المفاوضات النووية الأميركية - الإيرانية... الخلفيات والعقبات والآفاق

06 مايو 2025

أخبار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة تتصدر مطبوعة في طهران (19/4/2025فرانس برس)

+ الخط -

عقدت الولايات المتحدة وإيران ثلاث جولات تفاوضية بوساطة عُمانية، تسعى منها واشنطن  إلى تقييد البرنامج النووي الإيراني، في حين تسعى طهران إلى رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وقد انطلقت المفاوضات، في 12 نيسان/ أبريل 2025 في مسقط، تلتها جولة ثانية بإيطاليا في روما، وثالثة في مسقط مرّة أخرى؛ في 19 و26 من الشهر نفسه على التوالي. وأجرى الوفدان المفاوضات في غرفتين منفصلتين في كلٍ من مسقط وروما، في حين ذكرت واشنطن أن المفاوضات كانت غير مباشرة، ومباشرة أيضاً، في إشارة إلى لقاء قصير جمع بين رئيسَي الوفدين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في الجولة الأولى. 

خلفية المفاوضات

خلال لقاء جمع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، في 7 نيسان/ أبريل، أعلن ترامب عن "محادثات مباشرة"، تجري بين واشنطن وطهران "على أعلى مستوى"، لكن طهران نفت الخبر حينها. وأكد ترامب، منذ بدء ولايته الرئاسية الثانية أنه يريد إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، وهدد بأن البديل شنّ هجوم عسكري عليها إن لم توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وكان الاتفاق النووي لعام 2015 قد حدّد نسبة تخصيب اليورانيوم المسموح بها لإيران بـ 3.76% كافية لتشغيل برنامج مدني. إلّا أن طهران ضاعفت، بدءاً من عام 2019، من معدلات التخصيب، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، لتصل إلى نسبة نقاء مقدارها 60%. وبعث ترامب، في آذار/ مارس 2025، رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، يحضّه فيها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وحذّره من مواجهة مزيد من العقوبات وضربات عسكرية واسعة النطاق، منها ما يستهدف المنشآت الإيرانية النووية. وعلى الرغم من أن الردَّ الأوّلي لخامنئي كان رفض التفاوض تحت التهديد، فإنه عدل عن موقفه ووافق على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، عبر الوسيط العُماني. 

تعمل الولايات المتحدة، منذ أسابيع، على تعزيز قدراتها العسكرية في المنطقة في سياق الحرب التي تشنها ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، والتصعيد المحتمل ضد إيران. وفي مطلع نيسان/ أبريل، نشرت واشنطن طائرات قاذفة من طراز "بي-2" في المحيط الهندي، في رسالة تحذيرية لإيران من أجل دفعها إلى التفاوض بشأن برنامجها النووي. ويمكن أن تحمل قاذفات "بي-2" قنابلَ خارقة للتحصينات تستهدف المنشآت النووية الإيرانية في أعماق الجبال. وبعد الجولة الأولى من المفاوضات، نشرت واشنطن حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" ومجموعتها المقاتلة في بحر العرب، لتنضم إلى حاملة الطائرات "يو إس إس هاري إس. ترومان"، لممارسة مزيد من الضغط على طهران. وتواجه إيران أيضاً عقوبات اقتصادية صارمة، من جرّاء سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها ترامب ضدها منذ عام 2018، والتي شملت حظر شراء الدول الأخرى للنفط منها؛ ما أدّى إلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية، ومغادرة الشركات الأجنبية أراضيها، وانهيار عملتها التي فقدت قرابة 90% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، فضلاً عن مواجهة البلاد أزمة في الوقود والكهرباء في شتاء 2024-2025.

 تواجه الولايات المتحدة تحدّيات إن قرّرت المضي في الخيار العسكري، مثلما تطالب إسرائيل، ضد البرنامج النووي الإيراني

في المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحدّيات إن قرّرت المضي في الخيار العسكري - مثلما تطالب إسرائيل - ضد البرنامج النووي الإيراني. فمن ناحية، تقوم مقاربة ترامب في السياسة الخارجية على تجنّب الحروب غير الضرورية، والتي لا ترتبط مباشرة بالأمن القومي الأميركي. ومن ناحية أخرى، تكتنف الشكوك قدرة أي عمل عسكري أميركي أو إسرائيلي، أو مشترك بينهما، على تدمير البرنامج النووي الإيراني كليّاً. فقد يعطّل الهجوم البرنامج مؤقّتاً، ويؤخّر "زمن الاختراق" لصنع قنبلة نووية. وقد يدفع أيّ عمل عسكري ضد إيران إلى طرد المفتشين التابعين للأمم المتحدة، والإسراع في تحوّلها إلى دولة مسلّحة نوويّاً.

جولات المفاوضات الثلاث

ركزت الجولة الأولى من المفاوضات في مسقط على تحديد مسار المحادثات وصيغتها، بينما ركّزت الثانية في روما على وضع إطار عمل لكيفية سير المفاوضات. وبحسب عراقجي، اتفق الطرفان على البدء في وضع إطار عمل لاتفاق نووي محتمل، ووصف مسؤول أميركي المفاوضات حققت "تقدّماً جيّداً للغاية". وفي 23 نيسان/ أبريل، عُقد لقاء في مسقط بين البلدين على مستوى الخبراء، وصفه مسؤول إيراني بأنه كان "صعباً ومعقّداً وجادًاً". وفي 26 نيسان/ أبريل، عُقدت الجولة الثالثة في مسقط مجدّداً تبادل فيها الطرفان، بحسب عراقجي، نقاطاً مكتوبة، ودخلت في "مناقشات أعمق وأكثر تفصيلًا"، ووصفها مسؤول كبير في الإدارة الأميركية بأنها كانت "إيجابية وبنّاءة". 

وعلى الرغم من أن الطرفين اتفقا على عقد جولة رابعة من المفاوضات في روما في 3 أيار/ مايو 2025، فإنها تأجلت لأسباب لوجستية، بحسب وزير الخارجية العُماني، على أن يُحدّد موعدها لاحقاً. ويبدو أن التأجيل كان بسبب عقوبات جديدة أعلنتها في 30 نيسان/ أبريل وزارة الخارجية الأميركية ضد شركاتٍ تقول إنها على صلة بطهران، متورّطة في التجارة غير المشروعة للنفط والبتروكيماويات الإيرانية. وفي اليوم التالي، أي قبل يوم من الجولة الرابعة من المفاوضات، وجّه وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، تهديداتٍ إلى إيران بذريعة دعمها الحوثيين في اليمن. ومع ذلك، من غير المرجّح أن يؤدّي هذا التأجيل والتصعيد إلى انهيار المحادثات؛ إذ يسعى كلاهما إلى تجنّب الانزلاق نحو الحرب. 

غموض المقاربة الأميركية

يتجنّب الهدف الاستراتيجي العام، الذي يكرره ترامب دائماً، الإجابة عما إن كانت الولايات المتحدة تقبل بالتعايش مع واقع تكون فيه إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم، بغض النظر عن نسبة التخصيب، وهو ما يجعلها مؤهلة لإنتاج سلاح نووي متى قرّرت ذلك. حضر هذا السيناريو في الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ثمَّ حينما انسحب ترامب منه، فالاتفاق سمح لها بالحفاظ على بنيتها ومنشآتها النووية، وكذلك أجهزة الطرد المركزي. ومن هذا المنطلق، يجادل بعض المسؤولين في إدارة ترامب بأنه لا بد من تفكيك البرنامج النووي الإيراني كليّاً؛ وهو ما يطالب به نتنياهو كذلك، الذي يصر على أن الاتفاق الوحيد الذي تقبل به إسرائيل هو تفكيك البرنامج على غرار ما جرى في ليبيا عام 2003، "بإشرافٍ وتنفيذٍ أميركيَين"، وإنْ لم يحصل ذلك يكون اللجوء إلى "الخيار العسكري". في المقابل، ثمّة في إدارة ترامب من يرى أن هذا الخيار غير واقعي، وأن إيران لا يمكن أن تقبل به، وإن أصرّت واشنطن على هذا الشرط، فإن ترامب سيضطر إلى خوض حربٍ مع إيران كما هدّد غير مرّة. ومن المعلوم أن النقاشات داخل إدارة ترامب بشأن إيران ما زالت مستمرّة. 

يضمّ المعسكر الأول الذي يؤمن بأولوية الحل الدبلوماسي، حتى لو تضمّن ذلك الحفاظ على بنية نووية إيرانية محدودة وخاضعة للرقابة المشدّدة، كلّاً من نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الدفاع هيغسيث، وويتكوف. وأبلغ الأخير مسؤولي إدارة ترمب أن الإصرار على التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني سيعني عدم التوصل إلى اتفاق، ومن ثمَّ فإن الخيار البديل هو ضرب المنشآت النووية الإيرانية، مع ما يعنيه ذلك من تداعياتٍ أمنيةٍ وسياسية واقتصادية على المصالح الأميركية. 

تشدّد إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم، لكنها تبدي استعداداً لقبول قيود معيّنة على ذلك

يضم المعسكر الثاني، الذي يطالب بتفكيك البرنامج النووي الإيراني كليّاً، كلاً من وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز (أقاله ترامب أخيراً)، وعضو مجلس الشيوخ المقرّب من ترامب ليندسي غراهام. ويرى هذا الفريق أن الإبقاء على البرنامج والمنشآت النووية الإيرانية سيعرّض ترامب لانتقادات كبيرة؛ إذ إنه "يكرّر خطأ" إدارة باراك أوباما، الذي سبق أن وصفه ترامب بأنه "كارثة". ويقول هذا الفريق أيضاً إن إيران أضعف من أي وقت مضى؛ بسبب الضرر الذي ألحقته إسرائيل بقدرات حلفائها (خاصة حزب الله اللبناني) وسقوط نظام بشار الأسد في سورية، فضلاً عن الضربات التي يتعرّض لها الحوثيون في اليمن. ويرى هؤلاء أن إيران اليوم أكثر هشاشة من ذي قبل، من جرّاء العقوبات الاقتصادية الأميركية الصارمة المسلّطة عليها، وتعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، فضلاً عن نجاح إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2024 في تدمير دفاعات جوية استراتيجية لطهران خلال الهجوم عليها؛ ما يعني انكشافاً كبيراً في مواقعها النووية والعسكرية الحسّاسة، أمام أي هجمات في المستقبل.

وما يدلّ على الخلاف داخل إدارة ترمب في هذا الملف أن ويتكوف كان قد صرّح، في 14 نيسان/ أبريل، بعد الجولة الأولى من المفاوضات، بأنه لا يستبعد أن يُسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم عند مستوى 3.67% اللازم لبرنامج الطاقة النووية السلمي، على أن يجري التأكّد من أنها لا تصنع صواريخ باليستية يمكنها حمل سلاح نووي أو تصنع مشغلاتٍ يمكنها تفجير قنابل نووية. غير أنه تراجع عن تصريحه بعد يوم، مؤكّداً أن "إيران يجب أن توقف وتقضي على برنامجها للتخصيب والتسليح النووي"؛ وهو ما ترفضه إيران قطعيّاً. بل إن روبيو يذهب أبعد من ذلك، بتشديده على أن إيران ينبغي لها أن توقف تخصيب اليورانيوم، بموجب أي اتفاق مع الولايات المتحدة، وأنه لن يُسمح لها إلا بـ "استيراد ما تحتاجه لبرنامج نووي مدني".

الموقف الإيراني

تشدّد إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم، لكنها تبدي استعداداً لقبول قيود معيّنة على ذلك. وحدّدت المبادئ التي تريدها في الاتفاق النووي في النقاط التالية:

(1): يجب أن يتضمن الاتفاق رفع العقوبات المفروضة على إيران.

(2): الحصول على ضمانات موثوقة من ترامب بأنه لن ينسحب من الاتفاق النووي مجدّداً، كما فعل عام 2018.

(3): أن لا يتضمّن الاتفاق التفكيك الكامل للبنية التحتية النووية الإيرانية، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، أو وقف التخصيب تماماً، أو خفض مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى ما دون المستويات المتفق عليها في اتفاق عام 2015.

(4): أن لا تشمل المفاوضات البرنامج الصاروخي الإيراني، الذي تعتبره طهران خارج نطاق أي اتفاق نووي.

(5): أن تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل خلال المحادثات للامتناع عن التهديد بمهاجمة إيران. 

ثمَّة نبرة توحي بالتفاؤل الحذر عند إيران والولايات المتحدة؛ وأساسه رغبتهما في تجنّب الحرب

وبحسب مسؤول إيراني، لمست إيران خلال "المحادثات غير المباشرة في عُمان أن واشنطن لا تريد أن توقف إيران جميع أنشطتها النووية، ويمكن أن يشكّل هذا أرضية مشتركة لبدء مفاوضات عادلة". وفي المقابل، طرحت إيران إمكانية إقامة مشروع مشترك لإدارة منشآتها للتخصيب النووي، وهو خيارٌ من شأنه أن يسمح لإدارة ترامب بأن تعلن أنها أبرمت اتفاقاً مختلفاً عن اتفاق إدارة أوباما. ودعا وزير الخارجية الإيراني الولايات المتحدة إلى الاستثمار في برنامج بلاده النووي، والمساعدة في بناء 19 مفاعلاً نوويًاً في إطار إجراء أمني إضافي. وصرّح مسؤول إيراني كبير أيضاً إن بلاده منفتحة على نقل مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى روسيا أو دولة أخرى، تماماً كما فعلت في أوائل عام 2016 مع دخول الاتفاق النووي في عهد أوباما حيّز التنفيذ.

خاتمة

يصعب الجزم بقدرة واشنطن وطهران على التوصل إلى اتفاق نووي جديد، في ظرفٍ يتّسم بالخلافات والتوقعات بينهما حول الاتفاق وشروطه. غير أنه يمكن القول إن ثمَّة نبرة توحي بالتفاؤل الحذر عند الطرفين؛ وأساسه رغبتهما في تجنّب الحرب. ويبدو أن العقدة الأبرز في المفاوضات، تتمثل فيما إن كان سيُسمح لإيران بالاحتفاظ بمنشآتها النووية وإمكانية تخصيب اليورانيوم، ولو بالمستويات المطلوبة لإنتاج الطاقة المدنية؛ أي بنسبة %3.67. ويتعرّض ترامب لضغوط من داخل إدارته ومن إسرائيل، حتى لا يعود إلى اتفاقٍ شبيهٍ بالاتفاق الذي أبرمته إدارة أوباما. إلا أن ثمَّة من يطرح تدابير إضافية لتحسين ذلك الاتفاق، قد تشمل مراقبة أكثر صرامة للأنشطة النووية الإيرانية، ومشاريع مشتركة لإدارة المنشآت النووية، وجعل ضمانات إيران دائمة. في المقابل، تجد إيران نفسها في وضع أكثر انكشافاً مما كانت عليه قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يضاف إلى ذلك السخط الشعبي المتزايد من التأثير البالغ للعقوبات الاقتصادية في المستوى المعيشي للإيرانيين. ومن ثمَّ، هي أكثر حرصاً على التوصّل إلى اتفاق نووي، لا يمسّ بخطوطها الحمراء. يبقى العامل الإسرائيلي، وإصرار نتنياهو على ضرورة أن يتناول أي اتفاقٍ مع إيران تفكيك منشآتها ونقل معدّاتها النووية خارج البلاد، ومنعها منعاً باتّاً من التخصيب. ويصرّ نتنياهو أيضاً على وضع حدّ لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وتوقّف إيران عن دعم حزب الله والحوثيين وحركات المقاومة الفلسطينية، وهو ما ترفضه طهران. وتتسرّب معلومات عن ضغط الحكومة الإسرائيلية على واشنطن، من أجل أن تسمح لها بالقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، حتى إن كان محدوداً، إلا أن إدارة ترامب ترفض ذلك ما دام ثمّة احتمال للتوصل إلى اتفاق.