شرق أوسط بلا عرب... أو المقاومة

29 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 03:15 (توقيت القدس)
+ الخط -

تغيّرت المعادلة. هذا واقعنا هنا والآن، وعدم إدراكه لا يقلّ خطورةً عن الاستسلام له. لم يترك لنا دونالد ترامب فرصةَ التحليل، فهو لا يناور كي نفعل، بل يطلب، ويأمر، وينفّذ، فينجح أو يعيد المحاولة. نقل ترامب السفارة الأميركية إلى القدس (ديسمبر/ كانون الأول 2017)، واعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ضارباً عرْض الحائط العربي والدولي بأيّ أوهام تفاوضية حول القدس.
قطع ترامب (2018 - 2019) المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وعن كالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في تصفية واضحة لقضية اللاجئين ونفي صفة "لاجئ" عن ملايين الفلسطينيين، وحرمانهم من حقّ العودة. أعلن ترامب صفقة القرن (2020) دولةً فلسطينية بلا جيش، وبلا أسلحة، وبلا حدود، وبلا سيطرة على مواردها، دولة بلا دولة، كيان رمزي اعتباري تحت السيادة الإسرائيلية، مهمته إدارة شؤون الأمن الداخلي للفلسطينيين تحت الإشراف الإسرائيلي، إضافة إلى القبول الأميركي بالمستوطنات الإسرائيلية كلّها، واعتبارها شرعيةً ولا تنتهك القانون الدولي، وهو ما صرّح به وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو (2019)، ما يعني إسقاط فكرة "الأرض المحتلة" من الأساس. وهي الخطّة التي لم تنجح بعد، لكنّها في ولاية ترامب الثانية، في طور التنفيذ.
أخذ ترامب خطوةً جديدةً في ملفّ التطبيع، تنقله من مربع الاحتمال إلى دائرة الإلزام، فأنت إمّا مطبّع مع السلام، وإمّا عدو ومع المقاومة "الإرهابية"، وهو ما أفادته عملياً اتفاقية أبراهام (2020)، التي تجاوزت طموحات "كامب ديفيد" في دمج إسرائيل، إلى تكوين جبهة إسرائيلية عربية ضدّ الفلسطينيين، أو بالأحرى ضدّ المقاومة الفلسطينية، في تفريغ علني لأيّ "معنىً" فلسطيني أو عربي.
رفض ترامب أن تمرّ قراراته عبر أبواب السياسة أو التفاوض أو المساومة، التي لا وقت لها، فقد تجاوزها الزمن الأميركي، وقرّر تصفية جيوب المقاومة جيباً جيباً، فلا دول مقاومة، ولا أنظمة مقاومة، ولا حركات مقاومة، ولا خطابات مقاومة، بأيّ شكل وبأيّ درجة.
صنّف ترامب الحرس الثوري الإيراني منظّمةً إرهابية (2019)، في تجفيف منابع الدعم اللوجيستي والسياسي للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، واغتال قاسم سليماني (2020)، الذي كان (رغم كلّ شيء) مسؤولاً عن الإسناد العسكري والسياسي للمقاومة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق. ثمّ جاء فاصل بايدن الباهت، الذي لم يتجاوز سلفه في شيء يُذكر، قبل أن تأتي عملية 7 أكتوبر (2023) ردّةَ فعل (متأخّرة) على ذلك كلّه. وفي أثنائها عاد ترامب ليكمل ما بدأه، فدعمت إدارته حرب إبادة غزّة، واعتبرتها إجراءً أمنياً مشروعاً، ورهنت تحالفاتها في المنطقة بالمشاركة في حصار غزّة، إمّا بالفعل بإغلاق المعابر، وإمّا بالإنفاق على ترسانة أسلحة الخداع الشامل، وإطلاقها في وجه المشاهد العربي عبر منصّات خليجية ومصرية، مهمتها تشويه المقاومة واختزالها في أخطائها، وتطييف الموقف العربي إزاءها أو أدلجته، وإمّا بالسكوت، الذي لا يقلّ خذلاناً، خاصّة إذا اقترن باللامبالاة.
هذه هي معادلة الواقع العربي الآن: "الولاء مقابل البقاء"، ولاء الأنظمة، وبقاء الأنظمة، شرق أوسط إسرائيلي "مستقرّ"، بلا أوراق عربية، وبلا فلسطين أو المقاومة. لا هوامش مناورة تسمح بالتأرجح بين التطبيع والترقيع، أو بمصر حسني مبارك أو أنور السادات، مع إسرائيل فوق الأرض ومع المقاومة في الأنفاق السرية، فقد أغرق ترامب (عبر وكلائه المحلّيين) كلّ نفق قد تمرّ منه القضية أو تختبئ لالتقاط أنفاسها.
تجاوزت الولايات المتحدة دور الوسيط الشكلي إلى الطرف المنحاز إلى إسرائيل قولاً وفعلاً، سياسة وتنفيذاً، خططاً وتحالفات وإجراءات. ولم يعد هناك مجال لأيّ ادعاءات غربية أو عربية، كما لم يعد ممكناً أو محتملاً دعم جرائم ترامب ضدّ المقاومة بوصفها تسويات القدر "العادلة" إزاء جرائم ارتكبتها المقاومة (في الرواية السورية)، أو خيارات سياسية خاطئة (في رواية المقاومة)، فالخيارات السياسية التي كانت مركّبةً ومحيّرةً باتت، مع ترامب، واضحة كالإهانة؛ فالتاجر الأميركي لا يجيد اللفّ والدوران، بل البيع والشراء، ولا خيارات بلا خسائر، فنحن إما مع "مقاومة المُستعمِر" (غير المنزّهة عن الأخطاء وربّما الجرائم)، أو مع ترامب ونتنياهو.

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان