The Rehearsal... أن نعيش من دون أن نفقد حياتنا

21 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 09:51 (توقيت القدس)
لا تمكن معرفة ما إذا كانت مخاوف فيلدر حقيقية أو مختلقة للمسلسل (إتش بي أو)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسلسل "The Rehearsal" لناثان فيلدر يمزج بين الواقع والخيال بأسلوب مبتكر، مستكشفاً السلوك الاجتماعي والعلاقات الشخصية بعمق في إطار كوميدي، مع التركيز على شخصية فيلدر.
- يتميز المسلسل بميزانية سخية لبناء ديكورات معقدة وتنظيم برامج واقعية، مما يتيح لفيلدر استكشاف مشاكله الداخلية، مع إضافة طبقة من الغموض حول حقيقة هذه المخاوف.
- يتناول المسلسل قضايا مثل التصرف في العالم، التغلب على الخوف، وبناء الثقة بالنفس، مما يمنح الناس فرصة للتدرب على حياتهم في عالم غير متوقع.

تندرج أعمال الممثل الكندي ناثان فيلدر ضمن فئة استثنائية؛ فهو مُبدع فريد من نوعه في هذا النوع التلفزيوني الذي يصعب وصفه، وإن كان أقرب ما يكون إلى النهج البريختي. في جميع أعماله، تتشابك مفاهيم الواقع والخيال في طبقات مُتراكمة، ولكن في مسلسل The Rehearsal (البروفة)، يتجلّى هذا التداخل بوضوح لأنه يتناول هذا الموضوع مباشرةً. وكما كان الحال في الموسم الأول، تُحاول الحلقات الست من الموسم الثاني التعمّق في تفاصيل السلوك الاجتماعي، وتفاصيل العلاقات الشخصية، وتحقيق أهداف غير متوقعة. علاوة على ذلك، تأتي كل هذه القائمة النظرية في إطار عمل يُفترض أن يكون كوميدياً.

مثل الموسم الأول، يبدأ الثاني بهدف واضح ظاهرياً، ثم لا يتوقف عن الانحراف عنه. ناثان فيلدر، مخرج المسلسل ومؤلفه ونجمه (أو شخصيته الخيالية البديلة التي يؤديها بنفسه)، مهووس بحوادث تحطّم الطائرات، ومقتنع بأن معظمها ناجم عن سوء تفاهم بين الطيّار ومساعده. لديه مجلّدات تحوي حوارات قمرة القيادة (يُعيد تمثيلها مع ممثلين في أجهزة محاكاة الطيران) تُثبت أن خوف مساعد الطيّار من إخبار رئيسه بأنه يرتكب خطأً ما، ومن تولّيه زمام الأمور بنفسه، مسألة تحتاج إلى حلّ. السؤال هو: كيف نفعل ذلك؟ سيبدأ فيلدر المسلسل بإعادة تمثيل/إنشاء مطار كامل، وتوظيف طيّارين وممثلين لتأدية أدوارهم، مُتدرباً ومُختبراً طرقاً مُختلفة للتغلّب على التوتّرات التي تمنع حواراً أكثر صراحةً بين الطرفين. ستتوسّع طبيعة الحبكة تدريجياً، كما هو الحال في جميع مشاريعه (من حلقات Nathan for You إلى The Curse)، لتشمل مجالات أخرى، تشمل السياسة والموسيقى والتمثيل، والأهمّ من ذلك، نفسه.

كما في الموسم السابق، ينتقل المسلسل من العامّ إلى الخاصّ، ومن الاجتماعي إلى الشخصي، وفي نهاية المطاف يكون فيلدر نفسه - صدماته ومخاوفه وإعاقاته - هو المستودع النهائي لتلك العملية الإبداعية المعقّدة والمتراكبة. يمكن القول إن The Rehearsal يعمل مثل العلاج النفسي الأكثر تكلفة في العالم، فقد تمكّن فيه فيلدر من إقناع المسؤولين التنفيذيين في "إتش بي أو" بدعمه مالياً تحت ستار إنشاء مُنتَج سمعي بصري طموح، بينما في الواقع ما يهمّه أكثر هو حلّ مشاكله الداخلية. مع ميزانية سخية تسمح له ببناء ديكورات معقّدة، وتنظيم برنامج واقع داخلي، وتوظيف مئات الممثلين، ودفع ثمن ساعات وساعات من أجهزة محاكاة الطيران، وحتى استئجار طائرة 737، فإن المسلسل عبارة عن لعبة إبداعية متقنة تعود في النهاية إلى فيلدر نفسه، ما يسمح له بالتغلّب على بعض الشكوك والمخاوف التي تعذّبه. كل هذا، بالطبع، يمكن أن يكون لعبة أيضاً. تستحيل معرفة ما إذا كانت مخاوف فيلدر (سيراها المتفرّج ويحكم بنفسه) حقيقية أو خيالية ومُختلقة خصيصاً للمسلسل. وينطبق الشيء نفسه على كلّ شيء تقريباً.

يتجاوز The Rehearsal الخطّ الفاصل بين الواقع والخيال في كثير من الأحيان لدرجة أنه في مرحلة ما يتوقّف المرء عن التساؤل عن ماهيّة "الأمر"، مركّزاً انتباهه على مراقبة بنائه ووظيفته. لكن جوهر الاقتراح لم يعد يكمن في ذلك، بل في فهم معنى هذه العملية وهدفها، التي تقترب أحياناً مما تخيّله تشارلي كوفمان في فيلمه Synecdoche, New York الصادر عام 2008، فالآلية المبنية حول البطل شاسعة، لكن المحور الدرامي يبقى حميمياً وشخصياً، بل نرجسياً تقريباً. (ملاحظة سياقية: في فيلم كوفمان، يكافح مخرج مسرحي مع عمله، والنساء في حياته، فيصنع نسخة طبق الأصل بالحجم الطبيعي لمدينة نيويورك داخل مستودع لتكون من مسرحيته الجديدة).

قد تكون إجراءات المسلسل متطرّفة قليلاً، بدءاً من محاولة إعادة بناء حياة طيّار مشهور بأكملها لفهم قرارٍ رئيسي اتخذه في لحظة معيّنة، مروراً بإحياء بعض مواقف الطيران المحاكاة بكل ما يترتّب عن ذلك من تحديات، وصولاً إلى محاولات إنتاج مثل هذا العرض/المسلسل (هناك مشكلة يواجهها فيلدر مع منصة بثّ أخرى، وهي مشكلة مسلّية ومقلقة في الوقت نفسه) في العالم الواقعي/الحقيقي.

مواد المسلسل منظمة سردياً بطريقة قد تبدو غريبة، ولكنها تتمتّع أيضاً بتماسكٍ داخلي عميق، إذ يجيب عن كل شيء، أو يحاول الإجابة عن السؤال نفسه: كيف نتصرّف في العالم؟ يمنح ناثان فيلدر ناساً عاديين فرصة للتدرّب على حياتهم الخاصة في عالمٍ لا تسير فيه الأمور كما هو متوقّع. هل فيلدر قلِق حقاً بشأن حوادث تحطّم الطائرات؟ هل هناك بحث معمّق حول ما إذا كان سوء الفهم في قمرة القيادة السبب الحقيقي لمعظمها؟ ليس أكيداً تماماً أن هذا محور تركيزه الحقيقي. الأرجح أن أكثر ما يثير اهتمامه، وربما يقلقه، هو تفاصيل العلاقات الشخصية: كيف تخبر شخصاً ما بشيء قد لا يرغب في سماعه؟ كيف تتغلّب على خوفك من التحدّث إلى فتاة أو شابّ يعجبك؟ ما سرّ امتلاك المزيد من الثقة بالنفس وعدم السماح للآخرين بترهيبك؟ كيف تجعل الناس يحبّونك، وتكون مقنعاً، وتبدو واثقاً من نفسك؟ "البروفات" في The Rehearsal تدور حول هذا، حول معرفة إلى أي مدى يمكننا التحكّم في العالم من حولنا. والأفضل، من دون أن نفقد حياتنا في محاولة ذلك.

المساهمون