جسد المرأة أداة نفيٍ للجريمة
(ضياء العزاوي)
لسببٍ ما، دخلت فنّانة شابّة تدعى غيثة عصفور بيتَ رجلٍ لا نعرف اسمه. ولسبب آخر، اتّصلت زوجته بالشرطة مُتَّهِمة زوجها بخيانتها مع الفنانة الشابة، التي لم تكن وحدها مع الزوج المصون، إذا أردنا أن نروي الحكاية بأمانة. كالعادة، تنازلت الزّوجة بعد وقتٍ وجيز عن شكايتها ضد الزوج، لكن الفنانة ظلت قيد الاعتقال ثلاثة أيام، على ذمّة التّحقيق في "الواقعة".
ولأنَّها امرأة وفنانة، أكل الإعلامُ الفضائحي والفيسبوكيون لحمَ غيثة طوال المدة التي قضتها في السّجن، قبل أن تُقرّر النيابة العامة تبرئتها من التهم. قليلون من التفتوا إلى خبر البراءة والإفراج، وهو الخبر الذي يشكّل صفعة كاشفة لرداءة الأخلاق العامة، التي يدّعي الجميع الحرص عليها. وأوّلُهم القانون الذي يتيح للشرطة اعتقال رجلٍ وامرأةٍ طرقوا عليهما باب بيت أحدهما، لمجرّد "احتمال" إقامتهما علاقة حميمة. بينما يفترض بالقانون أن يحمي الناس من أمزجة المجتمع، وتعقيد العلاقات البشرية.
عادت الشابة إلى بيتها بعد أن تغيّرت حياتها إلى الأبد. فلن يعيد لها أحد كرامتها المهدورة، ولا الأيام الثلاثة التي قضتها في السجن. ولن تشعر بالأمان في مجتمعٍ عضَّها في أول فرصة. الأسوأ أنه تم تقطيع سيرة جسدها في الموضوع باعتباره "أداة جريمة". فحتى محاميها، المدافع عنها، استعمل جسدها أداة نفي، وصرّح بأنها كانت في دورتها الشهرية، لذا لا يمكن أن تقيم علاقة في ذلك اليوم!
في بلد يحفظ حقوق مواطنيه وكرامتهم، سترفع الضحية دعوى ضد الشرطة التي اعتقلتها من دون حالة تلبُّس، فالمكان لا يحدّد الفعل "الجُرمي" لمجرّد أنه يصلح أن يكون مسرح جريمة. مع العلم أن الخيانة الزّوجية جرمٌ أخلاقيٌّ في حق شريك الخائن، لا في حقّ القانون أو المجتمع. ووفق المنطق المختلّ، ينفذ الرجل من تهمة الخيانة، لأنها "مسألة خاصة" تقرّر فيها زوجته، رغم أنه مشتركٌ في فعل "الفساد" الذي تُحاسب عليه قانوناً شريكته.
لو طُرق الباب على العلاقات الجنسية خارج الزواج في مجتمعاتنا لرأينا العجب. ولو أراد القانون ترصُّدهم لدخل عدد هائل من الوجوه المعروفة من مسؤولين وشخصيات عامة ورجال ونساء شرطة خلف القضبان، ولن يحتاج حوافز زوجية. ورغم رفض جزء كبير من المجتمع فكرة إلغاء تجريم العلاقات الرضائية التي يسميها القانون "فساداً"، والأطفال خارج إطار الزواج، فكثيرون منهم يمارسون هذه العلاقات في العتمة. لأنّ رفضهم لم يؤدّ إلى مجتمع فاضل، ولم يقلّل عدد الأطفال غير الشرعيين. ليبقى هذا القانون في يد المفترين حين يرغبون في الانتقام أو التسلية. فمنذ مدّة، وقعت شابّة من نافذة الطابق الرابع وماتت، بسبب أن جارة فضولية اتصلت بالشرطة مشتكية من جار أدخل امرأة شقته. هربت الشابة من احتمال دخولها السجن، ومن الفضيحة، وفضّلت أن تضع نفسها وحياتها على حافّة الخطر، وتتعلّق في نافذة الغرفة للنجاة من الفضيحة، لكنها فقدت حياتها.
حدثت الفضيحة رغم ذلك، وصار جثمانها أداة إثباتٍ على فعلٍ خاص لا يعني الجارات ولا الشرطة. الجاني هنا هو المجتمع الذي لا يتردّد في ممارسة ما يجلد غيره عليه. فمعظم الساخرين من الشابة رجالٌ نهشوا لحمها، وأكثرهم يمارسون الفعل، لا تتاح لهم الفرصة. والدين الذي يزعمون الدفاع عنه لا يحاسب على العلاقة الجنسية غير "الشرعية" طالما لم تكن في العلن. ولا يدعو إلى إيجاد إثبات غير التلبّس، الذي لن يتحقّق طالما يُحرّم هو نفسه التجسّس على الناس، لكن القانون يفعل ذلك.
لا شك أنه من حق الزوجة أن تغضب من إدخال الزوج نساء إلى بيتها، لكن ليس للقانون أن يعتقل هؤلاء النساء لمحاسبتهن على النيات، فيما يتهاون مع جرائم التشهير. ورغم أن قانون العنف ضد المرأة يتيح محاسبة التّشهير الجنسي، لكن أيّ دعوى سترفع السيدة والجناة بالآلاف على الأقل؟ والشرطة الإلكترونية خارقة القوى حين يتعلق الأمر بتفسير تدوينات سياسية تَسُلّها من وسط ملايين من مثيلاتها، لتسلّمها إلى القضاء، لن تفعل شيئاً لهذه الحالات، على عكس التّضييق على الحرّيات، حيث الموارد كلها متوفّرة لها...
أي سقوط أخلاقي نعيشه؟