النسبة الصّدْرية الحاسمة

06 مايو 2025

أتباع مقتدى الصدر في أثناء استماعهم خطابه بالنجف في ذكرى اغتيال والده (1/4/2025فرانس برس)

+ الخط -

احتفل "الصدريون"، والمنشقّون عن التيّار الصدري في العراق، خلال الأسبوع الماضي، بالذكرى السادسة والعشرين (حسب التقويم الهجري) لرحيل المرجع الشيعي محمد صادق الصدر، الذي اغتيل في 19 فبراير/ شباط 1999. ظهر مقتدى الصدر، النجل الأبرز للمرجع الراحل، في خطبة مثيرة أمام جمهوره، لم تخلُ من رسائلَ مبطّنةٍ إلى هذا الطرف أو ذاك داخل العراق، وأبرزت في المجمل سيطرته الفريدة من نوعها على جمهوره من أتباعه ومؤيّديه.
أعلن الصدر، في مناسبات سابقة، أنه سيقاطع انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلة، لكن مقرّبين من التيّار الصدري، في حوار شخصي، قالوا إن هذا القرار قد لا يكون نهائياً، خصوصاً وأن الصدر طلب من قاعدته المطيعة أن تحدّث بطاقاتها الانتخابية، ما يجعل إمكانية مشاركتها في الانتخابات حاضرةً وممكنةً جدّاً، حين يقرّر الصدر ذلك في وقت لاحق.
أهميّة ما يفعله أو يقوله مقتدى الصدر أو حساباتٌ مقرّبة منه، مثل حساب "وزير القائد" في مواقع التواصل الاجتماعي، أنه يملك جمهوراً ثابتاً لا يتأثّر بالتحوّلات السياسية ولا بالأمزجة المتغيّرة للجمهور العام، وأن لهذه الكتلة التصويتية تأثيراً مهماً في حال ميلانها إلى اليمين أو الشمال، وقد تؤدّي إلى ترجيح كفّة طرف ضدّ آخر، من دون نقاش.
خلال الدورات الانتخابية المختلفة حافظ الصدر على ما نسبته 20% من الجمهور الانتخابي الشيعي، قد ترتفع هذه النسبة قليلاً، كما حصل في انتخابات 2021، ولكن قوّتها الحاسمة، في كلّ الأحوال، أنها نسبة مضمونة، بينما تجرّب الكيانات السياسية الشيعية الأخرى حظوطها مع جمهور متقلّب وغير مضمون، وتعتمد غالباً على العلاقة الزبائنية، فغالبية الكيانات السياسية لديها جمهور من الموظّفين في الدوائر الحكومية، ساعدت هي على تعيينهم، وبالتالي اشترت ولاءهم السياسي، وغالباً ما يصوّت هؤلاء الموظفين مع عوائلهم للكيان الذي ساعد في تثبيته في وظيفته الحالية. وبسبب تواتر هذه العلاقة واستمرارها، يعرف كثيرون من الطامحين إلى وظيفةٍ حكوميةٍ في واقع اقتصاديٍّ ضعيف، أن عليه أن يلعب أوراقه مع تيّار سياسي موجود، فيمحضُه الولاء مسبقاً، لهذا الهدف تحديداً.
التيار الصدري، حاله حال بقية الكيانات السياسية، دخل في اللعبة الزبائنية مبكّراً، ولكن هذه اللعبة غير مضمونة النتائج دائماً، ولا أحد يعرف، داخل صندوق الاقتراع المعزول عن المراقبة، ما هي اختيارات الناخب الفعلية في ساعة الجدّ.
داخل العزلة الشخصية لصندوق الاقتراع يعرف الصدر أن ناخبيه سيصوّتون له، لا بسبب علاقة زبائنية، وإنما بسبب ولاء عميق وحقيقي. ميزة الصدر هي نفسها معضلته، فهو (حاله حال منافسيه) يرغب بتوسيع قاعدته الانتخابية، ولكنّه من أجل ذلك يحتاج إلى الخروج من حدود القلب الصلب للتيار الصدري إلى دائرة أوسع من المتعاطفين عقائدياً أو اجتماعياً، وهذا ما حصل سابقاً في تحالفه مع التيّار المدني والشيوعي في العراق، في انتخابات مايو/ أيار 2018، مع قائمة "سائرون"، وحصد من خلالها المركز الأول بنسبة 14.47% من أصوات الناخبين في عموم العراق.
لكن الشعور بالتهديد والخشية من الانشقاقات الداخلية، أو ذوبان الإطار العقائدي للتيّار الصدري، دفعه لاحقاً إلى الاعتماد على القاعدة الصدرية الصافية حصراً، وهذا ما يجعل الصدر يعود مراراً إلى تلك المناسبات المعزّزة للرابطة العقائدية، كما الحال مع الاحتفال بذكرى استشهاد والده.
تبقى القاعدة الانتخابية الأقرب إلى الصدريين، هي نفسها التي صوّتت للمدنيين والشيوعيين في قائمة "سائرون"، الذين تجمعهم مشتركات عديدة، لعلّ أهمّها الموقف من النفوذ الايراني في العراق، وهؤلاء لديهم حماسة كبيرة (هذه المرّة) للمشاركة في الانتخابات المقبلة، وربّما يحصلون على نسبة جيّدة من أصوات الناخبين ممّن اعتادوا مقاطعة الانتخابات في الدورات السابقة، وستخلخل هذه المشاركة في حجوم الكيانات الشيعية بكلّ تأكيد، ولكنّها لن تثلم شيئاً من "النسبة الصدْرية" المعتادة.
في حال قرّر الصدر في الأشهر المقبلة أن يشارك في الانتخابات، مع حماسة المقاطعين للمشاركة في الانتخابات هذه المرّة، فإن الصدر سيعود إلى الواجهة مجدّداً.