استمع إلى الملخص
- تناقصت أعداد السيخ والهندوس في أفغانستان من 250 ألف إلى 400 شخص بحلول 2021 بسبب النهب والاضطهاد، مما أجبرهم على الهجرة. تقرير 2020 أكد نهب نسبة كبيرة من ممتلكاتهم.
- تورط مسؤولون سابقون في نهب الممتلكات، وتم استرداد 1.7 مليون فدان من الأراضي الحكومية حتى سبتمبر 2023، مما يعكس التزام الحكومة بإصلاح الأوضاع.
استهدف مسؤولون حكوميون وأمراء حرب أفغان، ممتلكات عامة وخاصة في العاصمة وكبريات مدن البلاد، كانت للسيخ والهندوس الذين فروا من بلادهم للنجاة بحياتهم، لكنهم بدؤوا باستعادة ما كان لهم، عقب عودة طالبان إلى الحكم.
- عاد الأفغاني أمير سنغ إلى كابول خائفاً يترقب حقيقة وعود حركة طالبان بإعادة الممتلكات العقارية المنهوبة خلال العهد الجمهوري السابق إلى أصحابها، بعد تشكيل لجنة ومحكمة مختصة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022، وتفويضهما بالنظر في قضايا المنازل والأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة وطرد أصحابها.
تبلغ قيمة منزل سنغ، الذي ينتمي إلى الأقلية السيخية، 700 ألف دولار أميركي، ويتكون من طابقين ويقع في وسط كابول الذي سيطر عليه أحد قادة الجبهة المتحدة الإسلامية القومية لتحرير أفغانستان (تأسست في عام 1996 بقيادة أحمد شاه مسعود وقيادات حزبية لمواجهة حركة طالبان)، وعقب الوصول إلى كابول في إبريل/نيسان 2024، ذهب سنغ إلى محام عرفه قبل اضطراره إلى الهرب من البلاد والاستقرار في الهند، وأعدّا ملفاً حول تسلسل وثائق الملكية وتقدما به إلى اللجنة التي يترأسها وزير العدل في حكومة طالبان مولوي عبد الحكيم شرعي، وتضم 12 عضواً في كابول و11 عضواً في كل مقاطعة.
ما وقع بعد ذلك كان مفاجئاً، يقول سنغ، إنه في نهاية مايو/أيار الماضي قضت المحكمة، بأحقيته في استرداد المنزل الذي كانت تعيش فيه عائلة أفغانية استأجرته من القيادي الذي استولى عليه في عام 2016، ويكمل مسروراً: "ذهبت بمعية عناصر تابعين لشرطة كابول وممثلين عن لجنة منع الاستيلاء على الأراضي وإعادة الحقوق لإبلاغ المستأجر بإخلاء المنزل نهاية أكتوبر 2024، وهو ما حدث بالفعل".
تنافس أمراء الحرب على النهب
اشتعل تنافس أمراء الحرب للاستيلاء على الأراضي والمنازل في المواقع والمدن الرئيسية، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، ومن ثم سار على نهجهم أتباعهم ومن بينهم مسافر خان عبد الرحمن منغل، أحد سكان مديرية شينواري بولاية ننغرهار شرقي البلاد، الذي أجبر مواطناً من الأقلية الهندوسية على بيع منزله الواقع في منطقة أنغور باغ بمدينة جلال آباد، كما روى لـ"العربي الجديد": "في بداية عام 1993، ذهبت ليلاً بمعية رجالي إلى بيت الرجل وطلبنا منه بيعه، وعند رفضه، اقتدناه إلى منزل آخر وحبسناه في غرفة مليئة بالتبن والأعلاف وأشعلنا ناراً فيها وأطفأناها وكررنا الأمر ثلاثة أيام حتى وافق على بيع المنزل مقابل عشرة آلاف دولار أميركي، رغم أن قيمته في ذلك الوقت كانت تقدر بـ 300 ألف دولار".
اشتعل التنافس بين أمراء الحرب للاستيلاء على المواقع المميزة في العاصمة
بعد عامين من استيلاء منغل على منزل الرجل، توفي اثنان من أبنائه في حادث سير، وأصيب بالتهابات في الكبد، فشعر بالذنب تجاه صاحب المنزل، كما يقول، مضيفاً: "بحثت عن الرجل حتى وجدته في كابول وأعدت إليه المنزل على أن يدفع لي المبلغ الذي منحته له بالتقسيط".
لا تختلف رواية منغل كثيراً عن الوقائع التي رصدها هربنس سينك هاندا، مسؤول الأقلية الهندوسية في كابول، والذي قال لـ"العربي الجديد"، "كان أمراء الحرب وأتباعهم يأتون إلى منازلنا ويخرجوننا منها بالقوة، أكثرنا هرب من أفغانستان حفاظاً على حياتهم"، ومن بقي تحول من كونه تاجراً ميسورا مثلاً إلى عامل، أما من هرب فأصبح لاجئاً بعدما كان مواطناً.
تناقص أعداد الهندوس والسيخ
وصل عدد الأفغان الهندوس والسيخ إلى حوالي 250 ألف نسمة خلال منتصف القرن الماضي، وبعد الاحتلال السوفييتي عام 1979، بدأت الأعداد بالتناقص نتيجة الهجرة إلى باكستان والهند وأميركا الشمالية وأوروبا، وتزايد الأمر أثناء فترة حكم الرئيس محمد نجيب الله، (منذ عام 1987 وحتى إبريل 1992)، وبعد الاحتلال الأميركي وتولي حامد كرزاي للرئاسة في 22 ديسمبر/كانون الأول 2001، أسفر اغتصاب ممتلكات الأقليتين، عن هروب العديد منهم وتناقص العدد سريعاً من حوالي 30 ألف نسمة، ووصل إلى أربعة آلاف نسمة، ثم تراجع العدد بحلول عام 2021 وبلغ 400 شخص، فر منهم 250 شخصاً لدى سيطرة حركة طالبان على كابول في أغسطس/آب 2021، كما يوضح القيادي والناشط المدافع عن حقوقهم منجيت سنك لامبه، قائلاً لـ"العربي الجديد":" راوحت نسبة المواطنين من الأقليتين والذين نهبت ممتلكاتهم ما بين 85% و90%".
ما ذكره لامبه، يدعمه تقرير صادر عن منظمة السيخ العالمية (غير ربحية مقرها في كندا) في مارس/آذار 2020، بعنوان "محنة السيخ والهندوس في أفغانستان"، موضحاً أن الأقليتين شكلتا أقل من واحد في المائة من سكان أفغانستان البالغ عددهم حوالي 30 مليوناً قبل انهيار النظام الموالي للاتحاد السوفييتي في عام 1992، وأن تاريخ وجودهما في أفغانستان يعود إلى قرون خلت عاشوا خلالها في كابول وجلال آباد وهلمند جنوب البلاد وغزنة شرقاً، لكنهما تعرضتا للنهب وسرقة المساكن والأراضي ما أجبرهم على الهروب من البلاد.
نهب موسع على يد مسؤولين حكوميين
تجمع مصادر التحقيق أن مسؤولين حكوميين تورطوا في الاستيلاء على منازل المواطنين الأفغان من مختلف الانتماءات العرقية والدينية، وحتى الأراضي المملوكة للدولة نهبت كما الأملاك الخاصة، ففي عام 2003، هدمت شرطة كابول بأمر من أمير الحرب السابق ووزير الدفاع آنذاك، المارشال محمد قاسم فهيم، منازل مواطنين في حي شيربور بالعاصمة بحجة أن الأرض تابعة لوزارة الدفاع، رغم أن أصحاب المنازل عاشوا فيها لعقود، بحسب ما جاء في تقرير "استعادة الأراضي في أفغانستان"، الصادر في ديسمبر 2023، عن شبكة محللي أفغانستان Afghanistan Analysts Network (منظمة مستقلة تنشط في أفغانستان وألمانيا)، وتضمن كشفاً يضم أسماء 29 مسؤولاً استفادوا من الأراضي المنهوبة، ومنهم "محافظ بنك أفغانستان أنور الحق آهادي، وحبيبة سرابي وزيرة شؤون المرأة".
وعقب الاستيلاء على أراضي الدولة يتم بيعها لآخرين، أو توزيعها على المؤيدين، خاصة الأقارب والمتعاطفين والرفاق الفصائليين وأبناء القبيلة، وأصبحت هذه الممارسة واسعة النطاق في مختلف أنحاء البلاد، ما عزز من قوة هؤلاء المسؤولين بين مجتمعاتهم ومن ثم أهميتهم على المستوى الوطني، يقول التقرير، مشيراً إلى أن الأراضي المملوكة للدولة لا يجوز بيعها أو تأجيرها إلا بشكل قانوني ووفق إجراءات محددة، لكن بالرغم من ذلك، نهب 1.3 مليون جريب (الجريب يساوي 1366 متراً مربعاً).
و"استفاد من تلك الأراضي المنهوبة 5300 شخص، بينهم أعضاء في البرلمان ومسؤولون في الحكومة"، بحسب التقرير ذاته، الذي يشير إلى "محاولات عدة لاستعادة تلك الأراضي". ففي عام 2014 وضعت حكومة كرزاي قانوناً أقره مجلس النواب ونص على معاقبة ناهبي الأراضي، لكن "لم يتغير شيء"، كما يقول الزعيم القبلي، مدبر خان بن عزيز خان، والذي يعيش في مديرية قره باغ في ولاية بولاية غزني شرقي أفغانستان، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن المحاولة الثانية قادها أشرف غني (تولى الرئاسة في 2014 وحتى 2021)، لكنها اصطدمت بمسؤولين حكوميين متورطين، ومنهم نائبه الجنرال عبد الرشيد دوستم الذي كان له علاقات قوية مع القوات الدولية والأميركية المحتلة للبلاد ولم يتمكن أحد من المساس به.
استعادة 1.7 مليون فدان
من بين ضحايا دوستم، محمد شاهد، إذ استولى رجال الجنرال على منزله الذي ورثه عن أبيه في منطقة وزير أكبر خان أرقى أحياء كابول وحولوه إلى دار ضيافة للجنرال، وفي كل مرة كان يحاول الحديث معهم يهددونه بالقتل، حتى نسي الأمر، واكتفى بالعيش مع عائلته في بيت مستأجر، كما قال لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنه تقدم بأوراق الملكية إلى لجنة منع الاستيلاء على الأراضي في إبريل 2023، وعقب شهرين وتحديداً في 25 يونيو/حزيران من العام ذاته، أصدرت المحكمة المختصة قراراً بملكيته للمنزل ليتسلمه في اليوم ذاته من قيادي في حركة طالبان، كان قد سكن فيه لاعتقاده أنه مملوك لدوستم، ويتابع: "لم أكن أجرؤ على الاقتراب من المنزل الذي كان محاطاً بجدران إسمنتية، قبل عودة طالبان إلى الحكم وسيطرتهم على البلاد في أغسطس 2021".
مسؤولون حكوميون سابقون متورطون في نهب الممتلكات العامة والخاصة
وتنظر اللجنة في وثائق الملكية المقدمة من المتظلمين وتحيلها على محكمة مكونة من رئيس وقاضٍ ومُفتٍ وكاتب، وتبت في القضايا وتحيل الأحكام على الجهات الأمنية للتنفيذ بحضور ممثلين عنها، كما يقول الناطق باسم وزارة العدل قاري بركت رسولي، لـ"العربي الجديد".
وأثمرت جهودها حتى سبتمبر/أيلول الماضي عن استرداد مليون و700 ألف فدان من الأراضي الحكومية، بحسب رسولي الذي يوضح أن الأراضي الحكومية المستعادة تخصص للجهات الحكومية المعنية وبعضها تدخل ضمن مشاريع كان ينبغي القيام بها، مشيراً إلى غياب الإحصائيات بعدد المنازل والعقارات الخاصة التي استردها أصحابها، لعدم وجود نافذة موحدة لاستقبال طلبات المتقدمين للجنة، إذ يتقدم البعض بالدعوى إلى المحكمة المختصة في كابول والبعض إلى محاكم أخرى في أقاليم البلاد المختلفة.
لكن في المجمل يقول رسولي: "لدينا توجيهات صريحة من قبل قيادة حركة طالبان بالنظر في قضايا الأراضي الخاصة بالمواطنين بشكل أسرع، وإعطائها الأولوية لكي تعود الحقوق إلى أصحابها من دون تأخير".
ويعلق مسؤول الأقلية الهندوسية هاندا، على ما سبق قائلاً: "اعتقد الناهبون أن خروجنا من البلاد سينهي الأمر ولن يأتي من يلاحقهم وينتزع منهم حقوقنا التي نستعيدها اليوم"، وهو ما يؤيده أمير سنغ، مضيفاً بفرحة: "بعد تسلّم المنزل، اتصلت بأمي وزوجتي في الهند لأخبرهما أنني أقف داخل البيت، لكنهما لم تصدقا إلى أن فتحت كاميرا الهاتف وشاهدتا الأمر رأي العين".