صديق كترامب بألف عدو
معظم قادة العالم الذين يلاحقهم كابوس دونالد ترامب في منامهم وصحوهم يردّدون هذه "الحكمة" الواردة في عنوان هذه المقالة، أو شيئاً على وزنها، كلما سمعوا الرجل يسمّيهم أصدقاء له. معظمهم وليس كلّهم، لأن هناك زعماء كان فوز ترامب في الرئاسة قبل 100 يوم مناسبة لإقامة احتفالات مديدة وعلنية في قصورهم. والقاسم المشترك بين المحتفلين سراً أو علناً أنهم شعبويون وقوميون متشددون، متسلطون وكارهون للديمقراطية والليبرالية والمساواة والعدالة وبقية قيم الانفتاح، من أنصار العودة بالعالم إلى عصر الحمائية بدل تطوير العولمة وتعزيز فوائدها وتعميمها على جميع الشعوب وتنقيتها من شوائبها. زعماء يرون في إرساء شريعة الغاب والقوة العارية والهرمية العنصرية على مستوى العالم، وتعميم تفكير تجاري لا حدّ أدنى من الأخلاق فيه على السياسة والعلاقات الدولية، قيماً مضادة للتقدّم والتنوير والإحساس الكوني بالكوارث العالمية كالبيئة والتغير المناخي والأمراض والحروب والمخاطر النووية. استعراض سريعة لأخلاق وخطابات وسلوكيات بنيامين نتنياهو وناريندرا مودي وخافيير ميلي وفيكتور أوربان وكيم جونغ أون وجورجيا ميلوني وفلاديمير بوتين وغيرهم ممن يصعب ذكرهم في هذه العجالة، يكفي لتقديم فكرة مرعبة عن أي ثنائيات قاتلة تنتظر العالم في كل مرة يلتقي كل من هؤلاء دونالد ترامب.
وبقدر ما يسهل على ترامب والمعجبون به أن تتقاطع مصالحهم، يصعب على المتضرّرين منه أن يلتقوا على مشروع مواجهة، ولو كان سياسياً اقتصادياً تكتيكياً لا جانب عسكرياً ولا استراتيجياً فيه. والحالة الأوروبية التي تلت فرض ترامب رسومه الجمركية على الكرة الأرضية، حتى على مناطق جغرافية لا بشر فيها، مثل جزر هارد وماكدونالد، وهي مستعمرات أسترالية للبطاريق وليس البشر، مثيرة لقلق كل من يتمنى بروز من يواجه الوحش الأميركي. حتى قبل أن يؤجل ترامب تطبيق رسومه 90 يوماً (باستثناء المفروضة على الصين)، بدأت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين تتوسل التفاوض وتعرض رفعاً متبادلاً بين أميركا والاتحاد لجميع الرسوم الجمركية على السلع، فيسارع ترامب إلى رفض العرض، مطالباً باستسلام أوروبي عبر إلغاء المعايير الناظمة للسلع المسموح بإدخالها إلى السوق الأوروبية (البيئية والصحية وتلك المتعلقة بالسلامة العامة...) التي تعوق بيع بضائع أميركية كثيرة لا تحترم المعايير الأوروبية. ولأن الزحف الأوروبي أمام ترامب يشجعه على طلب المزيد من الخضوع، فإنّ ترامب يريد من الاتحاد أيضاً تخفيف الضريبة على القيمة المضافة في البلدان الأوروبية، لأن هذه الضريبة تقلل من حجم استهلاك السلع الأميركية، وكل ذلك لأنّ "على أميركا ديوناً بقيمة 36 تريليون دولار (36 ألف مليار) ونريد أن نسدّدها" من أموال هذه البلدان وفق اعترافه في مؤتمره الصحافي الذي عقده قبل أسبوعين مع نتنياهو في واشنطن. وفور بدء المفاوضات التجارية بين أوروبا وواشنطن، التي يُرجح أن تبدأ قريباً جداً، بما أن دول العالم "تقبّل مؤخّرتي لإبرام صفقات جديدة" وفق التصريح الحرفي لترامب، أغلب الظن أن يفرض هذا الأخير شرطاً إضافياً، وهو أن تتراجع مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن العقوبة التي فُرضَت على مؤسسات أصدقائه في "آبل" و"ميتا" و"غوغل" و"أمازون" لخرقهم القانون الأوروبي للاحتكار وللمنافسة الإلكترونية. وإن لم يكن الأوروبيون يدركون أن هذا ما ينتظرهم على طاولة التفاوض مع ترامب وأركان إدارته، فإنّ حالتهم تكون يرثى لها. وبدل أن تستغل أوروبا فرصة تحدّي الصين الرسوم الجمركية الأميركية، ودعوة بكين لبروكسل إلى إنشاء "تحالف راغبين" يكسر البلطجة التجارية الترامبية، يسارع المسؤولون الأوروبيون، الواحد تلو الآخر، إلى دعوة القيادة الصينية للتهدئة وعدم تصعيد الموقف (!)، بما يوحي بهوس أوروبي عتيق لتأدية دور الوساطات، وكأن رسوم ترامب شأن صيني ــ أميركي ليسوا هم وبلدانهم وناخبوهم أوائل ضحاياه.