الإنساني، فإن النظام القانوني الإسرائيلي مستعد وقادر على فحص هذه الادعاءات بشكل أفضل من المحاكم الأجنبية أو الدولية".
في هذا السياق، وجد التحقيق أن وزارة العدل الإسرائيلية توسع دائرة التنسيق، لا لتشمل وزارة الخارجية فحسب، بل أيضاً أطرافاً متعاطفة معها في المجتمع المدني، لمحاولة قطع التمويل عن المنظمات التي تقود إجراءات قانونية في المحاكم الإسرائيلية والدولية على حد سواء، بينها "مرصد المنظمات غير الحكومية"، وهي مجموعة مناصرة يمينية إسرائيلية تقوم بحملات ضد المنظمات الدولية التي تنتقد إسرائيل، وهي جزء من شبكة عالمية من المنظمات التي تربطها علاقات وثيقة بوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية.
إلى ذلك، زعمت سلطات الاحتلال أن عدداً من الصحافيين الذين قتلتهم في غزة هم "إرهابيون"، وبينهم مراسل "الجزيرة" إسماعيل الغول الذي استشهد في 31 يوليو/تموز 2024 وحسام شبات الذي استشهد في 24 مارس/آذار 2025 وحمزة الدحدوح ومصطفى ثريا اللذان استشهدا في 7 يناير/كانون الثاني 2024. قبلهم، قتلت إسرائيل ياسر مرتجى عام 2018، وبالتزامن مع ذلك زعم وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك، أفيغدور ليبرمان، أنه كان "عضواً في الذراع العسكرية لحماس". لكنّ صحيفة واشنطن بوست ذكرت أن مرتجى خضع قبل استشهاده للتدقيق من قبل الحكومة الأميركية لتلقي منحة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لدعم شركته للإنتاج "عين ميديا"، ما يشير إلى أن عملية التدقيق الصارمة التي قامت بها الولايات المتحدة برأته من أي "علاقات متشددة". في هذا السياق، حذرت لجنة حماية الصحافيين من أن "محاولات تشويه سمعة الصحافيين الذين يقومون بعملهم، ونزع الشرعية عنهم وتجريمهم؛ ما هي إلا محاولات شائنة وغير مسؤولة، لأنها تعرّض الصحافيين لمزيد من المخاطر".