متحف الهولوكست... "لن يتكرر أبداً" إلا مع الشعب الفلسطيني

15 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 07:45 (توقيت القدس)
يغادرون مواقع يشتدّ فيها قصف الاحتلال على مدينة غزة، 13 سبتمبر 2025 (حسن الجدي / الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار منشور متحف الهولوكوست في لوس أنجليس جدلاً واسعاً بعد اعتباره إدانة ضمنية للإبادة في غزة، مما أدى إلى حذفه والاعتذار عنه تحت ضغوط سياسية.
- تزامنت الأحداث مع احتجاجات عالمية ضد الحرب على غزة، حيث شاركت منظمات حقوقية وأصوات يهودية تقدمية في تظاهرات ربطت بين الإبادة في الماضي والمجازر الحالية.
- أثارت الاحتجاجات نقاشات حول ازدواجية المعايير، حيث قارن المتظاهرون بين ضحايا غزة والمحرقة، مشيرين إلى أن سياسات إسرائيل الحالية تفرغ شعار "لن يتكرر أبداً" من معناه.

شهدت مدينة لوس أنجليس في الأيام الماضية سجالاً واسعاً بعد أن نشر متحف الهولوكوست في المدينة الأميركية رسالة على منصة إنستغرام تحمل الشعار اليهودي الشهير: "لن يتكرر أبداً"، قبل أن يسارع إلى حذفها والاعتذار. المنشور بدا للوهلة الأولى جزءاً من حملة إنسانية رافضة للظلم والتطهير العرقي، لكنه سرعان ما تحوّل إلى قضية رأي عام لارتباطه بما يشهده قطاع في غزة من إبادة جماعية يقودها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ولأنّه صادر عن مؤسسة تحمل ذاكرة الناجين من الهولوكوست.
الرسالة التي حملت صورة لأيدٍ متشابكة مختلفة الألوان، بينها يد تحمل وشم أحد المعتقلين اليهود في معسكرات النازية، أرفقت بعبارة: "لن يتكرر أبداً، لا تعني فقط عدم تكراره على اليهود". ورغم أن النص لم يذكر إسرائيل أو غزة، قرأه كثيرون إدانةً ضمنية لحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على القطاع، وقد أودى بحياة أكثر من 64 ألف فلسطيني. خلال ساعات، تجاوز التفاعل على المنشور آلاف التعليقات، التي رحبت به باعتباره موقفاً أخلاقياً شجاعاً.
بعد ساعات قليلة، حذف المتحف المنشور وكتب اعتذاراً، مؤكداً أن الرسالة أُسيء تفسيرها، وأنها كانت جزءاً من حملة تروّج التضامن والشمولية لا أكثر، وكان لافتاً هنا أن الموقع قد حظر التعليق على منشوره الأخير. غير أن خطوة التراجع فسّرها فنانون وناشطون على أنها خضوع للضغوط السياسية والإعلامية، وتراجع عن موقف إنساني كان يمكن أن يربط بين ما حدث لليهود على يد النازي، وما يفعله الاحتلال إسرائيلي اليوم بحق الفلسطينيين. ورغم منع التعليقات على المنشور الأخير، لجأ المعلقون إلى التعبير عن آرائهم في منشورات المتحف الأخرى، معتبرين أن حذف المنشور والاعتذار عن محتواه يعني قبولاً بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين. يتساءل أحد المعلقين: هل أنتم راضون عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟ ويعلق آخر: إن الإبادة الجماعية في فلسطين ليست وهماً، فنحن نرى ذلك بأعيننا... إن قول الحقيقة ليس معاداة للسامية.

ما حدث في لوس أنجليس يتقاطع مع موجة عالمية من الاحتجاجات المناهضة للحرب على قطاع غزة، برز خلالها العديد من الأصوات اليهودية المناهضة للعدوان. فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي، خرجت تظاهرات ضخمة في لندن ونيويورك وباريس وبرلين، شارك فيها يهود تقدميون، إلى جانب حركات يسارية ومنظمات حقوقية. كان من أبرز تلك الأصوات منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام التي رفعت شعار "لن يتكرر أبداً لأي شعب". وتبنّت جماعات أكاديمية وثقافية مثل "كتّاب ضد الحرب على غزة" بيانات تربط بين تجارب الإبادة في الماضي والمجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون اليوم. في نيويورك، امتلأت شوارع بروكلين وواشنطن سكوير بلازا بآلاف المتظاهرين الذين رفعوا أعلام فلسطين وهتفوا بشعارات تذكّر بالمجازر التي ارتُكبت في دير ياسين ومخيمي صبرا وشاتيلا اللبنانيين، معتبرين أن ما تشهده فلسطين اليوم يمثّل امتداداً لذاكرة طويلة من الاقتلاع والعنف. في العاصمة البريطانية، خرجت العشرات من التظاهرات التي وصفت بأنها الأكبر منذ حرب الولايات المتحدة على العراق في عام 2003، رافعين شعارات مثل "من غيتو وارسو إلى غزة: الحرية واحدة".

هذه الاحتجاجات العالمية أعطت زخماً إضافياً للنقاش حول ازدواجية المعايير في التعامل مع المآسي الإنسانية، فالمتظاهرون لم يترددوا في المقارنة بين صور الأجساد تحت الأنقاض في غزة وبين الأرشيف البصري لضحايا المحرقة، مؤكدين أن ذاكرة الضحية لا ينبغي أن تُستعمل مبرّراً لاضطهاد ضحية جديدة. لم يخل الأمر بالطبع من السجال، خاصة أن السردية الغربية لطالما تعاملت مع المحرقة النازية بحساسية مفرطة. وعلى الرغم من هذا، بات واضحاً اليوم أن قطاعاً متنامياً من المثقفين والناشطين الغربيين يرون أن إسرائيل، التي أوجدها الاستعمار ملاذاً لليهود بعد تلك المأساة، تمارس سياسات حصار وتجويع وإبادة جماعية ضد الفلسطينيين، لا تقل وحشية عن ممارسات النازيين. الفارق هنا أن الضحية السابقة تحوّلت، في نظر هؤلاء، إلى جلاد جديد، ما يُفقد شعار "لن يتكرر أبداً" الذي طالما رفعه اليهود، معناه، خصوصاً أنّه حُصر في تجربة واحدة دون سواها. يُذكر أن هذا الشعار قد ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وسرعان ما صار جزءاً من خطاب القوميين الإسرائيليين، قبل أن تعيد توظيفه حركات يسارية ويهودية مناهضة للصهيونية، رأت فيه وسيلة للربط بين ذاكرة المحرقة ورفض أي إبادة جديدة تحدث في أي مكان في العالم.

القضية التي أثارها متحف الهولوكوست لا تتعلق بمجرد منشور على منصة إنستغرام، بل بمغزى الذاكرة التاريخية نفسها، وكيف أن ذكرى المحرقة توظف اليوم درعاً تحمي سياسات إسرائيل من النقد؛ فإلى متى تستمر هذه الازدواجية الغربية في التعامل مع الجرائم الكبرى؟ سؤال مفتوح يتجدد باستمرار مع كل جريمة جديدة يرتكبها الاحتلال إسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني، أو أي اعتداء سافر في حق دول المنطقة وشعوبها. 

 

المساهمون